أردوغان يرفض الاعتراف بأزمة حكومته بالحديث عن أوضاع مستقرة

الرئيس التركي يرفض الإقرار بوجود أزمة سياسية تعصف بحكومته الى جانب الأزمات الاقتصادية وذلك برفض مناقشة اية تعديلات وزارية.
دخول تركيا في صدامات مع دول الجوار والدول العظمى انعكس سلبا على اقتصادها
تركيا تسير شيئا فشيئا نحو النظام الشمولي بسبب النزعة الاستبدادية لاردوغان

أنقرة - يكابر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان جميع التقارير الدولية والمحلية التي تتحدث عن ازمة تعيشها تركيا بسبب السياسات الصدامية للقيادة التركية سواء تعلق الامر بالملفات الداخلية او الخارجية حيث يعتبر الوضع الحالي مستقرا ولا يحتاج لتغييرات.

وفي هذا الإطار قال أردوغان، إنه لا معنى لمناقشة التعديلات الوزارية بتركيا وسط استقرار الوضع في الوقت الراهن.
جاء ذلك في مقابلة مع وكالة "رويترز"، الجمعة، في مكتب رئاسة الجمهورية بقصر "دولمة بهتشه" في مدينة إسطنبول.
وأكّد أردوغان أنه "عندما تكون هناك حاجة متعلقة بالكادر الوزاري سنتخذ الإجراءات اللازمة" مستدركا "لا نقوم بمثل هذه الإجراءات حسب الطلب.. لكن عندما يتعلق الأمر بالتغيير في كوادر الحزب، فإن كل مؤتمر عام يجلب التغيير، كما تعلمون.. لأن هذا يعدّ بمثابة تجديد للطاقة".
وبيّن أنه "لا معنى لمناقشة موضوع الكادر الوزاري في ظل عدم وجود أي مشاكل في الوقت الراهن؛ لأن الوزراء  يبذلون ما في وسعهم سواء في الاقتصاد أو المجالات الأجرى".
وتابع: "إذا ظهر قصور ما أو احتجنا لمثل هذا الأمر التعديلات، فإننا سنقوم به على أي حال".
وتصريحات اردوغان تشير دون شك الى الغيبوبة السياسية التي يعيشها في ظل تدهور ملحوظ لتركيا في مختلف المستويات خاصة المستوى الاقتصادي.

أزمة اقتصادية

تدهور الاقتصاد التركي
الاقتصاد التركي يشهد انكماشا غير معهود

ويشهد الاقتصاد التركي في ظل المؤشرات التي تنبأ بالانهيار، انكماشا غير معهود في السنوات الأخيرة، حيث تناقض الأرقام السيئة المستمرة ما يروج من أرقام مضللة بأن تركيا من أكبر اقتصادات العالم.

وبخلاف ما يتحدث عنه اردوغان والقادة الأتراك يسجل اقتصاد تركيا انحدارا حادا مقارنة بالسنوات الماضية.

وتصرح وزارة الخزانة والمالية التركية التي يديرها بيرات البيرق صهر الرئيس ، بأن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في تركيا بلغ تسعة آلاف و632 دولارا وهو أقل بقليل عما كان عليه في 2007، وأقل أيضا من دول أوروبية باستثناء دول البلقان.

وساهم ارتفاع التضخم في تعميق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، في وقت تحاول تركيا التراجع عن سياساتها النقدية لمواجهة الأزمة المالية.

وتمتلك تركيا حاليا سادس أعلى معدل تضخم في العالم، وهو رقم يحيد بتركيا عن الاقتصادات النامية وحتى المتوسطة.

وفي الوقت ذاته يرتفع معدل البطالة بتركيا ليصل إلى 12.8 بالمئة خلال مايو/أيار الماضي، وهو الرقم الأعلى منذ وضع حزب العدالة والتنمية قبضته على الحكم في العام 2002.

وفي سياق المؤشرات السلبية تكشف بيانات التجارة أيضا، صورة أوضح عن تركيا المتأزمة اقتصاديا، فقد تراجع حجم الواردات من الآلات والمعدات، ليعود لمستويات العام 2008 التي تعكس اضطراب قطاع الصناعات التحويلية.

وفي وقت يشير فيه وزراء أتراك إلى وجود فائض تجاري، فإن الفائض هو نتيجة لانخفاضات في حجم واردات الطاقة والسلع الوسيطة سببه تراجع قيمة الليرة وليس جراء زيادة حجم الصادرات.

ويثير انخفاض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر أحد مصادر القلق الأخرى للحكومة التركية التي بلغت باقتصاد البلاد مرحلة حرجة، فقد هبط الاستثمار الأجنبي إلى 13 مليار دولار العام الماضي بعد أن وصل مستوى ذروة عند 22 مليار دولار في 2007.

ويرى خبراء بأن خطر إجمالي حجم الدين الخارجي المستحق يحوم حول تركيا، ما قد يزيد في جرعة المشكلات الاقتصادية المتكاثرة.

وكان إجمالي حجم الدين الخارجي المستحق 130 مليار دولار عام 2002، إلا أنه وصل خلال العام الحالي إلى 453 مليار دولار منها 119 مليار دولار ديون مستحقة للدفع في أجل قصير.

وبلغ مجموع الديون الخارجية المستحقة على القطاع الخاص في العام 2019 نحو 334 مليار دولار. كما يصل حجم القروض القصيرة الأجل من الديون لمستحقة على القطاع الخاص، إلى 90 ملياردولار، في وقت يصل إجمالي ديون القطاع العام القصيرة الأجل 24 مليار دولار.

واستدعت هذه الأرقام تساؤل وكالات التصنيف الائتماني الدولية، عن كيفية تسديد تركيا ديونها الخارجية المتراكمة في ظل استمرار معدل البطالة.

وتاثر الاتراك سلبا بهذا الوضع الاقتصادي الكارثي ما دفع بعدد منهم الى الاقدام على الانتحار حرقا وهو ما رصدته بعض وسائل الاعلام التي كشفت زيف الارقام التركية حول تحسن الاقتصاد ورفاهية المواطن التركي.

تدهور علاقات تركيا الخارجية

وتدهور الوضع الاقتصادي التركي هو نتاج طبيعي لتدهور علاقة انقرة مع دول الجوار اضافة الى الخلافات مع الدول العظمى والدول الاوروبية.

فتركيا تورطت في الملف السوري وهي اليوم ستتحمل تبعات التطورات الميدانية في شمال غرب سوريا مع انهيار المجموعات المسلحة التابعة لها.

وستخضع تركيا للأمر الواقع فيما يتعلق باستكمال القوات السورية المدعومة من روسيا سيطرتها على ادلب والمناطق المحيطة بها لكنها ستحاول تخفيف أزمة تدفق اللاجئين السوريين على حدودها.

كما تتورط تركيا في ملفات اقليمية عديدة منها التدخل في الشان الليبي ومحاولة تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق المتهمة بدعم التنظيمات الإرهابية إضافة الى دخولها في خلافات حادة مع مصر بسبب دعمها للاخوان وتوفير أرضية لهم.

كما تعرف العلاقات التركية السعودية توترا كبيرا وذلك بسبب محاولات أنقرة توريط الرياض وتشويه صورة السعوديين في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي اضافة الى التصريحات الحادة من قبل ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي الذي تهجم إعلاميا على وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف بعد زيارته الأخيرة الى قبرص.

كما دخلت أنقرة في خلافات حادة مع واشنطن وذلك بإصرارها على استكمال صفقة صواريخ اس-400 رغم المخاوف الأميركية.

وأبعدت تركيا بموجب تحديها للرغبة الأميركية من برنامج مقاتلات اف-35.

وعلاقات تركية مع اوروبا ليست على مرام وذلك بسبب الخلافات حول إصرار تركيا على التنقيب قبالة السواحل القبرصية شرق المتوسط والخلافات المتعلقة بتراجع ملفات حقوق الإنسان التركية.

النزعة الاستبدادية لاردوغان

القمع في تركيا
تدهور في ملفات حقوق الانسان

وتعيش تركيا تدهورا في ملفات حقوق الإنسان وتراجعا مطردا عن الخيار الديمقراطي.

وبتجاهل اردوغان حجم الأزمة السياسية في بلاده خاصة فيما يتعلق بالانتقادات الدولية للنظام الرئاسي حيث اكد ان الجهات التي توجه تلك الانتقادات لا علم لها في السياسة ولا في إدارة الدولة.

وقال اردوغان أن نظام الحكم الرئاسي هو نظام ديمقراطي، وأن هذه الأمور لا تناقش في الولايات المتحدة، وكذلك فرنسا التي تتمتع بنظام شبه رئاسي.

وقال الرئيس التركي إنهم اتخذوا خطوة النظام الرئاسي من أجل ضمان الاستقرار السياسي، وقاموا بالاستعدادات اللازمة رغم وجود بعض أوجه القصور، وبلغوا مرحلة جيدة.

ويناقض حديث اردوغان عن كون تغيير النظام السياسي يؤشر للاستقرار بما تعيشه تركيا حاليا من اوضاع متدهورة والذي يترجمه شعور المواطن التركي بالخوف من المستقبل.

ويرفض الرئيس التركي كل التقارير الدولية التي تحذر من سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وتوجيهها خاصة فيما يتعلق بالمحاكمات المثيرة للشكوك والمرتبطة بمحاولة لانقلاب الفاشلة لسنة 2016.

ووصف اردوغان الحديث عن سيطرته على السلطة القضائية بأنها "سخافة وادعاءات"، مؤكدا على استقلال وحرية القضاء في تركيا.

والأزمة التي تعيشها تركيا لا يشعر بها اردوغان لكن المواطن التركي اصبح يستشعر الخطر وهو ما دفع به الى إدارة ظهره لاردوغان في الانتخابات البلدية التي أجريت في مارس/اذار حيث مني حزب العدالة والتنمية بهزيمة نكراء في بلدتي اسطنبول وأنقرة.

ورغم محاولات الرئيس التركي تدجين القضاء واعادة الانتخابات بعد الطعن فيها لكن الشعب التركي وجه صفعة اخرى لاردوغان بالإصرار على انتخاب مرشح المعارضة اكرم امام اوغلو.

وامام الاخفاقات التي تعصف بحكم اردوغان بات حزبه حزب العدالة والتنمية يعاني الانقسامات والتشتت حيث اعلن رئيس الوزراء السابق احمد داوود اوغلو الجمعة الاستقالة من الحزب.
ويأتي قرار الاستقالة بعد أسبوع من قرار اللجنة التنفيذية في الحزب بالإجماع، إحالة 4 أعضاء من الحزب إلى اللجنة التأديبية مرفقا بطلب الفصل النهائي بينهم اوغلو.

وكان رئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو قد اختلف مع أردوغان في عام 2016، وحل محله فيما بعد بن علي يلدريم في المنصب. وانتقد داود أوغلو في السابق سياسات حزب العدالة والتنمية وإدارة الحكومة للاقتصاد كما انتقد أردوغان نفسه.

وليس اوغلو وحده من سارع بالقفز من مركب حزب العدالة والتنمية الغارق فكل من القياديات علي باباجان وبشير أتالاي ونهاد أرقون وسعد الله أرقين استقالوا من الحزب بعد ان استنفذوا محاولات الإصلاح.