أردوغان يستنزف خزائن قطر لإنقاذ الليرة التركية المنهارة

البنك المركزي التركي يعلن زيادة حجم اتفاق مبادلة عملة مع قطر إلى ما يعادل 15 مليار دولار بعد ان انحدرت العملة التركية إلى مستوى غير مسبوق في وقت سابق مع تخوف المستثمرين حيال تراجع صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
فشل أنقرة في اقناع الفدرالي الأميركي يدفعها لمناشدة بكين وطوكيو ولندن من أجل خطوط مبادلة
تركيا تسعى للحصول على تمويل أجنبي لدعم الاحتياطيات والليرة
حجم اتفاق 2018 لمبادلة العملة مع قطر يزيد 3 أضعاف

إسطنبول - لجأت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا إلى قطر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بشأن الليرة التي تنهار في سوق المال العالمية، بعد فشلها في عقد اتفاقات مقايضة مع دول أخرى تمكنها من توفير مصدر جديد للنقد الأجنبي  تشتد الحاجة إليه لتعويض الاحتياطيات التي استنزفت.

وقال البنك المركزي التركي اليوم الأربعاء إنه زاد حجم اتفاق مبادلة عملة مع قطر لثلاثة أمثاله إلى ما يعادل 15 مليار دولار من 5 مليارات، في اتفاق يوفر سيولة أجنبية تشتد الحاجة إليها.

تسعى أنقرة للحصول على تمويل عاجل من الدوحة ودول أخرى لتفادي انهيار العملة إذ يقول المحللون إنها قد تحتاج عشرات المليارات من الدولارات. وقال مسؤول تركي كبير لرويترز إن المحادثات مستمرة.

واضطرت أنقرة للإتكاء مرة أخرى على دعم الدوحة بعد الضغط على 20 دولة من أجل تخفيض احتياطي العملة الصعبة هذا العام، لكن الإمارة الخليجية الغنية بالغاز يعاني اقتصادها هي الأخرى من أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث يختلف الأمر عن سنة 2018 حين تعهدت قطر بتقديم ما يصل إلى 15 مليار دولار من الاستثمار وتقديم خط ائتمان لدعم النظام المالي التركي في ذروة أزمة العملة آنذاك.

ونشر المركزي التركي صباح الأربعاء، بيانًا حول تعديل اتفاقية المقايضة المبرمة مع نظيره القطري في 17 أغسطس 2018 والتي سترفع إلى ما يقابل 15 مليار دولار من الليرة التركية والريال القطري.
وكان مبلغ المقايضة قبل تعديل الاتفاقية المذكورة ما يقابل 5 مليارات دولار من الليرة التركية والريال القطري.

وقال البنك المركزي التركي إن تعديل اتفاق مبادلة 2018 مع مصرف قطر المركزي يستهدف "تسهيل التجارة الثنائية" بالعملة المحلية إلى جانب "دعم الاستقرار المالي في البلدين".

وكانت رويترز أوردت الأسبوع الماضي أن مسؤولين ماليين من تركيا فاتحوا نظرائهم في قطر والصين بشأن زيادة حجم خطوط مبادلة قائمة وتحدثوا أيضا مع بريطانيا واليابان بخصوص إمكانية إنشاء تسهيلات مماثلة.

وثمة تسهيل مبادلة بين تركيا وبكين بقيمة 1.7 مليار دولار.

وقال مسؤول تركي كبير قبل إعلان البنك المركزي "المحادثات بشأن خطوط المبادلة مستمرة والبعض في وضع إيجابي على نحو خاص. نتوقع نتائج إيجابية منها قريبا أيضا".

ووصف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه بعض المحادثات بأنها مستمرة والبعص الآخر توقف.

ويقول المحللون إنه إذا عجزت تركيا عن تدبير تمويل بعشرات المليارات من الدولارات، فستواجه خطر انهيار عملتها على غرار ما حدث في 2018 عندما فقدت الليرة لفترة وجيزة نصف قيمتها في أزمة أحدثت صدمة بالأسواق الناشئة.

يذكر أن تركيا قامت بعقد صفقة مبادلة العملات في 2018 بعد انحيازها إلى قطر على إثر مقاطعة اقتصادية من مجموعة الدول العربية الأربعة وهم السعودية، والإمارات ومصر الكويت.

ومقابل ذلك تعهدت قطر بتقديم استثمارات ضخمة وخط ائتمان لدعم النظام المالي التركي في ذروة أزمة العملة عام 2018. وفي الوقت نفسه، قامت تركيا بنشر قوات وبناء قاعدة ثابتة في قطر منذ 2017.
وتمثل تركيا الملاذ الآمن للاستثمار القطري، إذ بلغ حجمه نحو 22 مليار دولار، فيما بلغت استثمارات الشركات التركية في قطر 16 مليار دولار.

لا
الليرة والريال تحت ضغط كورونا

وتوجد 500 شركة تركية عاملة في قطر، بينها حوالي 242 شركة برأس مال قطري وتركي، و26 شركة برأس مال تركي 100 بالمائة. لكن اقتصاد قطر يعاني هو الآخر من أزمات متتالية منذ المقاطعة الرباعية للإمارة الخليجية الصغيرة لتزيد أزمة وباء كورونا الأمر سوءا، حيث لجأت الحكومة القطرية إلى تعويض انهيار عدد كبير من القطاعات بالدولة عبر فرض رسوم على عدد من القطاعات بسبب أزمة السيولة التي تعاني منها منذ أشهر.

ولامست العملة التركية مستوى منخفضا غير مسبوق في وقت سابق من الشهر الحالي مع تخوف المستثمرين حيال تراجع صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتزامات دين تركيا الخارجي المرتفعة نسبيا، مما حدا المسؤولين للسعي إلى تدبير التمويل من الخارج. 

وعلى مدى جلسات التداول الثماني الأخيرة صعدت الليرة التركية لأسباب منها التوقعات بأن تبرم أنقرة اتفاقات خارجية لإتاحة مزيد من السيولة لوقف هبوط عملتها على غرار ما حدث في 2018 عندما هزت أزمة الليرة التركية الأسواق الناشئة.

ونزلت الليرة 0.2 بالمئة إلى 6.795 للدولار صباح اليوم الإربعاء.

وكانت السلطات تميل إلى مقرضي الدولة لإغراق السوق بالدولار، وأصبح العثور على مصدر للنقد الأجنبي ملحًا بشكل متزايد مع انخفاض إجمالي احتياطيات البنك المركزي 17 مليار دولار منذ بداية العام إلى 89.2 مليار دولار.

وعولت تركيا في وقت سابق على اتفاق مقايضة مع مصدرها المفضل للتمويل بالدولار، مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، لكن تصريحات مسؤولين أميركيين حاليين وسابقيين بالمجلس استبعدوا امكانية مدها خط مبادلة.

وقال تاثا جوس المحلل في كومرتس بنك إن الليرة صعدت بفضل توقعات إبرام اتفاقات مع طوكيو ولندن، لكنه أضاف أن اتفاقات التبادل "قصة ثانوية" لتوقعات تعافي صادرات تركيا مع إعادة فتح اقتصادات أوروبية بعد اجراءات العزل بسبب فيروس كورونا.

وكتب في مذكرة أن أرقام صادرات أعلى "ستبدد مصاعب الليرة الحالية رغم أن العديد من المشاكل سيظل على المدى الأطول".

وهبط صافي احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى 26 مليار دولار من 40 مليارا هذا العام ويرجع ذلك لتدخل البنك من أجل استقرار الليرة، بحسب محللين. وتبلغ التزامات الدين الأجنبي لتركيا 168 مليار دولار في 12 شهرا.

ويقول خبراء اقتصاديون إن الإستراتيجية التي تتبعها أنقرة لا يمكن أن تكون مستدامة، فتدخل البنك المركزي والبنوك المملوكة للدولة لا يترك العملة تستقر عند مستواها الصحيح وهو ما يضر الاقتصاد أكثر في هذه المرحلة.

ومقابل الأرقام الاقتصادية القاتمة التي تسجّلها تركيا، يتوقع خبراء أنه لن يكون لديها خيار سوى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي الذي لطالما رفضه أردوغان.

ولجأت أنقرة إلى هذا الصندوق 19 مرة في تاريخها. لكن بالنسبة لأردوغان المدافع عن السيادة الوطنية، سيشكل ذلك إذلالاً، حيث أكد مرارا أن بلاده لن تطلب مساعدة صندوق النقد وأن المشاكل الاقتصادية التي واجهتها تركيا "لا تبعث على القلق".