أردوغان يطمئن على نفوذ تركيا في قطر استباقا لمصالحة خليجية وشيكة

بوادر الانفراج في أزمة قطر مع جيرانها تستعجل أردوغان لزيارة الدوحة لإظهار متانة العلاقات الثنائية بعد أسابيع من التقارير الإعلامية التي تتحدّث عن شرخ في العلاقات بسبب الهجوم التركي على شمال سوريا.

الدوحة - يبحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل الطرق التشويش على أي مصالحة يمكن أن تعديد قطر إلى بيت الخليجي بعد عزلة مع جيرانها منذ 2017، حيث اختار أن يزور قاعدة عسكرية تركية في الدوحة عشية انطلاق بطولة كأس الخليج العربي التي ستشارك فيها دول المقاطعة لأول مرة منذ الأزمة في مؤشر لحدوث انفراج وشيك.

ووصل أردوغان اليوم الاثنين، إلى مطار حمد الدولي وكان في استقباله وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية. وهي زيارة ليوم واحد فقط وأول رحلة لأردوغان إلى بلد عربي منذ العملية العسكرية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا قبل نحو شهر ونصف والتي قوبلت بتنديد واسع.

واستعجل أردوغان للقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وهي الثالثة إلى الحليفة قطر منذ قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع الدوحة في حزيران/يونيو 2017، لتوقيع اتفاقيات ومذكّرات تفاهم قبل نهاية المقاطعة رسميا وذلك تخوفا من تراجع قطري أو تهديد لمصالح أنقرة.

وتأتي الزيارة أيضا في توقيت سياسي حسّاس، في ظل وجود مؤشّرات على إمكانية حدوث انفراج في الأزمة بين قطر وجيرانها والتي دفعت الدوحة إلى تعزيز علاقاتها بأنقرة سياسيا واقتصاديا.

وأمير قطر هو أول زعيم اتصل بالرئيس التركي في أعقاب محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016. كما أن أردوغان زار الدوحة بعد أسابيع قليلة من قطع جيرانها العلاقات معها.

ويرافق أردوغان إلى الدوحة صهره وزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق، ووزراء الدفاع خلوصي أكار، والصناعة والتكنولوجيا مصطفى ورانك، والتجارة روهصار بيكجان.

ومنذ الأسبوع الماضي، تحدثت مصادر دبلوماسية خليجية رفيعة عن بوادر انفراجة في أزمة قطر مع جيرانها الذين قرروا مؤخرا المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي التي تنطلق غدا الثلاثاء في الدوحة، في خطوة غير مسبوقة منذ قطع العلاقات وأثارت مخاوف تركيا من تغيير محتمل في الموقف القطري تجاهها والخروج من بيت الطاعة الذي دخلته لمواجهة المقاطعة الرباعية منذ 2017.

وتتزامن زيارة أردوغان إلى الدوحة مع وصول منتخبات السعودية والبحرين والإمارات لكرة القدم اليوم الاثنين إلى العاصمة القطرية للمشاركة في "خليجي 24" وذلك بعد أن أوقفت قطر حملاتها الإعلامية ضد دول الخليج.

ورأى مراقبون أنّ مشاركة الدول الثلاث الاختيارية في البطولة مؤشّر على نية لبدء العمل على إنهاء الأزمة الدبلوماسية التي كانت أنقرة تسعى لاستغلاها بهدف تعزيز نفوذها في المنطقة.

وتولت الكويت رسميا مهام الوساطة بين قطر والدول العربية الأربع (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) التي أعلنت قرار المقاطعة في 5 يونيو 2017.

ونهاية شهر أكتوبر الماضي، قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في خطاب في مجلس الأمة إنه “لم یعد مقبولا ولا محتملا استمرار خلاف نشب بين أشقائنا في دول مجلس التعاون".

أردوغان سيزور قاعدة طارق ابن زياد العسكرية في الدوحة عشية انطلاق كأس "خليجي 24" الذي تشارك فيه فرق السعودية والإمارت والبحرين لأول مرة منذ بداية المقاطعة

واعتبر أن الخلاف مع قطر وتغريدها خارج السرب الخليجي "أوهن قدراتنا وهدّد إنجازاتنا، الأمر الذي یستوجب على الفور السمو فوق خلافاتنا وتعزيز وحدتنا وصلابة موقفنا"، وهو موقف يثير مخاوف أنقرة حيث ترى أنه يهدد مصالحها واستراتيجيتها التي رسمتها منذ بداية المقاطعة.

وقال نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجارالله، في تصريح أوردته وكالة الأنباء الكويتية إن مشاركة الدول الثلاث في "خليجي 24" مؤشر إيجابي لحل الأزمة بين الأشقاء"، مشيرا إلى أن خطوات أخرى ستتلو هذه الخطوة.

وأضاف "نؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح للوصول إلى نتائج إيجابية"، معربا عن تفاؤله بإجراء اتصالات على كافة المستويات لـ"بلورة حل سريع للأزمة".

وبحسب الباحثة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تشينزيا بيانكو، فإنّ أردوغان يحاول من خلال زيارته لقطر "ضمان ألا يأتي التقارب المحتمل في الخليج على حساب العلاقات التركية القطرية".

واكتفت الرئاسة التركية في بيان حول الزيارة بالحديث عن تعزيز العلاقات التي ستكون محور لقاء أردوغان والشيخ تميم وسيتم خلاله "التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم في عدة مجالات"، في حين أن الرسالة التي يسعى الرئيس التركي لإيصالها هي الوجود العسكري التركي في قطر بزيارته لقاعدة طارق بن زياد التي تضم نحو خمسة آلاف جندي.

واستغل أردوغان نحو عامين ونصف من المقاطعة لإغراق قطر في مشاريع عسكرية وأمنية حساسة للغاية بالنسبة للإمارة الخليجية الثرية وسط تقارب أيديولوجي بين نظامي البلدين وشراكة في دعم الإسلاميين المتشدّدين وإيوائهم وتوفير أرضية لهم للنشاط ضدّ بلدانهم، على غرار عناصر جماعة الإخوان المسلمين الملاحقين بتهم الإرهاب في عدّة بلدان.

وفي أغسطس/آب الماضي، كشفت الصحفية التركية هاندي فيرات عن "افتتاح كبير" قاعدة عسكرية تركية جديدة في قطر هذا الخريف. وذكرت أنها سافرت للدوحة وزارت قاعدة طارق بن زياد حيث جرى نشر جنود أتراك منذ أكتوبر من عام 2015، لافتة إلى أن متانة العلاقات السياسية بين البلدين انعكست على العلاقات العسكرية أيضا.

وأشارت أيضا إلى أن هذه القاعدة العسكرية في قطر مستمرة في النمو، وأنه يجري بناء قاعدة جديدة بالقرب من قاعدة طارق بن زياد العسكرية.

وتتحدث الكاتبة عن أهمية القاعدة العسكرية الدائمة لتركيا في قطر بما يتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الأمن الإقليمي وسعي تركيا لكي تأخذ موقعها في توازن القوى.

وكانت قطر وتركيا وقعتا اتفاقية عسكرية، وصفها تقرير لموقع سويدي متخصص بالرصد والمراقبة بأنها "احتلال مقنع" من دولة كبيرة وقوية لدولة صغيرة وضعيفة.

وكانت تقارير إعلامية تحدّثت عن نية قطر شراء 100 دبابة مصنّعة في تركيا.

وتعرضت الدوحة لانتقادات عربية حادة بعد تأييدها لأنقرة في هجومها العسكري ضد الأكراد شمال شرق سوريا في 9 تشرين الأول/أكتوبر، بينما دانته دول عربية وغربية ووصفته السعودية بـ"العدوان" التركي.

وقالت وزارة الخارجية السعودية حينها إنّ المملكة تدين "العدوان الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سوريا في تعدٍ سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية".

وعلى الرغم من التأييد التركي العلني، تحدّثت تقارير في وسائل إعلام تركية عن غضب في أنقرة جراء تغطية شبكة الجزيرة القطرية للعملية العسكرية التركية في سوريا.

وكتبت صحيفة "ديلي صباح" هذا الشهر أنّ "قناة الجزيرة الانكليزية شوّهت العملية"، ما كشف خلافا يدور في الكواليس بين تركيا قطريا بسبب ذلك.

وقال اندرياس كريغ الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في كينغز كولدج البريطانية إن "القطريين وجدوا أنفسهم في موقف صعب خلال العملية التركية في سوريا إذ أنهم أقرّوا بحق تركيا في الدفاع عن نفسها بينما اختلفوا معها في الطرق والوسائل التي اتّبعتها لتحقيق ذلك".

وتابع أن أردوغان يزور الدوحة رغم ذلك "لإظهار متانة العلاقات الثنائية بعد أسابيع من التقارير الإعلامية التي تتحدّث عن شرخ".

وفي خضم الأزمة المالية التركية، حصل أردوغان العام الماضي على دعم بقيمة 15 مليار دولار من أمير قطر الشيخ تميم.

ولدى الدوحة استثمارات في تركيا بأكثر من 20 مليار دولار، بحسب أرقام السنة الماضية، في وقت تعدّ أنقرة في مقدمة الجهات المصدرة إلى الإمارة الخليجية الصغيرة، وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمة حادة مع تراجع قيمة الليرة.

بالمقابل، تشهد العلاقات بين تركيا ودول عربية أخرى توترات على خلفية العملية في سوريا ودعم أنقرة للدوحة في خلافها مع جيرانها. وعلى رأس هذه الدول السعودية، التي تدهورت علاقاتها مع أنقرة منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018، حيث حاولت وسائل إعلام موالية لحكومة أردوغان بكل الطرق تأجيج الرأي العام واستغلال الحادثة لاستهداف المملكة التي أحبطت تلك المساعي من خلال حزمة إجراءات قانونية حظيت بإشادة دولية.

وساعدت وسائل الإعلام القطرية في مقدمتها شبكة الجزيرة تركيا في تلك الحملة الشرسة التي فشلت في الإساءة للسعودية والتشويش على دورها كلاعب إقليمي وازن يدفع لتعزيز الاستقرار في المنطقة والتصدي للأنشطة بعض الدول الساعية لزعزعة الأمن الإقليمي والدولي.