أردوغان يطوق اليونان بمهاجرين من أفغانستان وباكستان وإفريقيا

أعداد الأفغان والباكستانيين على الحدود اليونانية التركية الحالمين بالهجرة إلى أوروبا تفوق عدد السوريين الذين نزحوا عن بيوتهم هربا من الحرب الأهلية.
الاتحاد الأوروبي يدرس تقليل مساعدات اللاجئين في تركيا
المهاجرون يدعون أنهم سوريون لتعزيز فرص الحصول على اللجوء

كاراجاج (تركيا) - تواجه تركيا صعوبات مضاعفة في مواصلة مقايضة دعمها بإيواء اللاجئين السوريين الفارين من بلادهم إلى أراضيها بسبب تصعيد القتال بين المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة وقوات الجيش السوري، بعد أن كشفت جنسيات المهاجرين الذين فتحت أنقرة لهم الأبواب للتدفق نحو حدود اليونان والعبور لأوروبا، أن أغلبهم ليسوا من جنسيات سورية بل مقيمين في تركيا.

وبعد أسابيع من تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وانتقاده للاتحاد الأوروبي وسياساته للضغط عليه أملا في الحصول على دعم للعملية العسكرية التي يشنها جيش بلاده في محافظة إدلب السورية مع فصائل المعارضة، وجدت السلطات اليونانية نفسها أمام سيل هائل من المهاجرين السوريين والأفغان والباكستانيين وحتى الأفارقة.

ويحاول ألوف المهاجرين الوصول إلى اليونان منذ قالت تركيا في 28 فبراير/شباط إنها لن تحاول إبقاءهم في أراضيها تنفيذا للاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي في 2016 مقابل مساعدات أوروبية بمليارات اليوروهات.

وقالت تركيا إنه لم يعد بمقدورها احتواء مئات الآلاف من المهاجرين الذي تستضيفهم وخاصة في ضوء احتمال تدفق المزيد من اللاجئين الفارين من اشتباكات عنيفة في شمال غرب سوريا غير أن اليونان تحاول منع المهاجرين الذين توافدوا بالآلاف من دخول أراضيها.

والسبت أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أن التدفق الحالي لآلاف المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى اليونان عبر الحدود التركية سوف يرتفع بشكل كبير قريبا.

وقال صويلو في مؤتمر صحفي في مدينة ألازيغ بشرق تركيا إن عدد المهاجرين الذين دخلوا اليونان بلغ أكثر من 143 ألف شخص.

وقررت أنقرة في 28 شباط/فبراير فتح حدودها، مستخدمة المهاجرين "كسلاح سياسي"، بحسب أثينا. وبالنتيجة، تجمّع 13 ألف شخص خلال 48 ساعة على معبر كاستانييس الحدودي بين البلدين.

وعندما اندلعت صدامات جديدة السبت بين المهاجرين وعناصر شرطة الحدود اليونانيين، أمر إردوغان خفر السواحل في بلاده بمنعهم من عبور بحر إيجه. كما اتهمت السلطات التركية أثينا باستخدام العنف ضد المهاجرين في وقت أرسلت فيه الخميس قوات خاصة تتكون من 1000 جندي للحدود لمنع عودتهم.

وأفاد خفر السواحل الأتراك في تغريدة الجمعة أنه "بأمر من الرئيس (...) لن يُعطى أي إذن للمهاجرين بعبور بحر إيجه بسبب ما يتضمنه ذلك من مخاطر".

لكن اللافت أن اللاجئين الذين فتحت تركيا أبوابها وشجعتهم على التوجه نحو حدودها مع اليونان، ليسوا من السوريين فقط بل ضاعفت أنقرة المأساة وأججت الأوضاع أكثر لدى سماحها لجنسيات أخرى من المهاجرين المقيمين فيها أيضا لتحين الفرصة والتسلل نحو أوروبا.

ويرجح مراقبون أن تزيد هذه الخطوة التوتر بين الاتحاد الأوروبي والحكومة التركية الساعية لتجديد عملية الابتزاز التي مارستها في 2015 عندما أغرقت أوروبا بالمهاجرين وتحملت ألمانيا العبء الأكبر من تبعات ذلك.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنّ اللاجئين المُتواجدين بعشرات الآلاف على الحدود اليونانية- التركية، ليسوا من الذين تمّ تشريدهم من إدلب خلال الأسابيع والأشهر الماضية، بل هم في الأساس يُقيمون في تركيا، كما أنّ الغالبية الساحقة منهم ليسوا من الجنسية السورية.

ويعتقد السوريون المتكدسون على الحدود أن آمالهم في العثور على ملاذ في الاتحاد الأوروبي تقع تحت رحمة ألوف المهاجرين الآخرين الواقفين على الحدود ولهم أوطان آمنة نسبيا.

وتفوق أعداد الأفغان والباكستانيين على الحدود اليونانية التركية عدد السوريين الذين نزحوا عن بيوتهم هربا من الحرب الأهلية الطويلة. ويقول السوريون إن أغلب رفاقهم من المهاجرين ركبوا موجة الهجرة لأسباب اقتصادية ويدعون بعد ذلك أنهم سوريون.

وقال يحيى رئيس (20 عاما) القادم من حلب التي شهدت بعضا من أعنف الاشتباكات خلال الحرب "أشعر بالغضب عندما أقابل أشخاصا من القارة الإفريقية وباكستان وحتى أفغانستان".

وأضاف "لو أن هنا ألفين أو ثلاثة آلاف سوري فقط فربما كانت اليونان توافق على فتح الحدود. فهم يعرفون أننا لاجئون حقيقيون".

ويشعر لبيب مرغي صديق رئيس بنفس العداء الذي يشعر به صديقه تجاه المهاجرين الآخرين.

وقال مرغي (16 عاما) إنه لا توجد حرب في بلدانهم مشيرا إلى أن "حتى في أفغانستان الوضع أفضل من سوريا. اضطررنا للرحيل لأن حكومتنا تريد أن تقتلنا أو تخرجنا من بيوتنا".

وخرج رئيس ومرغي من المخيم الحدودي لشحن هاتفيهما وتناول الإفطار في مقهى بسيط في قرية كاراجاج حيث يلعب بعض كبار السن الورق.

وفي كشك مجاور قال مهاجرون من شمال أفريقيا إنهم جاءوا إلى الحدود دون وثائق هوية حتى يمكنهم ادعاء أنهم سوريون لتعزيز فرص حصولهم على حق اللجوء إذا استطاعوا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

وقال بدر عباسي المغربي "زعماؤنا فاسدون ولذلك لا توجد لنا فرصة في حياة كريمة. إذا استطعت بإذن الله الوصول إلى الاتحاد الأوروبي فسأقول إنني من سوريا وإلا فإنهم سيعيدونني".

وهز رفاقه رؤوسهم موافقين على كلامه وهم يحتسون الشاي.

وبخلاف الرغبة في مستقبل أفضل يعتقد المهاجرون من أمثال عباسي أن لديهم سببا وجيها آخر للتظاهر بأنهم سوريون. ففي ألمانيا، التي تمثل مع السويد الوجهة المفضلة في أوروبا بين المهاجرين، يحصل كل السوريين تقريبا على شكل ما من أشكال الحماية ويُسمح لهم بالبقاء. غير أن الرفض مصير أكثر من 20 في المئة من طالبي اللجوء الأفغان.

وقال مرغي القادم من مدينة إدلب في شمال سوريا "الكل هنا يريد مستقبلا أفضل".

وأضاف "لكن الناس الذين لهم بلد يعودون إليه عندهم رفاهية لا نقدر سوى على الحلم بها. سوريا انتهت".

وتعتبر  فيليبا حاجيستافرو أستاذة العلوم السياسية في جامعة أثينا أن "تركيا الباحثة عن دعم الغرب (في سوريا) تبدو أكثر عدوانية، وبات تدفق المهاجرين اليوم أثراً جانبياً، ووسيلةً جيوسياسيةً للدفع باتجاه تغيير توازن القوى".

وشبه مراقبون ابتزاز الرئيس التركي للأوروبيين والدفع بهؤلاء المهاجرين نحو مصير مجهول لتهديد أمنها، بما يقوم به مع فصائل المعارضة والمرتزقة من المتشددين والإرهابيين الذين يدعمهم بالسلاح للقتال لصالح تركيا في سوريا وليبيا بهدف تعزيز نفوذه في المنطقة، وهي الورقة التي استطاع في السابق استخدامها كسلاح قوي في وجه أوروبا.

لكن تخلي الحليف الروسي ولو نسبيا عن أردوغان ومواصلته عدم قوات بشار الأسد لاستعادة محافظة حلب مؤخرا من الفصائل المسلحة، جعل الاتحاد الأوروبي يراجع سياساته ويرفض الرضوخ لتهديدات الرئيس التركي.

وعبرت بروكسل عن دعمها الكامل لليونان ووصفته بأنه "درع" القارة العجوز، في دعم واضح لأثينا.

وشدد المتحدث باسم الحكومة ستيليو بيستاس على أن "اليونان أثبتت أنها تستقبل أشخاصا مضطهدين من مناطق حرب، كما فعلت مع السوريين في عام 2015"، مضيفاً أن "المشكلة الحالية هي أن تركيا تستخدم مواطنين من أفغانستان وباكستان وإفريقيا لمحاصرة اليونان. وهذا ما نريد وضع حد له. سنبقي الحدود مغلقة بقدر ما يجب".

 وأمس السبت، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الموازنة يوهانس هان أن المساعدة المالية المقدمة لتركيا للاعتناء باللاجئين على أرضها قد تكون أقل من السابق وسوف يتوقف ذلك على مدى التزام أنقرة باتفاق الهجرة.

وقال هان لصحيفة "دي فيلت" الألمانية "لقد جرى تشييد الكثير من المدارس ودور رياض الأطفال والمستشفيات للاجئين وإنه لا يتعين تمويل ذلك مجددا".

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سوف "يكون مستعدا من حيث المبدأ لتقديم مزيد من المساعدة لدعم اللاجئين في تركيا" في حال أنهت تركيا "سياساتها الابتزازية" بالتهديد بإرسال المزيد من المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي.