أردوغان يطوي صفحة إدلب بالمتاجرة في نفط سوريا

الرئيس التركي يعرض على نظيره الروسي المشاركة في استغلال نفط دير الزور بحثا عن صدام بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على معظم حقول النفط في شرق البلاد.

أنقرة - عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على روسيا الاشتراك في إدارة حقول النفط في شمال شرق سوريا، واستغلالها بدلا عن الأكراد الذي يسيطرون عليها.

وقال أردوغان إنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تبادل إدارة حقول النفط في دير الزور بسوريا بدلا من "الإرهابيين"، في إشارة إلى الوحدات الكردية التي تسيطر على تلك المنطقة.

وأوضح الرئيس التركي للصحفيين على متن طائرته أثناء العودة من العاصمة البلجيكية بروكسل "عرضت على السيد بوتين أنه إذا قدم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا عمل البنية ومن خلال النفط المستخرج هناك، يمكننا مساعدة سوريا المدمرة في الوقوف على قدميها".

وقال أردوغان إن بوتين يدرس العرض، مضيفا أن يمكنه تقديم عرض مماثل للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية المنضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية وشاركت التحالف الدولي في القتال ضد داعش، منظمة إرهابية، بينما يواصل أردوغان دعم التنظيمات المتطرفة بمدهما بالسلاح و والإمدادات الطبية والغذائية والتغطية على جرائمهم بحق الشعب السوري طيلة الحرب المستمرة منذ أكثر من 9 سنوات.

كما ساعدت أنقرة مقاتلين من داعش على العبور إلى سوريا منذ بداية الحرب وفتحت مستشفياتها لعلاج جرحاه؛ كما أنها تشتري منه النفط السوري.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن أطماعه في استغلال الثروات النفطية في سوريا، حيث وجه في ديسمبر الماضي نداء إلى من أسماها بالقوى العالمية الفاعلة يدعو فيه إلى استخراج النفط السوري وإنفاق عائداته على اللاجئين الذين يريد  توطينهم في الشمال السوري.

وركز أردوغان آنذاك على الولايات المتحدة التي تراجعت عن انسحابها المعلن من سوريا في أكتوبر الماضي على خلفية عملية تركيا العسكرية ضد الأكراد، شمال شرق البلاد، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد أردوغان بعقوبات اقتصادية قاسية إذا واصل هجومه العسكري ضد حلفاء واشنطن.

وأبقت الولايات المتحدة على جزء من قواتها “لحماية” حقول النفط التي لا تزال بأيدي قوات سوريا الديمقراطية في كل من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة.

وفي نبرة تحدّ صرح ترامب في نوفمبر الماضي على هامش مؤتمر حلف شمال الأطلسي “النفط السوري بأيدينا وسنفعل به ما نشاء”، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا التي يبحث أردوغان عن كسب ودها من جديد بعد أن توترت العلاقات معها مؤخرا بسبب دعمها قوات بشار الأسد لاستعادة محافظة إدلب آخر معاقل الفصال المسلحة المدعومة من أنقرة.

وبعد خسارة تركيا لأكثر من 50 من جنودها في فبراير بنيران القوات السورية في إدلب، توجه أردوغان إلى موسكو الخميس الماضي للقاء بوتين بحثا عن تسوية سياسية تحفظ ماء الوجه وتسمح لأنقرة بثبات نقاط المراقبة التركية على الحدود في مكانها على الأقل بدل خسارتها وتهديد الأكراد لأمنها.

لب
معظم حقول النفط في دير الزور تحت سيطرة الأكراد 

ويهدف أردوغان من خلال دعوته الملغومة للروس بالاستثمار في النفط السوري بالتزامن مع طلب مساعدة الأميركيين أيضا، إلى تنفيذ أجندته في المنطقة عبر الاستثمار في تضارب مصالح موسكو وواشنطن في سوريا.

وكانت سوريا تنتج نحو 380 ألف برميل من النفط يوميا قبل الحرب ولكن الإنتاج انهار خاصة بعد أن ألحق القتال الضرر بشرق البلاد وشمالها الغني بالنفط، ولئن استعادت الحكومة السورية جزءا من الآبار في تلك الرقعة الجغرافية إلا أن الجزء الأهم بقي بيد واشنطن التي تتخذ من هذه المسألة ورقة ضغط في بزار المساومات مع روسيا.

يذكر أن النظام السوري فقد معظم حقول النفط في البلاد مع بدء المواجهات في سوريا بين قوات بشار الأسد وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا عام 2012، حيث سيطرت فصائل الجيش الحر ومن ثم تنظيم جبهة النصرة على بعض الحقول شرق البلاد بعد مغادرة معظم الشركات لسوريا، وبدأت تلك الفصائل باستخراج النفط بشكل بدائي، إلى أن جاء تنظيم داعش عام 2013 لينتزع السيطرة على حقول النفط وتأمين موارد مالية، وبحلول عام 2014 سيطر على معظم حقول النفط وأهمها حقل العمَر في دير الزور.

ورغم أن تركيا كانت المستفيد الأكبر من سيطرة الفصائل المتطرفة والإرهابيين على بعض حقول نفط في منطقة دير الزور (شرق) الاستراتيجية، إلا أن أردوغان اعتمد وصف "الإرهابيين" للإشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة للدفع نحو نزاع بين الروس والأكراد على إدارة حقول النفط.

وتشكل منطقة شرق سوريا موقعاً إستراتيجياً ليس في سوريا فقط بل في العالم نظرا لاحتوائه على احتياطي نفطي كبير يعد بوابة وعقدة تواصل تربط بين تركيا والعالم العربي وإقليم كردستان العراق الغني بالنفط وإيران بالغرب، ما يكشف الأطماع التركية لجعلها تشكل مستقبلاً نقطة تحكم رئيسية لمرور النفط والغاز باتجاه أوروبا.

وتتركز معظم الحقول النفطية المعلن عنها في سوريا بالقرب من الحدود مع العراق ومع تركيا. وتضم محافظة دير الزور أضخم الحقول النفطية في سوريا، تليها الحسكة. ويعد حقل العمر أكبر حقول سوريا وأشهرها ويقع في ريف دير الزور. إضافة للآبار والحقول المحيطة به كحقل العزبة، وتخضع كلها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

ويرى مراقبون أن المباحثات التي جرت في موسكو الأسبوع الماضي، أثبتت أن روسيا متمسكة بإستعادة قوات الأسد لكامل محافظة إدلب، وهو ما جعل أنظار أردوغان تتوجه مستقبلا نحو إحالة الصراع إلى دير الزور التي تعد منطقة اقتصادية وجغرافية ستكون محور التنافس التالي بين القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا وخاصة إيران التي تسيطر ميليشياتها ووكلاؤها على عدة بلدات في الجانب الشرقي من نهر الفرات الممتد جنوب مدينة دير الزور.