أردوغان يقفز تكتيكيا من التصعيد إلى التهدئة في شرق المتوسط

الرئيس التركي يعرب عن استعداد بلاده لحل النزاع القائم حول مكامن النفط والغاز في شرق المتوسط، في تطور يشير إلى محاولات تكتيكية لاحتواء الغضب الدولي من الانتهاكات التركية.
دعوة أردوغان للحوار تأتي قبيل قمة أوروبية لمراجعة العلاقات مع تركيا
الناتو يدعو لتسوية النزاع شرق المتوسط وفقا للقانون الدولي
أردوغان يبحث عن صيغة على مقاس أطماعه في شرق المتوسط
نهج أردوغان الصدامي محور مباحثات أوروبية

أنقرة - دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين لاجتماع تحضره كافة دول البحر المتوسط، لإيجاد صيغة يقبلها الجميع بخصوص موارد المتوسط.

وتأتي هذه الدعوة بينما تواجه تركيا انتقادات دولية شديدة لتجاهلها التحذيرات الغربية من المضي قدما في عمليات التنقيب بشرق المتوسط وهي العمليات التي اعتبرها الشركاء الأوروبيون انتهاكا صارخا لقانون البحار الدولي.

وفجر أردوغان توترا غير مسبوق في شرق المتوسط بإصراره على تنفيذ عمليات تنقيب عن النفط والغاز، مثيرا غضب العديد من الدول بينها مصر واليونان وقبرص.

وعلى اثر اجتماع للحكومة بالعاصمة أنقرة، أعرب أردوغان في كلمة له عن استعداد تركيا لحل النزاعات من خلال الحوار القائم على الإنصاف في البحر المتوسط، مؤكدا أن تركيا ستواصل تنفيذ خططها ميدانيا ودبلوماسيا بخصوص البحر المتوسط حتى يحكم التفكير السليم على هذا الأمر.

ولا تخرج دعوة أردوغان للحوار عن سياق محاولة تخفيف الضغوط التي تتعرض لها بلاده في هذا الملف المثير للجدل أو مناورة المراد منها كسب المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقه بناء على ما استجد من ضغوط دولية.

أردوغان ذهب في التصعيد إلى حد الدفع إلى عسكرة شرق المتوسط ثم 'استكان' فجأة
أردوغان ذهب في التصعيد إلى حد الدفع إلى عسكرة شرق المتوسط ثم 'استكان' فجأة

وكانت لهجته هذه المرة مختلفة عن سابقاتها التي اعتمد فيها النهج الصدامي والتصعيدي ضد الاتحاد الأوروبي الذي لوح مرارا بفرض عقوبات على تركيا إذا استمرت في ممارساتها العدوانية.

وكان لافتا أن لهجة التهدئة والحوار التي اتبعها أردوغان في خطابه الاثنين تأتي قبيل قمة أوروبية من المقرر أن تبحث إعادة تقييم العلاقات مع تركيا على ضوء الخروقات والانتهاكات المتعددة بداية بالتدخل عسكريا في ليبيا ثم انتهاك قانون البحار الدولي بالتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط خارج الأطر التنظيمية وصولا إلى قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان في تركيا.

وقال "دعونا نعقد اجتماعا تحضره كافة دول البحر المتوسط، لإيجاد صيغة مقبولة، تحمي حقوق الجميع"، معلنا رفض ما سماه 'إقصاء' تركيا عن موارد المنطقة.

 قال "لن نقبل حبسنا في سواحلنا من خلال بضع جزر صغيرة متجاهلين مساحة تركيا الشاسعة البالغة 780 ألف كيلومتر".

وعن أنشطة التنقيب التركية في المتوسط، أعلن أردوغان أن تركيا أجلت تلك الأنشطة لفترة وجيزة كإشارة للنوايا الحسنة بناء على دعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وأكد أنه رغم ما وصفها بـ"النوايا الحسنة" لتركيا، إلا أن "اليونان أظهرت عدم حُسن نيتها مرة أخرى عبر اتفاقية لا سند قانوني لها وقعتها مع مصر حول ترسيم الحدود البحرية بينهما".

وكرر الرئيس التركي نفي وجود أي أطماع لبلاده بحقوق وأراض وبحار أو المصالح الشرعية لأي جهة كانت، في نفي يتناقض مع أجندة محكومة بالفعل بالتمدد والتوسع الخارجي.

وقال إن سفينة 'أوروتش رئيس' التركية بدأت أعمال المسح الزلزالي صباح اليوم الاثنين في المتوسط بعد مغادرتها سواحل ولاية أنطاليا جنوبي البلاد.

وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ الاثنين، ضرورة تسوية الوضع في منطقة شرقي البحر المتوسط وفقا للقانون الدولي.

وفي تدوينة عبر حسابه في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، ذكر ستولتنبرغ أنه تناول التطورات المتعلقة بشرقي المتوسط في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميكوتاكيس.

وقال ستولتنبرغ "ينبغي تسوية الوضع في شرقي المتوسط عبر روح تضامن التحالف ووفقا للقانون الدولي".

وفي وقت سابق الاثنين أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز عن وصول سفينة 'أوروتش رئيس' للأبحاث إلى شرق المتوسط لاستئناف أنشطة التنقيب فيها.

المياه الإقليمية لليونان تمتد لنحو 45 بالمئة من بحر إيجه، بينما تغطي المياه التركية ثمانية بالمئة فقط وإذا مدت اليونان حدودها البحرية إلى 12 ميلا فإن مياهها الإقليمية ستغطي 72 بالمئة، مما قد يمنحها السيطرة على ممرات بحرية مهمة

وكرد فعل، دعا كرياكوس ميكوتاكيس مجلس الأمن القومي اليوناني إلى اجتماع طارئ لبحث إعلان تركيا مواصلة التنقيب لغاية 23 أغسطس/آب الجاري.

وكانت السفينة التركية قد أبحرت في وقت سابق الاثنين من ولاية أنطاليا (جنوب غرب) إلى قبالة جزيرة قبرص لتستأنف أنشطة التنقيب ترافقها سفينتي 'أتامان' و'جنغيز خان'.

وبحسب وكالة الأناضول التركية، يمكن للسفينة إجراء عمليات مسح جيولوجي ثلاثي الأبعاد يصل عمقه إلى 8 آلاف متر وعمليات مسح ثنائية الأبعاد يصل عمقها إلى 15 ألف متر.

وتحتوي السفينة على مركبة غاطسة محلية الصنع تدار عن بعد ولها أنظمة رسم خرائط قاع البحر وأنظمة القياس وأخذ العينات.

كما تحتوي سفينة 'أوروتش رئيس' على مختبرات جيولوجية وعلم المحيطات ومعدات يمكنها أخذ عينات أساسية من قاع البحر.

وأشعل وصول سفينة المسح الزلزالي 'أوروتش رئيس' اليوم الاثنين إلى منطقة متنازع عليها بشرق المتوسط، بعد إعلان تركيا استئناف أعمال التنقيب عن الطاقة في المنطقة، التوتر من جديد بين بلدين عضوين في حلف شمال الأطلسي بينهما تاريخ طويل من الشقاق.

وكادت اليونان وتركيا تخوضان حربا في عام 1974 بشأن قبرص التي باتت منقسمة منذ ذلك الحين حيث تدير إدارة من القبارصة الأتراك تعترف بها تركيا فقط الثلث الشمالي، بينما تدير حكومة من القبارصة اليونانيين التي تحظى بالاعتراف الدولي، الثلثين الواقعين في الجنوب.

تاريخ طويل من العداء

والجرف القاري هو حافة كتلة اليابسة تحت البحر. وتقول اليونان إن لجزرها جميعا جرفا قاريا وبالتالي لها الحق في منطقة اقتصادية خالصة، لكن أنقرة وترفض ذلك.

كما غضبت تركيا من محاولة قبرص البحث عن الهيدروكربونات في مناطق تقول إنها على جرفها القاري.

وتأجج الخلاف الحدودي في السادس من أغسطس/آب عندما وقعت اليونان اتفاقا على الحدود البحرية مع مصر، في خطوة قالت تركيا إنها انتهكت جرفها القاري.

وكان غضب اليونان قد ثار في المقابل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما وقعت تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية ومقرها طرابلس وتسيطر على الغرب الليبي.

يمكن لسفينة'أوروتش رئيس التركية إجراء عمليات مسح جيولوجي ثلاثي الأبعاد يصل عمقه إلى 8 آلاف متر وعمليات مسح ثنائية الأبعاد يصل عمقها إلى 15 ألف متر وهي مجهزة بمركبة غاطسة ومختبرات جيولوجية

وأسس الاتفاق منطقة تتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي، ومهد الطريق إلى التنقيب عن الهيدروكربون. وقالت اليونان إن اتفاقها مع مصر ألقى بالاتفاق التركي الليبي في "سلة المهملات".

ما هي القوانين والمعاهدات ذات الصلة؟

ووضعت معاهدات باريس للسلام لعام 1947، الموقعة بين إيطاليا والحلفاء المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية، الجزر الأربع عشرة بمجموعة دوديكانيسيا وعشرات الجزر الصغيرة تحت سيادة اليونان.

 وتقول أنقرة إن الكثير من تلك الجزر الصغيرة لم تحدد في المعاهدة. وتركيا ليست من الموقعين عليها.

وحددت أثينا حدود مجالها الجوي عند عشرة أميال بحرية وحدودها البحرية عند ستة أميال. وتقول إن من حقها مد حدودها إلى 12 ميلا بموجب قانون البحار. ويقول القانون إن لكل دولة الحق في تحديد عرض مياهها الإقليمية بما لا يتجاوز 12 ميلا بحريا.

وصوتت تركيا ضد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتعترف بستة أميال فقط في البحر والجو لليونان وتقول إن المجال الجوي الوطني يجب أن يتطابق مع حدود بحرية على مسافة ستة أميال. كما تقول إن توسيع اليونان لحدودها من جانب واحد إلى 12 ميلا سيعد عملا من أعمال الحرب.

وتغطي المياه الإقليمية لليونان نحو 45 بالمئة من بحر إيجه، بينما تغطي المياه التركية ثمانية بالمئة فقط. وإذا مدت اليونان حدودها البحرية إلى 12 ميلا فإن مياهها الإقليمية ستغطي 72 بالمئة، مما قد يمنحها السيطرة على ممرات بحرية مهمة. وتقدم هذه المياه أيضا فرص العثور على الهيدروكربونات.

وعلى مدى العقد الماضي، دخلت قبرص في عقود مشاركة في الإنتاج مع عدد من شركات النفط والغاز العالمية. وكانت النتائج مشجعة إذ أعلن اثنان من المشغلين الرئيسيين عن اكتشافات مهمة للهيدروكربون في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لقبرص.

وبعد 400 عام من الاحتلال العثماني، بدأت اليونان حرب استقلال في عام 1821. ومن حين لآخر تصف اثينا الحكم العثماني لها بأنه كان "استعبادا".

وانتقل حوالي 1.3 مليون من المنتمين للعرقية اليونانية و356 ألف تركي بين تركيا واليونان في تبادل للسكان في عام 1923 بموجب معاهدة لوزان التي رسمت الحدود الحالية لتركيا.