أردوغان يقود تركيا إلى نفق مظلم

الإسناد المالي القطري لحروب أردوغان الخارجية لن يطول، فالدوحة تئن بدورها تحت وطأة أزمات متعددة منذ قرار المقاطعة العربية والخليجية ومنذ تفشى فيها فيروس كورونا.
تركيا مقبلة على معركة كسر عظام بين أردوغان وحلفائه السابقين
خصوم أردوغان الجدد من قلب النظام وصناع القرار في الغرف المغلقة
تعدد معارك أردوغان أضعفت العدالة والتنمية وأنهكت تركيا
ضجيج الانجازات محاولة من أردوغان للتغطية على تآكل شعبيته

بروكسل - تُجمع كل المؤشرات على أن تركيا تتجه سريعا إلى انفجار مالي وسياسي في ظل أزمة اقتصادية آخذة في التصاعد على الرغم من البيانات الرسمية التي تصور للرأي العام التركي أن الوضع على ما يرام.

وإلى جانب البيانات الرسمية، لا تخلو خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المغرقة في الشعبوية من تسويق نظرية "مؤامرة خارجية تستهدف تدمير الاقتصاد".

وإضافة إلى هذا المسار الذي يشتغل عليه أردوغان في تبرير النكسات الاقتصادية حينا والدعاية حينا آخر لانجازات خدمت حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم أكثر من خدمة تركيا، تنشط أجهزة الرئيس الأمنية والقضائية لتكميم الأفواه المعارضة والمنتقدة لسياساته التي تدفع تركيا إلى مصير مجهول.

وسبق للمعارضة التركية أن حذّرت من تفكك دولة القانون في ظل ممارسات وانتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان وللحريات السياسية على ضوء نزعة استبدادية لم تهدأ منذ تولي أردوغان الرئاسة.

وتسود حتى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم مخاوف من أن تعدد المعارك التي فتحها الرئيس على أكثر من جبهة، من شأنها أن تضعف الحزب الذي شهد بالفعل انشقاقات قادها كبار القادة المؤسسون.

مخاوف تسود حتى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم من أن تعدد المعارك التي فتحها الرئيس على أكثر من جبهة، من شأنها أن تضعف الحزب الذي شهد بالفعل انشقاقات قادها كبار القادة المؤسسون

لكن الرئيس التركي حرص على كتم تلك الأصوات إما بالترهيب أو العزل بعيدا عن ضوضاء الإعلام، حتى يتسنى له السيطرة على الوضع.

وكان لافتا مع اشتداد الأزمة أن أردوغان يعمد إلى فعل أو تظاهرة ما مثيرة للجدل للتغطية على نكساته محليا ودوليا كتلك المتعلقة بتحويل كنيسة ومتحف آيا صوفيا إلى مسجد وهو إجراء اعتبره كثير من المحللين والسياسيين، محاولة للفت الأنظار عن تآكل شعبيته قبل استحقاقات انتخابية مفصلية من المتوقع أن تكون المنافسة فيها حامية ومن المرجح أيضا أن تفرز خارطة سياسية جديدة مع بروز حزبين جديدين من رحم 'العدالة والتنمية'، بدآ مبكرا في الاستفادة من ضعف حزب الرئيس.

ويقول رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلدت في مقال نشرته بروجيكت سينديكيت الثلاثاء، إنه على الرغم من جهود أردوغان في التغطية على أزماته، فإن تركيا تدخل مرحلة حادة من الاضطراب السياسي والمالي.

ويرى بيلدت وهو أيضا الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الرئيس التركي يلجأ إلى مشاهد عامة لصرف الانتباه عن شعبيته المتضائلة وسوء إدارة الاقتصاد، مشيرا إلى أنه على الرغم من جهود أردوغان في التغطية على أزماته، فإن "تركيا تدخل مرحلة حادة من الاضطراب السياسي والمالي".

وقال السياسي السويدي بحسب ما أورد موقع 'أحوال تركية' العربي، إنه "من خلال تحويل آيا صوفيا في إسطنبول من متحف إلى مسجد والتخطيط لإقامة الصلاة الإسلامية هناك من أجل الدعاية والتقاط الصور، يحاول أردوغان الإشارة إلى تغيير جوهري لتركيا التي تم تأسيسها على المبادئ العلمانية وذلك لإثبات قوته السياسية وقوة حزب العدالة والتنمية الحاكم".

وحسب تقديره فإن الوضع الراهن في تركيا من شأنه أن يقود البلاد إلى انفجار مالي وسياسي على ضوء خسارة أردوغان للأتراك الأكثر ليبيرالية وفي ظل اقتصاد مثقل بالديون وتحرك حلفاء سابقين للرئيس كانوا قد انشقوا عن حزب العدالة والتنمية لمنافسته في الانتخابات المقررة في 2023.

أردوغان يوظف ملف آيا صوفيا سياسيا للتغطية على نكساته وشعبيته المتآكلة
أردوغان يوظف ملف آيا صوفيا سياسيا للتغطية على نكساته وشعبيته المتآكلة

ويعتقد محللون وسياسيون أن مسألة الانهيار الاقتصادي قد تكون مسألة وقت لا غير مع غرق تركيا في أكثر من مستنقع بداية بسوريا ثم ليبيا وصولا إلى الجبهة المفتوحة في شمال العراق ضد المتمردين من حزب العمال الكردستاني وكذلك التدخل في الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا.

ويشير هؤلاء إلى أن تعدد التدخلات الخارجية التي يقودها أردوغان مدفوعا برغبة جامحة في الزعامة إقليميا وبأطماع استعمارية، تستنزف موارد الدولة التي تراجعت بشدة بسبب تداعيات أزمة كورونا وبفعل سياسات الرئيس الطاردة للاستثمارات ومعاركه التي أفقدت تركيا أهم حلفائها وشركائها الاقتصاديين.

والأرجح أن صمود تركيا إلى حدّ الآن رغم انهيار الليرة وتعثر الاقتصاد واضطراب المالية العامة للدولة، عائد في قسم منه إلى تمويلات قطرية سخية بمليارات الدولارات خففت نسبيا من حدة أزمة العملة الصعبة وشح السيولة، لكن الإسناد المالي القطري قد لا يستمر طويلا أو قد يتراجع، فالإمارة الخليجية الغنية بالغاز ترزح بدورها تحت وطأة ضغوط مالية منذ قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة الدوحة في يونيو/حزيران 2017 لتورطها في دعم وتمويل الإرهاب والتآمر على أمن دول المنطقة.

اردوغان يراهن على الدعم المالي القطري
اردوغان يراهن على الدعم المالي القطري

ويقول كارل بيلدت "إن تركيا تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة، بسبب ارتفاع العجز المالي والخارجي والتي يتم الحفاظ عليها بمبالغ ضخمة من الائتمان من البنوك المملوكة للدولة"، مضيفا "كان عبء الديون بالفعل مشكلة كبيرة قبل جائحة كورونا ومن المؤكد أن يصبح أسوأ الآن. سيساعد قرض أخير بقيمة 15 مليار دولار من قطر حليف تركيا في وقت ما لفترة من الوقت، لكن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر وبالتالي لن يستمر ".

سياسيا تبدو تركيا مقبلة أيضا على معركة كسر عظام بين أردوغان وحلفاؤه السابقون الذين انشقوا عنه ومن ضمنهم رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أغلو الذي يحظى بشعبية وقبول لدى الشركاء الأوروبيين ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان الذي يميل إلى إعادة التوازن لعلاقات أنقرة الخارجية.

أردوغان الذي اهتزت شعبيته يخشى من أن حلفاءه السابقون الذين اتهمهم بالخيانة وتوعدهم بدفع ثمن باهظ، باتوا يشكلون خطرا على مستقبله السياسي لذلك فإنه قد يلجأ إلى أساليب قذرة لتصفيتهم سياسيا كما فعل مع خصومه التقليديين

ويرتب المنشقون عن حزب أردوغان إلى تصحيح مسار العلاقات الخارجية بما يعيد إلى تركيا توازنها في فضائها الإقليمي والأوروبي بعيدا عن العدائي المجاني الذي فجره الرئيس الحالي والذي أساء خاصة للعلاقات التركية الأوروبية وعجّل بالصدام مع الشركاء التقليديين في أكثر من ملف.

ونجح أردوغان إلى حدّ الآن في تحييد عدد من الخصوم السياسيين ومنهم صلاح الدين ديمرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي (الموالي للأكراد) القابع حاليا في السجن بتهم يقول حزبه إنها سياسية وكيدية قد تصل عقوبتها إلى 124 سنة سجنا.

وزج الرئيس التركي كذلك بالكثير من السياسيين في السجون منذ محاولة الانقلاب الفاشل على نظامه في صيف العام 2016، محاولا تعبيد الطريق لحكم فردي تسلطي، لكن انشقاق عددا من مؤسسي العدالة والتنمية عنه، أربك حساباته فالخصوم الجدد كانوا من صناع القرار داخل الغرف المغلقة للحزب وللدولة وبالتالي يدركون جيدا كيفية المواجهة ويعرفون جيدا أسلحة خصمهم (أردوغان).

ويخشى أردوغان الذي اهتزت شعبيته أن خصومه الجدد (حلفاءه السابقون) الذين اتهمهم بالخيانة وتوعدهم بـ"دفع ثمن باهظ لخيانتهم"، باتوا يشكلون خطرا على مستقبله السياسي لذلك فإنه قد يلجأ إلى أساليب قذرة لتصفيتهم سياسيا كما فعل مع خصومه التقليديين.

وكان أحمد داود أغلو قد انتقد بشدة بعد استقالته من حزب العدالة والتنمية، أردوغان وألمح إلى تلك الأساليب ومنها الذرائع التي اختلقتها أجهزة الرئيس لقمع خصومه من حزب الشعوب الديمقراطي ومن الإعلاميين المعارضين لخلق مناخ من الخوف يحول دون تفكير غيرهم في المجازفة بالوقوف في وجهه.