أردوغان يُعبّد الطريق لاستبداد أشدّ بانتخابات مبكرة لا مبرر لها

الرئيس التركي يعلن عن اجراء انتخابات عامة مبكرة في 24 يونيو بعد أكبر حملة تطهير وقمع للحريات وبعد الزج بزعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد أحد أشد معارضيه في السجن إلى جانب نواب من المعارضة، في خطوة تسلط الضوء على استراتيجة ترهيب اعتمدها أردوغان لازاحة خصومه من طريقه على اثر استفتاء منحه صلاحيات واسعة.
اردوغان يستعجل الانتخابات العامة لترسيخ هيمنته على السلطة
تركيا تنفتح على مرحلة سياسية غامضة وسط حالة من التململ
الرئيس التركي يخوض معارك علىأكثر من جبهة داخلية وخارجية

أنقرة - أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء تنظيم انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية في تركيا في 24 يونيو/حزيران أي قبل عام ونصف عام من الموعد المقرر، في خطوة تبدو مدروسة وفي توقيت يمنح حزبه غالبية مطلقة بعد حملة قاسية أفضت إلى ازاحة كبار خصومه السياسيين من خلال الملاحقات القضائية والمحاكمات والاعتقالات بذرائع تتعلق بالتورط في الإرهاب أو الدعاية لمنظمات إرهابية.

واستغل الرئيس التركي محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016 ليصعد أوسع وأكبر حملة تطهير على الاطلاق أفضت في النهاية إلى اقصاء خصومه وترهيب المناوئين لسياسته من سياسيين وأكاديميين وحقوقيين واعلاميين.

وبإعلان أردوغان عن انتخابات مبكرة يكون الرئيس التركي قد مهد بالفعل لسطوة أكبر على السلطة كونه وكون حزبه الأوفر حظوظا في هذه المرحلة التي يغيب فيها زعماء معارضون بارزون مثل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد صلاح الدين ديمرتاش القابع في السجن بتهم تتعلق بالإرهاب وهو من أشد خصوم حزب العدالة والتنمية وأيضا معارضون آخرون بينهم العديد من النواب المعارضين.

وبالنسبة لحزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الأساسي الذي يقوده كمال كليشدار أوغلو، فقد حرص أردوغان على شيطنته وتبدو حظوظ فوزه بعد أوسع مرحلة قمع، أقل مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.

ومن المتوقع أيضا أن تعمد حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم إلى اضعاف حزب المعارضة الرئيسي بكل الوسائل بما فيها القمع والتشويه.

وقال أردوغان في لقاء صحافي في أنقرة "قررنا اجراء هذه الانتخابات يوم الأحد في 24 يونيو/حزيران 2018"، وذلك اثر لقاء مع زعيم الحزب القومي وحليفه الأساسي دولت بهجلي الذي كان دعا الثلاثاء إلى اجراء انتخابات مبكرة.

ولم يكن المعلقون السياسيون يتوقعون تصريحات بهجلي إذ أن المسؤولين الأتراك ومن بينهم أردوغان نفوا مرارا في الأسابيع الماضية "الاشاعات" عن تنظيم انتخابات مبكرة.

وقال أردوغان "إن اللجنة الانتخابية العليا ستبدأ فورا الاعداد لهذه الانتخابات"، مشيرا إلى "تسارع التطورات في سوريا" وضرورة اتخاذ "قرارات مهمة سريعا" حول الاقتصاد وذلك لتبرير تسريع جدول الانتخابات.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان

ويأتي اعلان الانتخابات المبكرة في الوقت الذي تواجه فيه تركيا وضعا اقليميا صعبا مع اتساع رقعة النزاع في سوريا والوضع الاقتصادي الحساس للبلاد.

وكان من المقرر في البداية أن تنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية معا في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على أن يسبقها اقتراع للبلديات في مارس/اذار من العام نفسه.

وتعتبر هذه الانتخابات حاسمة في تاريخ تركيا لأنه من المقرر بعدها البدء بمنح رئيس الدولة المزيد من السلطات بحسب استفتاء أبريل/نيسان 2017 حول توسيع صلاحيات الرئيس.

ويتيح هذا التعديل الدستوري لأردوغان (64 عاما) الترشح لولايتين رئاسيتين أخريين من خمس سنوات.

وأروغان في السلطة منذ العام 2003، أولا كرئيس للحكومة ثم كرئيس للبلاد.

وكان بهجلي أثار مفاجأة عندما دعا الثلاثاء إلى اجراء انتخابات مبكرة في 26 اغسطس/اب أي قبل عام من الموعد المحدد في خطوة خطط لها الرئيس التركي على ما يبدو ودفع حليفه (بهجلي) لاعلانها.

وبعد أن كان بهجلي (70 عاما) من أشد منتقدي أردوغان، أقام تحالفا قويا معه منذ أكثر من عام.

ولا يوجد في الوقت الراهن ما يستدعي اجراء انتخابات مبكرة لكن يبدو الرئيس التركي مستعجلا على تنفيذ برنامجه القائم على تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي بما يمنحه صلاحيات واسعة وبما يطلق يديه في جميع المجالات.

ويخوض أردوغان على المستوى الداخلي معارك على أكثر من جبهة سياسية واقتصادية لترسيخ نفوذه ومن ضمن هذه المعارك محاولة اسلمة مؤسسات الدولة وتطويع السياسة النقدية وفق رؤية ايديولوجية.

ولا يمكن للرئيس التركي المضي بأريحة في برنامجه ما لم يباشر بالفعل رئاسة جديدة بصلاحيات واسعة.

وفي كل الحالات فإن استعجال أردوغان لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة يعبد الطريق لمرحلة استبداد أشد مما هو عليه الحال الآن في تركيا.

ووصف مسؤولون أوروبيون ومعارضون أتراك مرارا الرئيس التركي بأنه دكتاتور وأنه ابتعد بتركيا عن دولة القانون بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وللحريات وبتدخلاته في استقلالية البنك المركزي وبمغامرات عسكرية خارجية، في إشارة إلى تدخله في سوريا.