أردوغان يُكابر في تبرير قفزة هائلة في التضخم

الرئيس التركي يتعهد بتعزيز الإنتاج والصادرات والتوظيف عن طريق سياسته غير التقليدية لأسعار الفائدة المنخفضة، واعدا مجددا بفائض في ميزان المعاملات الجارية سيدفع في تقديره العملة للاستقرار في نهاية المطاف ويهدئ التضخم.

اسطنبول - فقدت الليرة التركية اليوم الاثنين 1 بالمئة من قيمتها بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهد فيها بمزيد من تخفيضات الفائدة وهوّن فيها من بلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ نحو ربع قرن متجاوزا عتبة الـ73 بالمئة.

وتجاهل أردوغان مجددا حقيقة أن السياسية الاقتصادية التي يتبعها تعمق جراح الاقتصاد التركي المتعثر وتثقل كاهل الأتراك الذين يشتكون من تدهور الوضع المعيشي في ظل عملة وطنية لم تغادر مربع الاضطراب منذ أشهر طويلة ومعدل تضخم مفزع.

وقال في خطاب متلفز عقب الاجتماع الأسبوعي لحكومته إن "هذه الحكومة لن ترفع معدلات الفائدة. بل بالعكس ستخفضها"، بينما تسبق تصريحاته اجتماعا من المقرر أن يعقده البنك المركزي التركي في 23 يونيو حول السياسات النقدية.

وجاءت تصريحاته في أعقاب بيانات رسمية أظهرت بلوغ التضخم في مايو/ايار نسبة 73.5 بالمئة، وهو أعلى معدل له منذ 1998 ويسلط الضوء على حالة الاضطراب المالي بفعل تدخلات الرئيس التركي في السياسات النقدية وممارسة ضغوط شديدة على البنك المركزي بعيدا عما تمليه القواعد الاقتصادية التقليدية في مثل الحالة التركية.

ويعتبر الرئيس التركي وخلافا للنظريات الاقتصادية التقليدية، أن أسعار الفائدة المرتفعة تعزز التضخم بدلا من السيطرة عليه، لكن على أرض الواقع بات التضخم خارج السيطرة والليرة في قاع سحيقة.

ويعاني الاقتصاد التركي منذ العام الماضي من تراجع كبير مع ممارسة أردوغان الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة في انتخابات 2023، ضغوطا على البنك المركزي لخفض معدلات الفائدة.

لكن يبدو أنه سيخوض تلك الانتخابات برصيد من النكسات الاقتصادية والأزمات المالية وهو أمر يؤثر حتما على مزاج الناخب التركي.

ورغم تدشينه مرحلة من المصالحات التاريخية مع الشركاء الأوروبيين والخليجيين ومع إسرائيل بعد سنوات من العداء والصدام، فإن تركيا لا تزال تعاني من اضطرابات مالية وسياسية واجتماعية وسط احتقان في الشارع التركي الذي يئن تحت وطأة أسوأ موجة غلاء.

ورغم الصورة القاتمة للاقتصاد وللوضع المالي التركي، هوّن أردوغان من شأن التضخم القياسي، معتبرا أنه أحد عدة مشاكل يعاني منها الاقتصاد المتعثر. وكان قد اتهم في السابق جهات أجنبية بالتآمر على اقتصاد بلاده ومحاولة تدميره وهي اتهامات اعتبرتها المعارضة هروب للأمام وانكار لمسؤوليته عن تفاقم الأزمة.

وتعهده الرئيس التركي في المقابل بتعزيز الإنتاج والصادرات والتوظيف عن طريق سياسته غير التقليدية لأسعار الفائدة المنخفضة، واعدا مجددا بفائض في ميزان المعاملات الجارية سيدفع العملة للاستقرار في نهاية المطاف ويهدئ التضخم.

وقال أردوغان "جزء من المشكلة (التضخم) هو أن بعض المواطنين يصرون على الاحتفاظ بمدخراتهم بالعملات الأجنبية والجزء الآخر هو المدخلات المستوردة بسبب تزايد الإنتاج، حاثا الأتراك على الاستفادة من قروض منخفضة الفائدة وعلى الاستثمار.

وقال أيضا إن تعديلا قانونيا سيساعد في زيادة رواتب موظفي القطاع العام، جاهز للإرسال إلى البرلمان، مضيفا أن التعديل سيزيد أيضا معاشات الموظفين العموميين المتقاعدين.

ودفع هبوط الليرة والحرب في أوكرانيا وزيادات حادة في أسعار الطاقة التضخم السنوي لمؤشر أسعار المستهلكين في تركيا إلى أعلى مستوى له منذ 1998. وبدأ التضخم يقفز في خريف العام الماضي بعد دورة تخفيضات للفائدة بلغت 500 نقطة أساس.

وأشار أردوغان إلى تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال "إذا لم يكن هناك أي صدام في المنطقة، فإن الناس سيمكنهم الشعور بفوائد ملموسة لبرنامجنا الاقتصادي.. يحدونا الأمل بأننا سنكون في هذه المرحلة في الأشهر القليلة الأولى من العام القادم."

ويرسم محللون وخبراء صورة قاتمة للاقتصاد التركي، مشيرين إلى أن المكابرة والعناد اللتان يتمتع بهما أردوغان لا يعالجان الأزمة وأن الشعب التركي هو من يدفع حاليا فاتورة سياسة الهروب إلى الأمام.