أزمة الحكم تخرج من كواليس مجلس السيادة إلى شوارع الخرطوم

الآلاف يتظاهرون في العاصمة السودانية تأييدا لحكم المدنيين، في تطور يأتي بعد شدّ وجذب وتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية والعسكرية في مجلس السيادة السوداني بالمسؤولية عن تفاقم الأزمة.
المئات تدفقوا على الخرطوم قادمين من عطبرة ومدني
صفقة تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكر كانت في لحظتها صفقة الإكراهات لا التوافقات

الخرطوم - تظاهر الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم وغيرها من المدن اليوم الخميس دعما لعملية انتقال للديمقراطية بقيادة مدنية بعد محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي.

وتأتي الاحتجاجات وسط تجاذبات بين الأطراف السياسية والعسكرية المشاركة في قيادة المرحلة الانتقالية والتي تبادلت الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانفلاتات الأمنية.

وكشفت المحاولة التي اتهم المسؤولون جنودا موالين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير بالضلوع فيها، عن انقسامات كبيرة بين الجماعات العسكرية والمدنية التي تتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية من المفترض أن تستمر حتى عام 2023 وتفضي إلى انتخابات.

وجاء العديد من المتظاهرين من خارج الخرطوم بالحافلات والقطارات من مدينتي عطبرة ومدني مثلما كان الحال خلال الاحتجاجات ضد الحكم العسكري بعد الإطاحة بالبشير مباشرة.

وهتف بعض الآلاف أثناء انتظار القطارات قائلين إن الجيش جيش السودان وليس جيش البرهان في إشارة إلى الفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ومجلسه السيادي الحاكم.

وفي الأيام والساعات التي أعقبت محاولة الانقلاب، اتهم مسؤولون مدنيون الجيش بتجاوز نطاق صلاحياته، في حين انتقد كبار الضباط أسلوب الإدارة المدنية في التعامل مع ملفي الاقتصاد والعملية السياسية.

وأطاح الجيش بالبشير في أبريل/نيسان 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بسبب أزمة اقتصادية متفاقمة. ووقع العسكر بعد ذلك اتفاقا لتقاسم السلطة مع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المدني الذي أعلن اليوم الخميس تأييده لمظاهرات اليوم.

وعلى عاتق المجلس السيادي السوداني المؤلف من خمسة عسكريين وستة سياسيين من المدنيين قيادة مرحلة انتقالية مدتها 39 شهرا وفق اتفاق تقاسم السلطة الذي ولد من رحم أزمة بين العسكر والمدنيين عقب عزل الرئيس السابق عمر البشير في ابريل/نيسان 2019.

وكان واضحا من البداية أن صفقة تقاسم السلطة هشة بكل المقاييس حيث كانت نتاج اكراهات تلك اللحظة الفارقة في تاريخ السودان بعد 3 عقود من حكم شمولي هيمن خلالها الإسلاميون بالترهيب وشراء الولاءات والذمم من تاريخ الانقلاب العسكري في العام 1989 بقيادة عمر البشير وبدعم من جبهة الإنقاذ الوطني بزعامة (الراحل) حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية.

وبالمنطق السياسي والتاريخي الذي طبع المشهد السوداني منذ حكم جعفر النميري وصولا إلى مجلس السيادي الحالي، تبدو معادلة تقاسم السلطة، معادلة مضطربة ومربكة يصعب تطبيقها بسبب حسابات أطرافها (العسكر والمدنيون).

وفي الفترة الأخيرة اتهم رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، السياسيين بالانشغال في صراع على الكراسي وإهمال مطالب التنمية وتطلعات الشعب السودني، فيما جاءت تلك الاتهامات بعد تحذير رئيس الحكومة عبدالله حمدوك من حالة "تشظ" داخل المؤسسات العسكرية، واصفا الوضع بأنه "أمر مقلق جدا".