أزمة داخلية وغضب شعبي يهددان عرش الجولاني

محتجون يتوعدون باستمرار المظاهرات حتى تنفيذ المطالب مستنكرين سياسة “تحرير الشام” التي وصفوها بأنها أشبه بالنظام السوري وأفرعه الأمنية.

ادلب – يتزايد الغضب الشعبي من سياسة هيئة تحرير الشام صاحبة السيطرة العسكرية في ادلب، وبدأت المطالب ترتفع بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني، وبالإفراج عن المعتقلين، في نفس الوقت الذي تواجه فيه الهيئة أزمة داخلية تهدد بتفككها.

وطالب متظاهرون في منتصف مدينة ادلب بوقف تعذيب المعتقلين، وتبييض السجون وتنحي الجولاني، ومحاسبة المعتدين بحق المعتقلين. وتوعدوا باستمرار الاحتجاجات حتى تنفيذ المطالب، مستنكرين سياسة “تحرير الشام” التي وصفوها بأنها أشبه بالنظام السوري وأفرعه الأمنية.

وتسود حالة غضب بين أوساط المدنيين والعسكريين إثر مقتل عنصر من فصيل “جيش الأحرار” في سجون هيئة تحرير الشام، إثر تعذيب تعرض له على خلفية ملف “العمالة” الذي يعصف في صفوف “الهيئة” منذ عام، بينما تقول المصادر أن هذه الأزمة تهدد عرش الجولاني وتهدم ما أسسه وعمل على بنائه منذ بروز اسم "جبهة النصرة" في سوريا قبل أكثر من عقد.

ويخيّم الصراع والانقسام الداخلي على المشهد ضمن الهيئة بعد مضي ثمانية أشهر على ظهور أزمة "العمالة" داخل التنظيم لصالح جهات خارجية، حيث لم تقدم الهيئة رواية مقنعة حيال حقيقة ما جرى وما قد يجرى سواء لعناصرها أو لسكان المنطقة ما جعلها هدفا لروايات وقصص متنوعة تتغير حسب مسار الأزمة.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، علّق الجولاني للمرة الأولى على أزمة العملاء داخل الهيئة، قائلاً إن "عدد المتربصين بالثورة كُثر، لذلك هي عرضة للاستهدافات، سواء العسكرية أو الأمنية (..) وأجهزة الاستخبارات في العالم تعمل على اختراق بعضها البعض"، وأضاف "أُطمئن الجميع، ليس هناك خطر كبير وعظيم كما يتصور البعض، والأمور قد سُيطر عليها، وقد أُحيط بالخلايا".

وكانت إحدى قنوات "الإعلام الرديف" على تلغرام المسماة "مراقب المحرر"، تربط أسماء عدد من العسكريين المعتقلين بـ"غرفة عمليات دولية"، قائلة إنّه تم "تجنيد أبو ماريا القحطاني من قبل غرفة عمليات دولية ورسم خطة لإنهاء الثورة والجهاد، بعد وعود للقحطاني بالمناصب واستلام المشهد في المناطق المحررة".

وبعد ذلك، أعلنت "تحرير الشام" و"جهاز الأمن العام" في بيانين منفصلين، عن انتهاء التحقيقات الخاصة بملف العملاء، وقد خلص بيان الهيئة إلى إدانة عدد من الموقوفين وإحالتهم إلى القضاء، وإيقاف من ثبت بحقه تجاوز الإجراءات المسلكية ضد الموقوفين.

المتظاهرون يطالبون بوقف تعذيب المعتقلين، وتبييض السجون وتنحي الجولاني ومحاسبة المعتدين بحق المعتقلين الذين تم تبرأتهم من ملف العمالة.

واعقب بيان الهيئة خروج العشرات من عسكرييها وأمنييها وعناصرها ممن زجتهم في السجن بتهمة العمالة، بالتزامن مع اعتقال عدد من أفراد الجهاز الأمني، عُرف منهم شخص يدعى "أبو الجماجم" وآخر يدعى "أبو عبيدة منظمات"، بتهمة تعذيب المعتقلين بهدف انتزاع اعترافات وأقوال غير دقيقة منهم. وفي ظل غياب أي توضيح رسمي من "هيئة تحرير الشام"، أُطلق سراح عدد من المعتقلين بتهم العمالة تباعاً، وذلك على دفعات، بعد التقاط صور جماعية لكل دفعة منهم إلى جانب "الجولاني".

وكان آخر المفرج عنهم، أبو محجن الحسكاوي، الذي شغل منصب المسؤول الأمني العام لمدينة إدلب قبل اعتقاله، لكن أجواء الاحتفال بإطلاق سراح هؤلاء الأشخاص، تحتوي بحد ذاتها على رسالة تحدٍ من التيار العسكري في الهيئة تجاه الأمنيين، إذ يجري إطلاق الرصاص بكثافة وبشكل عشوائي في أجواء إدلب وما حولها، احتفالاً بخروج العسكريين من السجن، من دون أن يجرؤ جهاز الأمن العام أو وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ على التدخل ووضع حد لهذه الظاهرة التي تفاقمت وسببت خسائر مادية للمدنيين وبعض الإصابات في صفوفهم.

وهذا الاحتفال وإطلاق الرصاص بشكل عشوائي من قبل عناصر في الهيئة، ضاربين بعرض الحائط قرارات جهاز الأمن العام وحكومة الإنقاذ بعدم استخدام السلاح بهذا الشكل، كل ذلك فتح المجال لشخصيات "شرعية" كان بعضها ضمن الهيئة، للمطالبة بإطلاق سراح مختلف المعتقلين في سجون الهيئة، سواء من عناصر فصائل المعارضة، أو المعتقلين على خلفية مواقف سياسية.

ويبدو أن إطلاق سراح عدد من المعتقلين من سجون الهيئة - ممن اتهموا بملف العمالة والتعاون مع القيادي المحتجز أبو ماريا القحطاني - قد تسبب بحرج للجولاني، الذي يحاول مسك العصا من المنتصف والموازنة بين تيارين داخل الهيئة، الأول هو تيار الجناح العسكري الذي يدعي مظلومية كبيرة على يد التيار الثاني المتمثل بجهاز الأمن العام. ويزيد على ذلك أن "أبو أحمد حدود" (الشخصية الثانية في الهيئة) يرفض التوجه الحالي بالإفراج عن المتهمين. بالتزامن مع الحديث عن تعويضات مالية تقدّر بآلاف الدولارات سيقدمها الجولاني لبعض العسكريين.

وتتحدث الروايات غير الرسمية داخل هيئة تحرير الشام، على لسان بعض الأشخاص ممن أُطلق سراحهم عن أن المحققين في "جهاز الأمن العام" كانوا يجبرون المعتقلين على الإدلاء باعترافات تدين قادة بارزين في الهيئة، من أجل اعتقالهم وتوسيع دائرة خلية العملاء.

وتزعم بعض الروايات أن ملف "العملاء" لا وجود له بالأصل، رغم تصريحات الجولاني التي تؤكد أن ملف العملاء حقيقي، كما أن الرواية تتحدث عن مخطط انقلابي كان يقوده "الأمنيون" على التيار العسكري في الهيئة، عبر زجهم في السجن بتهمة العمالة، في سياق الصراع المحتدم بين التيارات داخل التنظيم على النفوذ.