أزمة كورونا تشكل مرحلة انتقالية لوسائل الإعلام الفاقدة للثقة

القراء يبحثون عن تحليلات إضافية وشهادات حية حول الوباء، وخبراء يعتبرون أنها ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحافي ولكنها فترة للتضامن والعمل في العمق والكتابة للقراء دون أجندات سياسية أو مصالح اقتصادية.
الصحافة أساسية رغم كسر شبكات التواصل الاحتكار شبه الكامل للأخبار
وسائل اعلام جديرة بالثقة ستستفيد من أزمة كورونا عبر مضاعفة اشتراكاتها الرقمية

باريس - يطرح فيروس كورونا المستجد المتفشي في العالم، اختبارا لوسائل الإعلام ايضا، القطاع الذي يشهد أصلا أزمة ثقة غير مسبوقة.
يتابع المواطنون الخاضعون للعزل الصحي في بيوتهم في العالم الأنباء باهتمام. وكشف استطلاع أجراه معهد إدلمان من السادس إلى العاشر من آذار/مارس أن أكثر من تسعين بالمئة من الإيطاليين واليابانيين والكوريين يطلعون مرة واحدة في اليوم على الأقل على التطورات المرتبطة بالفيروس، وأكثر من نصفهم يقومون بذلك أكثر من مرة يوميا.
وتبقى الصحافة أساسية مع أن شبكات التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار شبه الكامل للأخبار من قبل وسائل الإعلام. فقد أشار استطلاع اجراه معهد إيبسوس لموقع "أكسيوس" الإخباري إلى أنه للاطلاع على التطورات المرتبطة بالفيروس، ما زال نصف الأميركيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، بينما تثق نسبة أقل بكثير بشبكات التواصل الاجتماعي.

لحظة مهمة لوسائل الإعلام ... لتثبت أنها في خدمة الجمهور أولا بمعلومات جديرة بالثقة عبر انتقائها

يمكن أن تشكل هذه الأزمة فرصة لوسائل الإعلام لاستعادة ثقة قرائها. كما أنها فرصة للقراء الذين يخضعون للعزل لاختيار وسائل الإعلام الكبيرة والصغيرة التي يثقون بها.
وكتب المؤرخ الاسرائيلي يوفال نوا هراري في صحيفة "فايننشال تايمز" أنه "لم يتأخر الوقت لاستعادة ثقة الناس في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام".
وأكد المؤرخ باتريك ايفينو رئيس المجلس الفرنسي للأخلاقيات الصحافية أنها "لحظة مهمة لوسائل الإعلام ... لتثبت أنها في خدمة الجمهور أولا بمعلومات جديرة بالثقة عبر انتقائها".
وكتبت مدونة: لا، فيروس كورونا المستجد لم يتم إنتاجه ومنحه براءة من معهد باستور، ولا، لا نعرف ما إذا كان ارتفاع حرارة الجو في الربيع "يقتل" الفيروس.
وقالت مديرة الإعلام في البي بي سي التي تشهد مستويات حضور قياسية "في إطار الوضع الصحي الطارئ، توفير أنباء جديرة بالثقة ودقيقة أمر حيوي"، مؤكدة أن هذه المؤسسة الإعلامية البريطانية العامة "لديها دور أساسي لتلعبه".
أما ريكاردو كيرشبوم الذي يعمل في "كلارين" الصحيفة اليومية الأرجنتينية الأوسع انتشارا، فقال إن "القراء يبحثون عن تحليلات إضافية وخدمات إخبارية وشهادات حية".
وشهدت الصحيفة ارتفاع عدد متابعيها على الانترنت مشيرة إلى أن القراء يذهبون إلى موقعها الالكتروني مباشرة من دون المرور بشبكات التواصل الاجتماعي.
وقال كيرشبوم "إنهم يريدون معرفة ما يحدث في دول أخرى مثل إيطاليا واسبانيا وفرنسا التي يغطي أحداثها مراسلون خاصون بنا". واطلقت الصحيفة نشرة بريدية يومية تتضمن الأخبار الأساسية حول الوباء.
قالت مارينا ووكر من "مركز بوليتزر" المنظمة غير الحكومية الأميركية التي تدعم الصحافة إنها "ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحافي و"العمل كالعادة".
وأضافت "نحن نواجه جميعا العدو نفسه. إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية".
ويدعم "مركز بوليتزر" ماليا مشاريع صحافية تعتمد على التعاون بين هيئات تحرير عديدة لتغطية جوانب منسية للأزمة.
وأشار عالم الاجتماع الإيطالي ادواردو نوفيلي من جامعة روما-3 إلى أن عددا من وسائل الإعلام تباطأت في العمل في بداية ألأزمة.
وكتب في دراسة بعنوان "انفومود" تتعلق بما نشرته 257 وسيلة إعلام أوروبية على موقع فيسبوك وجرت بين الأول من كانون الثاني/يناير و14 آذار/مارس أن "الصحف تاثرت إلى حد كبير بحكوماتها الوطنية التي قللت، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، من خطورة الأزمة المقبلة".
وعبر الصحافي السابق الذي أصبح أستاذا في الاتصالات وعلم الاجتماع عن أسفه لأن وسائل الإعلام هذه "لم تقم بدورها".
ونقلت بعضها أخبارا مضللة مثل "ديلي ميل" في بريطانيا التي أوردت فكرة أن الفيروس التقطه شخص تناول حساء خفاش في الصين. وهذه المعلومات تناقلتها صحف صفراء عديدة تعيش على أخبار الإثارة.
وأخيرا يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلى تسريع هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد موت الصحف الورقية. فبينما دخلت فرنسا في العزل تراجعت مبيعات الصحف بنسبة 24 بالمئة الاثنين 16 آذار/مارس و31 بالمئة الثلاثاء 17 آذار/مارس، كما ذكرت مجموعة التوزيع "بريستاليس".
وقال المؤرخ باتريك ايفنو إن "الصحف ستموت أو تعيد تجمعها وكل شيء مرهون بمدة الظاهرة". وأضاف "لكن وسائل الإعلام التي تعتبر جديرة بالثقة ستستفيد عبر مضاعفة عدد اشتراكاتها الرقمية".