أزمة مالية وخلافات حادة تُسائلان مدى صمود إسلاميي المغرب سياسيا

الأزمة المالية التي ترافقها أزمة داخلية في حزب العدالة والتنمية وسط الخلافات والانقسامات، ترسم مصيرا غامضا للحزب الإسلامي المغربي وقدرته على العودة للمشهد السياسي.

الرباط - سلطت استقالة القيادي البارز عبدالقادر عمارة وهو أمين مال العدالة والتنمية من الحزب الإسلامي المغربي وكل هيئاته، الضوء على الأزمة المالية التي قد تزيد من حالة التشظي بينما يكابد 'البيجيدي' وهي التسمية الفرنسية المختصرة للحزب للعودة للمشهد السياسي والتموقع في خارطة سياسية لا تحتمل أحزابا ضعيفة ومهزوزة وبلا رؤية واضحة.

والاهتزازات التي يعيشها حزب البيجيدي ليست استثناء في سياقاتها الخاصة والعامة فكل الأحزاب الإسلامية تمر منذ فترة بحالة اضطراب وإرباك ومتاعب مالية، بينما يسعى إسلاميو المغرب عبثا لترميم التصدعات الداخلية في ظل ما يصفه البعض بهيمنة بنكيران على الحزب والتفرد بالقرار، مشيرين إلى أن البيان الذي ربط فيه بين زلزال الحوز والذنوب السياسية خير شاهد على غياب الديمقراطية الحزبية الداخلية.

وقد تبرأت شخصيات من الحزب الإسلامي من تلك التصريحات والخوض في الغيبيات الذي لم يكن في محله في كل الحالات لا في مضمونه ولا في توقيته ما عزز من حالة النفور لدى القاعدة الناخبة.

ولم يعد خافيا أن جماعات الإسلام السياسي في المنطقة باتت معزولة ومنبوذة من الغالبية العظمى للشعوب مع تهاوي الأحزاب التي حكمت لفترة أقصى معدلها 10 سنوات مثل حركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية المغربي وهو العمر الافتراضي لتلك الجماعات وفق التجارب الناشئة أو المدفوعة خارجيا منذ ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، لتمكين الإسلاميين من تجربة الحكم.

ويعيش الحزب الإسلامي المغربي على وقع جدل بسبب استقالة عبدالقادر عمارة احتجاجا على تفرد بنكيران بالقرار وتبني الأمانة العامة للحزب بيان الذنوب والمعاصي في حالة انحراف لم يسبق أن عاشها العدالة والتنمية.

ويأخذ البعض ممن لا يزال لديهم أمل في ترميم التشققات الداخلية، على عمارة استقالته في هذا التوقيت وخلق حالة من الفراغ في الحزب في ذروة أزمته المالية والسياسية، لكن يبدو أن الرجل كان يعتزم الاستقالة في كل الحالات وحفزه بيان بنكيران الأخير وأعطاه مبررا للانسحاب حتى لا يتحمل أي مسؤولية عن حزمة الأزمات التي تعصف بالحزب وفي مقدمتها الأزمة المالية.

وبحسب تقرير نشره موقع زنقة 20 الإخباري المغربي فإن القيادي والوزير السابق (عبدالقادر عمارة) هو المسؤول المالي الأول في حزب العدالة والتنمية منذ قاد الأخير ائتلافات حكومية من 2011 حتى هزيمته الانتخابية في 2021، وبالتالي هو الأكثر دراية بادارة الشؤون المالية للحزب.

وأشار التقرير إلى أن العدالة والتنمية اضطر منذ هزيمته الانتخابية لتسريح عشرات من منتسبيه العاملين في الإدارات الإقليمية والجهوية والإدارة المركزية والموقع الالكتروني وان عدد الذين جرى الاستغناء عنهم يقدر  المقدر بنحو 160 شخصا. كما عجز الحزب عن "التصريح بالحساب السنوي وإيداع التقارير المالية للحملات الانتخابية لدى المجلس الأعلى للحسابات".

ومنذ استقالته من الحزب الإسلامي يتعرض عبدالقادر عمارة لانتقادات شديدة من قبل زملائه السابقين الذين حملوه المسؤولية عن الأزمة المالية والتردي الكبير للحزب، في انتقادات تحولت على ما يبدو لتصفية حسابات كانت صعبة حين كان عمارة في دائرة القرار الحزبي.

وأصبح العدالة والتنمية عاجزا كذلك تبرير النفقات من المال العام وهي الحصص المالية التي يحصل عليها الحزب كدعم من الدولة وعجزه كذلك عن إيداع التقارير في موعدها القانوني.

وألقت الأزمة المالية بظلالها أيضا على مشروع بناء مقر مركزي جديد للحزب الإسلامي في حي الرياض واغلاق المقر القديم في حي الليمون، لكن قيادات في الحزب حملت عمارة كذلك تعطل هذا المشروع واعتبرت أنه (عمارة) لم يحسن تدبير الشأن المالي ولم يستثمر في مشاريع توفر إيرادات للعدالة والتنمية كما فعلت أحزاب إسلامية أخرى في المنطقة العربية وهو موقف يبدو مربكا وفي غير محله، فمعظم تلك الأحزاب الإسلامية واقعة حاليا تحت طائلة الضغوط والمحاسبة عن مصادر التمويل وسط شكوك بحصولها على تمويلات أجنبية.

وترسم الأزمة المالية التي ترافقها أزمة داخلية جسدتها الخلافات والانقسامات، مصيرا غامضا للحزب الإسلامي المغربي وتُسائل مدى صموده وقدرته على العودة للمشهد السياسي.

ومن شأن الأزمة المالية الحادة أن تعمق متاعب الحزب الإسلامي الذي يئن تحت وطأة التشظي والانقسامات منذ الهزيمة الانتخابية في العام 2021 التي وصفها سياسيون ومتابعون بـ"المذلة".