أسوأ أزمة حصيلة ما جناه لبنان من حزب الله

لبنان بدأ يقترب أكثر من الانهيار الشامل منذ هيمنة حزب الله وحلفائه على الحكم ودفعه البلاد إلى عزلة دولية وعربية أفقدته منافذ حيوية كانت كفيلة بإنقاذه من الأزمة الراهنة.
انهيار اقتصادي وأزمة مالية يخنقان لبنان
تدخلات حزب الله الخارجية أثقلت كثيرا على لبنان
حزب الله يقفز على كل الحقائق مختزلا أزمة لبنان في 'مؤامرة' خارجية
لماذا ابتعد شركاء لبنان الدوليون عنه منذ أصبح حزب الله شريكا في الحكم

بيروت - لم يشهد لبنان في تاريخه أزمة أسوأ من التي يعيشها منذ أشهر على جميع المستويات، في مشهد يحيل إلى تركيبة سياسية تبدو هجينة رغم أنها من اكراهات اتفاق الطائف، لكن يبدو أن هيمنة حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه على الحكم ساعدت إلى حدّ كبير في أن يصل الوضع إلى ما وصل إليه حاليا.

ويُعتقد أن الجماعة الشيعية الشريك في الائتلاف الحكومي والتي تمتلك جناحا عسكريا هو الأقوى من حيث التسليح والعدة والعتاد، أثقلت بشكل كبير على لبنان بتدخلاتها الخارجية وبدفعها لبنان كرها إلى سياسة المحاور.

وتعتقد قوى سياسية لبنانية أنه لو كان حزب الله خارج الحكومة ربما لكان الوضع المالي أفضل ولصرفت المنح والقروض الدولية التي وعدت بها الجهات المانحة والتي باتت أكثر ترددا في صرفها خشية أن تقع في أيدي الجماعة الشيعية وأن توظف في تمويل أنشطته التي تعتبرها واشنطن ودول غربية أخرى مزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وتحيل نظرة سريعة على الأحداث المتعاقبة في لبنان منذ أصبح حزب الله شريكا مهيمنا على الحكم، إلى مشهد هو الأسوأ اتسم بتراجع غير مسبوق لقيمة عملته أدى إلى إغراق نصف الشعب اللبناني في الفقر.

ويتسبب الانهيار الاقتصادي الذي أدى إلى صرف أعداد هائلة من الموظفين، بارتفاع كبير في الأسعار في البلاد التي شهدت لعدة أسابيع منذ خريف 2019 انتفاضة شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يُنظر إليها على أنّها فاسدة وعاجزة عن وضع حدّ للأزمة الاقتصادية الحادة.

انخراط حزب الله في الحرب السورية دعما لنظام الأسد عمّق عزلة لبنان
انخراط حزب الله في الحرب السورية دعما لنظام الأسد عمّق جراح لبنان

في 29 سبتمبر/ايلول 2019، تجمع مئات المتظاهرين في بيروت للتنديد بالوضع الاقتصادي على خلفية مخاوف بشأن استقرار الليرة اللبنانية.

في 26 من الشهر نفسه، أعلن أصحاب محطات المحروقات الإضراب احتجاجا على سعر الصرف المتقلب ونقص الدولار الذي يُعد ضروريا للدفع لمورديهم. ثمّ تراجعوا عن خطوتهم بناء على اتفاق حكومي يتيح لهم الدفع بالليرة اللبنانية.

وبحسب وسائل إعلام، فإن المصارف ومحال الصيرفة حدّت من بيع العملة الخضراء خشية من انخفاض الاحتياطات بالعملات الأجنبية.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية التي تتم عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب.

وفجّر ذلك غضب اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع تعبيرا عن الرفض، مرددين عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام". وتراجعت الحكومة بعد ذلك عن فرض الرسم المالي، لكن آلاف اللبنانيين واصلوا احتجاجهم.

وبلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في أنحاء البلاد في بعض الأيام مطالبين بتجديد الطبقة السياسية الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته تحت ضغط الشارع. وفي 19 ديسمبر/كانون الأول، كُلّف حسان دياب وهو وزير سابق وأستاذ جامعي، بتشكيل الحكومة، إلا أن الدعم الذي قدّمه حزب الله وحلفاؤه لدياب أثار غضب الشارع خصوصا أنصار الحريري السنّة.

في 21 يناير/كانون الثاني ولدت حكومة جديدة في لبنان تُمثل حزب الله وحلفاءه الذين يشكلون غالبية في البرلمان.

في 7 مارس/اذار، أعلن دياب أن لبنان - الذي يرزح تحت عبء دين عام يبلغ 92 مليار دولار، أي 170بالمئة من قيمة الناتج الإجمالي الداخلي "سيعلق" سداد دين بقيمة 1.2 مليار دولار مؤكدا أن "الدولة اللبنانية ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها".

لبنانيون طالبوا بنزع سلاح حزب الله
لبنانيون طالبوا بنزع سلاح حزب الله

وفي 23 من الشهر ذاته، أعلنت وزارة المالية "التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار". وفي 30 ابريل/نيسان، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية أن بلاده ستطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، بعد تبني الحكومة خطة إنعاش اقتصادي لتنطلق في 13 مايو/ايار مفاوضات لبنان مع الصندوق.

في مايو/أيار تم ايقاف نقيب الصرافين محمود مراد وأدين مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان بجرم "التلاعب بالعملة الوطنية". وتم أيضا توقيف عدد من الصرافين والمصرفيين بشبهة التلاعب بسعر الصرف للمضاربة.

في منتصف يونيو/حزيران، اندلعت احتجاجات في بيروت وطرابلس شمالا عقب تدهور جديد لقيمة الليرة اللبنانية إلى حدود غير مسبوقة. وترافق التراجع مع إغلاق متاجر أبوابها وصرف العديد من العمال والموظفين بالتزامن مع أزمة تفشي كوفيد-19.

وفي الشهر نفسه، استقال مستشار وزارة المال هنري شاوول ومديرها العام آلان بيفاني اللذان كانا يشاركان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، متحدثَين عن خلافات بشأن إدارة الأزمة.

في الثامن من يوليو/تموز، توجّه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى السلطات اللبنانية بالقول "ساعدونا لكي نساعدكم". وفي 23 و24 من الشهر نفسه، انتقد الوزير الفرنسي أثناء زيارته لبنان "عدم استجابة سلطات هذا البلد" للأزمة الراهنة، مشددا على الحاجة لـ"أفعال ملموسة طال انتظارها".

وقال لودريان "هذا البلد بات على حافة الهاوية" في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه. وردّ رئيس الوزراء اللبناني على لودريان بالقول "لديه نقص في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية".

واليوم الاثنين قدّم وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي استقالته بسبب خلافات مع الحكومة، محذرا من تحول البلد إلى "دولة فاشلة" ومشيرا إلى "غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به".

وبعد ساعات قليلة، عُيّن السفير السابق ومستشار الرئيس ميشال عون للشؤون الدبلوماسية شربل وهبة خلفا لحتّي.

وفي خضم هذا التقلبات قفز حزب الله على مسببات الأزمة ودوره في تعطيل المنح والقروض الدولية لإنقاذ لبنان من الانهيار، مختزلا علل البلاد في 'مؤامرة' أميركية لضرب اقتصاد لبنان واستقراره.

ويقترح حزب الله وصفة يعتقد أنها كفيلة بحل كثير من المشاكل، دافعا بشدة لتبني مقترح إيراني يقوم على بيع لبنان نفطا إيرانيا مقابل الليرة وهو منفذ لتنفيس الأزمة الإيرانية بدلا من تنفيس الأزمة اللبنانية.