أصبح الرَّاد على «الدَّعوة» راداً على الإسلام.. أي غرور!

أي إسلام صار قريناً لحزب الدّعوة؟ وبأي حقّ يصبح الحزب ممثلاً للنبي وآل بيته؟! وإذا كان الحزب «رسالة إلهية زكية هادية منقذة» حسب المنشور على موقعه فعلى الرِّسالة السلام حزب أمضى نصفه الأكبر في المعارضة ذيلاً للولي الفقيه وما زال.

بقلم: رشيد الخيُّون

تسلم «حزب الدَّعوة» رئاسة وزراء العراق وقيادة القوات المسلحة، أي السّلطة التنفيذية الفاعلة، المال والسِّلاح وما يتعلق بأمور البلاد كافة، لأربعة عشر عاماً، كلُّ هذا الزمن وكلّ هذه المسؤوليات الخطيرة في عنقه، ولا يُريد نقداً، ويتخيل نفسه أنه صاحب الفضل على العراقيين، مدعياً أنه أشبعهم مِن جوع وآمنهم مِن خوف، وحسب ادعاء خطبائه المأزومين، لولاه ما كانت ثقافة بالعراق، ولا كرامة ولا حُرية، أسقط لهم النِّظام السَّابق، حررهم مِن الأميركان، وهو الذي يُطارد الفاسدين، ويحفظ هيبة الدَّولة!

نقرأ لأحد دعاته تحت عنوان «الدعوة وحزبها الخالد النافع الكريم»: الدعوة خالدة خلود الإنسان في عالم الدنيا... الدعوة هي الإسلام بحد ذاته، الذي هو دين الله تعالى الخاتم الخالد، فالدعوة رسالة إلهية زكية هادية منقذة من الكفر والجاهلية، والضلال والإلحاد... والدعوة هي عقيدة التوحيد الإلهي الرسالي، ودستورها القرآن الكريم الحكيم، وشريعتها نازلة من السماء... وأهم من يقول إن حزب الدعوة - رسالة إسلام وعقيدة توحيد - فشل وولى واندثر وانطمر بلا رجعة لأن الله تعالى حافظه ومريده ومرتضيه»(الموقع الرسمي للحزب وفضائيته آفاق).

سطور موغلة بالغرور، تصوروا أن الله حافظ للحزب كحفظه للقرآن! وعندما ينشر الحزب هذا المقال في صحافته مؤمناً بما ورد فيه. لكن الانشقاقات الكثيرة، والعراك في أيام المعارضة على مغانم كعقار حسينية مثلاً، والأربعة عشر عاماً من السُّلطة تكشف الافتراء في ادعاء القدسية والحفظ الإلهي. رُفع خلالها الفساد إلى أعلى المستويات، تحول به أصحاب الحِرف البسيطة إلى أصحاب ثروات، واغتيل مَن اعترض على أحوال العراق في ولاية أمينه الثانية. نصب الحزب له خطيباً يبث التكفير على اليسار واليمين ويُجيد الكذب.

تدرب كادر «الدعوة» اليوم في معسكرات «سرايا الدفاع» السورية، وكان وقعها على السوريين كوقع أي ميليشيا عابثة. كتب متدرب فيها رسالة بعد فقد منصبه: «المجاهد الذي حمل السلاح منذ الدورة العسكرية الأولى، التي أقامها حزب «الدعوة» في جبال الزبداني، على يد ضباط سرايا الدفاع السورية عام 1980» (17/12/ 2012). نتج هذا التَّدريب عن تورط في المعارضة باغتيالات وعمليات تفجير خلال الحرب العراقية الإيرانية، تنفيذاً لأوامر الجارة الإسلامية.

أول سؤال يوجه للقادة الدعاة ورفاقهم، ماذا كنتم عليه قبل(2003)، وماذا أصبحتم بعدها؟! كم فضائية قضمتم أموالها مِن المال العام، وكم عقار سيطرتم عليه، بحجة الشِّراء؟! هل كان الفساد في ظل سلطة «الدعوة» يتناسب أن يُقرن وجود هذا الحزب بوجود الدعوة الإسلامية الأولى، وسواها جاهلية وكفر، تلك العبارة التي تعلموها مِن كتب سيد قطب(أعدم 1966).

يحاول الحزب بقيادته الحالية أن يعتبر نفسه ذلك الذي تأسس(1959)، وكان أولئك الناشطون فيه، لو عادوا إلى الحياة، وشاهدوا كيف تبدلت الأحوال، لتأسفوا على المخاطر التي ركبوها، كي يصبح فلان بطلاً وثرياً بأسمائهم، وهو المختبئ بالمنطقة الخضراء، التي حصنها له الأميركان، ولولاهم ما وطأ «دعوي» ولا غيره أرضها.

حاول «الدَّعوة» رصد كل الأفعال النِّضالية له، فقد جعل من حادثة «خان النص» (1977) مجداً له، بينما الحقيقة كانت حركة عارضة، لا قيادة لها ولا محرك، القصة أن مسؤول تنظيمات الفرات الأوسط للبعث حسن العامري، حاول تفريق الماشين في زيارة الأربعين، وعبث بقدور الطعام، فتصاعد صوت الاعتراض، وليس للحزب ولا أي فيصل إسلامي فضل فيها، لكن قسوة النظام حولت الحدث إلى ما ادعاه «الدعوة»، حسب ما أفاد به تايه عبد الكريم (قناة البغدادية، برنامج للتاريخ، تقديم: حميد عبد الله)، وسمعت ذلك من شاهد عيان اعتقل لشهرين ببغداد حينها، وهو أحد المجتهدين اللبنانيين.

يصر«الدَّعوة» على الكذب في تاريخ تأسيسه، كي لا يكون ردَّة فعل لفورة اليسار العراقي(1959)، وضع له عام تأسيس مختلق(1957) وفي المولد النَّبوي (في مغالطة الدعوة في تاريخ تأسيسه راجع شهادات الأوائل: طالب الرفاعي، ومهدي الحكيم، وعبد الهادي الفضلي، ومحمد رضا الآصفي). أما أكبر كذبة كذبتها قيادة الحزب هو تبنيها محاولة اغتيال عدي صدام حسين(1996)، ولما سألتُ أحد القياديين حينها، أجاب:«لتشجيع الرُّوح الجهادية»!

أقول: أي إسلام صار قريناً لحزب الدّعوة؟ وبأي حقّ يصبح الحزب ممثلاً للنبي وآل بيته؟! وإذا كان الحزب «رسالة إلهية زكية هادية منقذة» حسب المنشور على موقعه، فعلى الرِّسالة السلام. حزب أمضى نصفه الأكبر في المعارضة ذيلاً للولي الفقيه وحتى الآن، سرى أمينه العام ليلاً إلى طهران، عندما قصدته تظاهرات الاحتجاج على الفساد، وأخذ وعداً بالحماية! أهذه هي الرسالة، كي يصبح فيها الراد على الدَّعوة راداً على الإسلام؟! أجد عند الجواهري(ت1997) ما يُعبر عن الحال:«تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ/ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات/وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها/إلى غرضٍ يقضُونه وأداة»(الرجعيون 1926). فأي صاحب منصب وقيادي دعوي لم تحف به شبه فساد إداري ومالي واستفادة من بذخ الحزب بأموال الدولة. هذا، ومَن كان تقياً مِن الحزب غلق بابه مبكراً بوجه الشبهات، صوناً لذمته.

نُشر في الاتحاد الإماراتية