سينما متنقلة تدخل الابتسامة على أطفال القرى الكردية المنكوبة

مخرج كردي يهدف عبر أفلام متنوعة إلى زرع ثقافة الفن السابع المفقودة في شمال شرق سوريا، حيث هرع الكبار والصغار لمشاهدة أفلام لأول مرة.
أفلام كوميدية تنسي القرى الكردية ألم الحرب
شاشات متنقلة تعوض غياب دور السينما ومراكز الترفيه

دمشق - أمام شاشة عرض مثبّتة على جدار يغرق فتيان وفتيات في نوبات من الضحك وهم يتابعون فيلماً بالأبيض والأسود لتشارلي تشابلن، في إطار مشروع سينما متنقلة في شمال شرق سوريا هدفه تعريف الجيل الناشئ على الفن السابع.

ويجول المخرج الكردي شيرو هندي من قرية إلى أخرى في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، حيث يحمل وفريقه معداتهم وهي عبارة عن جهاز عرض وشاشة وحاسوب ومكبرات صوت ويختارون مكان العرض ثم يحددون موعد استقبال الأهالي خصوصاً الأطفال منهم.

وينتظر الأطفال من فتيان وفتيات بحماسة في باحة مدرسة قرية سنجق سعدون، بدء عرض الفيلم الذي يروي قصة متسول ينقذ حياة طفل.

ويأخذ كل منهم مكانه على الكراسي البلاستيكية الملونة التي سرعان ما امتلأت وينهمكون في أحاديث جانبية أو يتبادلون الضحكات مع المخرج، قبل أن يطل عليهم تشارلي تشابلن في فيلمه الصامت 'الطفل' الذي أخرجه وأنتجه في العام 1921.

وقبل دقائق من بدء العرض لم يجد بعض الحاضرين كرسياً للجلوس عليه فاختاروا المشاهدة وقوفاً.

ولا يحيد الأطفال نظرهم عن الشاشة، حيث تتعالى قهقهاتهم بشكل متكرر بين مشهد وآخر لا سيما لدى محاولة بطل الفيلم أن يمسح أنف طفل يشاركه التمثيل بعد احتسائه الحليب من إناء مخصص لري المزروعات.

ويتنقل شيرو (39 عاماً) بين الأطفال بينما ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه ويراقبهم من بعيد فرحاً بتفاعلهم مع فيلم قديم بهذا الشكل.

ويقول "عرضنا أفلاماً في مدن عدة سابقاً، لذلك رأينا أن يكون لأطفال القرى أيضاً نصيب من مشاهدتها".

واختار شيرو أن يبادر إلى تنفيذ مشروع السينما المتنقلة، نظراً لصعوبة إيجاد مراكز ثقافية أو صالات عرض وبسبب إصراره على ألا يُحرم أحد من مشاهدة السينما.

ويوضح "هدفنا خلال عام ألا يبقى طفل في روجافا (أي غرب كردستان) لم يشاهد فيلماً سينمائياً ونحن نعرضها لزرع ثقافة مشاهدة الأفلام لديهم".

واختار فريق المشروع فيلم تشابلن لتعريف الأطفال على "السينما العالمية منذ تكوينها ولزرع معرفة السينما في وعيهم".

وتعرض السينما المتنقلة أفلاماً متنوعة أميركية وفرنسية وبينها رسوم متحركة بعد دبلجتها إلى اللغة الكردية.

ولم تكن السينما يوماً مصدر اهتمام كبير في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال شرق سوريا، ولم تكن دور السينما الموجودة والمحدودة العدد أساساً تقدم سوى أفلام غير معروفة منها الهندية والإباحية، قبل أن تغلق أبوابها لاحقاً لانعدام الاهتمام بها.

وما من دور سينما حالياً في المناطق الكردية بعدما تحولت معظمها إلى قاعات أعراس وحفلات.

ولا تزال ذاكرة أهالي المنطقة خصوصاً الأكراد مطبوعة بحادثة سينما عامودا في العام 1960، حين اندلع حريق ضخم أثناء اكتظاظ السينما بمئات التلاميذ ما أسفر عن وفاة أكثر من 280 طفلاً.

وقال شيرو الذي أخرج قبل سنوات فيلماً كردياً بعنوان 'قصص المدن المنكوبة' يستعيد ما تعرضت له بعض المدن ذات الغالبية الكردية نتيجة المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية بينها كوباني، إن "السينما في طفولتي كانت ذاك المكان المظلم".

ويضيف "لكن بعدما تعرفت إليها أردت أن استبدل الظلام بالألوان وأريد زرع ثقافة السينما في القرى بعيداً عن ذكريات احتراق سينما عامودا العالقة في ذاكرة الشعب الكردي".

وأعاد شيرو وفريقه الكرّة في قرية شاغر بازار في ريف مدينة عامودا، ولكن هذه المرة بعرض الفيلم الأميركي 'سبيريت حصان من سيمارون' وهو فيلم رسوم متحركة صدر في العام 2002 ويروي قصة حصان خلال الحرب الأميركية في القرن التاسع عشر.

ويتسابق الأطفال للوصول إلى ساحة المدرسة ويسارعون للجلوس في الصفوف الأمامية.

ورافقت أمل إبراهيم طفلتها أيلين (ست سنوات) وطفلها كادار (سبع سنوات) إلى العرض. وتقول "أريد أن يتعرف الأطفال على السينما".

وتضيف "انتظر ولداي بفارغ الصبر للمجيء إلى هنا، فهما لم يشاهدا السينما أبداً من قبل".

وقرر بعض رجال القرية أيضاً حضور العرض رغم أن الفيلم عبارة عن رسوم متحركة، إذ إن بينهم من لم يذهب إلى السينما منذ عقود.

وتقف مجموعة منهم جانباً يتبادلون الأحاديث والذكريات عن دور السينما التي كانوا يرتادونها في الماضي.

ويقول عدنان جولي (56 عاماً) الذي أتى برفقة طفليه إنه "قبل أربعين عاماً كنت أذهب إلى سينما عامودا وأشاهد الأفلام من الخارج عبر النوافذ".

ويضيف "كان شعور جميل يتملكني حين تنطفئ الأضواء ويبدأ الفيلم وها هم أطفالي اليوم يشاهدون السينما ويعيدون لي ذكرياتي".

ولا تقتصر أحلام شيرو وفريقه على مشروع السينما المتنقلة والمؤقتة هذه، فهم يطمحون إلى إنشاء دور سينما دائمة في شمال شرق سوريا، إلا أن هذه المهمة ليست سهلة.

ويقول شيرو "الأمر رهن بانتهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد".