أقصى ما يمكن تحقيقه في ظل أردوغان

تفاقم الأزمات

يبدو السباق الانتخابي التركي مفعما بالإثارة والتشويق، لا سيما لهؤلاء الذين يشاهدونه من المدرجات. لكن بعدما يفوز المرشح الأكثر حظا الرئيس رجب طيب أردوغان وحصوله على صلاحيات رئاسية مطلقة، ما هو أفضل مسار ينبغي أن يتبعه لتوفير الأمن والرخاء للشعب التركي؟

بالطبع، ينبغي أن تكون الأولوية القصوى للرئيس الجديد، أو القديم في حالة أردوغان، هي تهدئة التوترات الاجتماعية. وعلى الرغم من أنها ليست بالمهمة البسيطة، يبدو من الواضح على الأقل أين يمكن أن يبدأ في هذا الاتجاه. وإذا أراد فعلا التفكير في خطوة أولى مثالية، فمن الممكن أن يلجأ إلى إنشاء لجان يكون من اختصاصها إطلاق سراح أنصار جماعة فتح الله غولن، الذين لا ناقة لهم ولا جمل بمحاولة الانقلاب الفاشلة، والعمل على إعادة تأهيلهم في حال أبدوا استعدادهم للتبرؤ من العمليات القذرة وغموض بنية التنظيم السري وأهدافه، وهو ما من شأنه أن يقلص بشكل كبير من حجم المعاناة التي لا داعي لها في ظل حالة الطوارئ القائمة. وإذا ما تم توسيع نطاق هذا الإجراء ليشمل المشتبه بهم الآخرين في قضايا الإرهاب التي لا تنطوي على أحداث عنف، فقد يساهم هذا أيضا في التقليل من التوترات العرقية.

وعلى الرغم من أن هذا ليس من عادته، ينبغي على أردوغان أن يتعلم كيف يستخدم سلطاته الواسعة والمركزية بشكل رصين ومتوازن. بمعنى آخر، عليه أن يتوقف عن ممارسة السلطة بالشكل الذي يمارسه حاليا، فهو لم يكتف بالتدخل في تعيينات رؤساء الجامعات، وهي سلطة رئاسية تعود في الأصل إلى المجلس العسكري الذي تولى الحكم عام 1980، بل وأقحم نفسه طرفا في النزاعات الجامعية بين اليساريين والقوميين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، وغيرها الكثير والكثير من أمثلة تدخله في الإدارة التفصيلية في كل مجال من مجالات الحياة السياسية.

كما أن تخفيف القيود المفروضة على أساليب حياة بعينها قد يساعد على تهدئة مخاوف بعض الجماعات التي تشعر بأنها منبوذة في الفترة الأخيرة، ومن بينها مثلا الخضوع لطلب بعض تجار الخمور بالسماح لهم ببيع المشروبات الروحية حتى منتصف الليل. لكن بالإضافة إلى الجزء العلماني من المجتمع، هناك شرائح أخرى يجب على أردوغان أن يعيد بناء جسور التواصل معها. وحقيقة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يعد مهتما، حتى بالتظاهر بمواصلة حوار هادف مع الجماعات العلوية المحافظة على سبيل المثال، تعني بكل بساطة أن هؤلاء الأشخاص لم يعد لديهم أي مصلحة في بقاء النظام أو الحكومة. كما أن الوضع الأكثر إيلاما الذي يتمثل في التخلي عن الأكراد في الشمال الشرقي سيستمر في نكء جراح تركيا حتى يقتنع الحكام في أنقرة بضرورة فتح حوار مع ممثليهم المنتخبين لحل هذا الصراع.

من الناحية الاقتصادية، يمكن للمرء أن يتخيل أن النظام الاستبدادي في تركيا يسير على خطا الأنظمة المستبدة، التي وضعت أساس ما يسمى بنمور شرق آسيا، كما أن توجه أردوغان لتفضيل المشاريع الضخمة وتصاميم الصروح الهندسية العملاقة، يشير بالطبع إلى أنه قد يدفع في اتجاه إرساء فكرة "الأبطال المحليين" في تركيا (الأبطال المحليون هي فكرة اقتصادية تقوم على تشجيع الدولة لشركات محلية لتحقيق نجاح عالمي في مجالات بعينها).

كما ينبغي أن يشكل احتكار مصادر الدخل من قبل المقربين للحكومة موضع قلق لمن يفكرون في هذا الاتجاه، فحتى لو كان أردوغان يعتزم إرساء أسس لمجتمع يكون فيه مؤيدوه جل المستفيدين سياسيا، عليه أن يحرص على عدم استعداء المخالفين له في المجال الاقتصادي، وكما كتب دارون أجيموغلو وجيمس روبنسون في كتابهما الشهير "لماذا تفشل الأمم؟" عام 2012: "تفشل الأمم اليوم لأن مؤسساتها الاقتصادية الاستخراجية لا تخلق الحوافز اللازمة للناس للادخار والاستثمار والابداع. فيما تدعم المؤسسات السياسية الاستخراجية هذه المؤسسات الاقتصادية من خلال ترسيخ صلاحيات أولئك الذين يستفيدون من عمليات الاستخراج تلك."

هناك العديد من المطبات المحتملة التي ستكون في انتظار أي حكومة تنبثق من انتخابات 24 يونيو، بيد أن أردوغان يبدو أكثر عرضة بشكل خاص للتعثر فيها. ففي نهاية الأمر، هو يمثل مشروعا ثوريا يهدف إلى أن يستبدل النظام القديم بنظام جديد تماما. ولكن نجاح جماعة واحدة في الهيمنة على مفاصل الدولة على حساب الآخرين جميعهم يزيد من خطر تفاقم أزمة هجرة الكفاءات وجعل المجتمع أكثر استقطابا. وبينما لن يكون من السهل أبدا حل هذه المعضلة، يمكن أن تساهم الحكومة في تهدئة مخاوف المجموعات المختلفة عنها من الناس عن طريق تخفيف حدة إجراءاتها وانتهاج مبادرات إيجابية رمزية، سواء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما من شأنه بكل تأكيد أن يكون بالنسبة لهم خطوة أولى في الاتجاه الصحيح.

تم لوبل

ملخص منشور أحوال تركية