هزيمة الإسلاميين في الرئاسة تثبت نجاح السبسي في تذويب النهضة
تونس - مع تواصل فرز الأصوات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة تتجه النتائج الأولية الى إقرار ما ذهبت اليه نتائج استطلاعات الراي والتي تضع كلا من المرشح المستقل قيس سعيد والمرشح ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي في المقدمة وبالتالي مرورها الى الدور الثاني.
ولحق بمرشح حركة النهضة الإسلامية عبدالفتاح مورو هزيمة غير متوقعة حيث جاء في المرتبة الثالثة.
واظهرت نتائج رسمية الاثنين إثر فرز 27% من الأصوات تقدم كل من قّس سعيِّد ونبيل القروي للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية.
ونشرت الهيئة العليا للانتخابات على موقعها الرسمي جدول ترتيب يظهر ان ان أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد حلّ في المرتبة الأولى بنسبة 19% يليه قطب الاعلام الموقوف نبيل القروي مع 14,9% ثم ثالثاً مرشح حزب "النهضة" الاسلامي عبد الفتاح مورو مع 13,1%.
واستنادًا إلى مؤسّستَي "سيغما كونساي" و"ايمرود" لاستطلاعات الرأي، حلّ سعيّد أوّلاً بـ19 في المئة من الأصوات، يليه القروي بـ15 في المئة.
والقروي (56 عاماً) هو مؤسّس قناة "نسمة"، وقد ترشّح للانتخابات الرئاسيّة بعد تأسيسه حزب "قلب تونس". ومن خلال سَعيه إلى توزيع إعانات وزيارته المناطق الداخليّة من البلاد، بنى المرشّح ورجل الإعلام مكانةً سرعان ما تدعّمت وأصبح يتمتّع بقاعدة انتخابيّة لافتة.
وقرّر القضاء التونسي توقيفه قبل عشرة أيّام من انطلاق الحملة الانتخابيّة على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبييض أموال وتهرّب ضريبي، إثر شكوى رفعتها ضدّه منظّمة "أنا يقظ" غير الحكوميّة في العام 2017.
عندها، قرّر القروي الدّخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولّت زوجته سلوى سماوي وعدد من قيادات حزبه "قلب تونس" مواصلة حملاته.
ومن شأن هذا الواقع الجديد، إذا ما أكّدته الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، أن يزيح طبقة سياسيّة موجودة منذ ثورة 2011 وأن يضع البلاد في حالة من عدم اليقين. وتُعلن الهيئة النتائج الأوّلية الثلاثاء.
ويُلقّب أستاذ القانون الدستوري سعيّد بـ"الروبوكوب (الرجل الآلي)" ويتحدّث باسترسال حرصاً منه على أن تكون حملته معتمدةً على التواصل المباشر مع الناخبين، وقد استطاع الانتقال إلى الدورة الثانية متصدّراً نتائج استطلاعين للرأي.
واللغة العربيّة لا تُفارق سعيّد. يستضيفه الإعلام التونسي كلّ ما كان هناك سجال دستوري في البلاد، ليُقدّم القراءات ويوضح مَواطن الغموض من الجانب القانوني.
وظهر سعيّد (61 عاماً) الأب لثلاثة أبناء في عمليّات سبر الآراء في الربيع الفائت، وتحصّل على ترتيب متقدّم فيها، وبدأ يلفت الانتباه إليه تدريجيّاً.
لكن النتائج لم تعجب حركة النهضة التي رفضت الاعتراف بما نشرته استطلاعات الرأي بعد التصويت داعية الى انتظار النتائج النهائية للهيئة المستقلة للانتخابات".
وقال سمير ديلو، الناطق الرسمي باسم حملة عبدالفتاح مورو في مؤتمر صحافي ليل الأحد "الجهة الوحيدة المخوّل لها تقديم النتائج هي الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات".
ويبدو ان حركة النهضة غير مستعدة لقبول حقيقة خسارة مرشحها وبالتالي فشل خطابها في استقطاب التونسيين الذين يريدون تحسين اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية بعيدا عن الأفكار المتطرفة والحديث الدائم عن الهوية الإسلامية ومفردات "الاسلام في خطر" و"الإسلام هو الحل" التي دائما ما يلجأ اليها الإسلاميون في حال الفشل في تحقيق برنامج قادر على انتشال البلاد من الفقر.
لكن نتائج الانتخابات تثبت في المقابل نجاح خطة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في تذويب حركة النهضة وذلك عبر احتوائها وجعلها مستهلكة في الحكم واظهارها بانها غير قادرة على تقديم الجديد.
وكان المرشح الرئاسي المنسحب سليم الرياحي اكد في لقاء تلفزي في قناة الحوار التونسي قبل الانتخابات باسبوع ان الرئيس الراحل اختار ضم الحركة الى حكومة يقودها حزبه بعد انتخابات 2014 وذلك لغاية إضعافها حتى يسهل فيما بعد إخراجها من السلطة وهو ما يحصل اليوم.
والاسلاميون الذين اخرجوا من الحكم في عدد من الدول العربية بطرق مختلفة اختار التونسيون اخراجها من السلطة عبر الصناديق في انتظار ان يتاكد ذلك في الانتخابات التشريعية.
ويبدو ان خطة الرئيس الراحل نجحت نجاحا باهرا فلا النهضة ولا حلفاؤها كالرئيس السابق المنصف المرزوقي او رئيس الحكومة الاسبق والقيادي السابق في حركة النهضة حمادي الجبالي تمكنوا من كسب ثقة التونسيين حيث الحقت بهم هزيمة ساحقة.
واعترف المرزوقي في تدوينة بصفحته الرسمية على الفايسبوك الأحد بخسارته في الانتخابات قائلا "بأنه يتحمل المسؤولية عن تلك الخسارة".
لكن الهزيمة منيت بها ايضا المنظومة القديمة وجزء منها تحالف مع حركة النهضة للبقاء في السلطة.
واعتبر رئيس الحكومة الذي حلّ بعيدًا في نتائج الاستطلاعات (بين الترتيب السابع والثامن) أنّ نسبة العزوف المسجّلة "رسالة وجب التقاطها".
وأعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة الأحد بلغت 45,02% وقد دُعي إليها أكثر من سبعة ملايين ناخب.
وقال رئيس الهيئة نبيل بفون في مؤتمر صحافي إنّ "النسبة مقبولة وكنّا نأمل أن تكون أكبر".
ويرى الباحث السياسي حمزة المدب أنّ هذا يُشكّل إشارةً إلى "استياء عميق ضدّ طبقة سياسيّة لم تحقّق المطالب الاقتصادية والاجتماعية".
وطرح الصراع الانتخابي في 2019 معادلةً جديدة تقوم على معطى جديد إثر ظهور مرشّحين مناهضين للنظام الحالي، ما أفرز وجوهاً جديدة استفادت من التجاذبات السياسيّة، على غرار سعيّد.
ولم تتمكّن تونس منذ الثورة من تحقيق نقلة اقتصاديّة تُوازي ما تحقّق سياسيّاً. فملفّ الأزمات الاقتصاديّة لا يزال يمثّل مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة، وبخاصّة في ما يتعلّق بنسب التضخّم والبطالة التي دفعت شباباً كثيرين إلى النفور من السياسة.
وبلغ تأزُّم الوضع الاقتصادي ذروته خلال حكومة الشاهد، الأطول بقاءً مقارنة بسابقاتها، ما دفع التونسيّين إلى الاحتجاج بشكل متواصل طيلة السنوات الأخيرة، مطالبين بمراجعة السياسيات الاقتصاديّة وتحسين القدرة الشرائيّة التي تدهورت. في الوقت نفسه، لوحظ تحسّن في الوضع الأمني.
وأدّى الفراغ الذي تركته السُلطة في مسألة معالجة الأزمات الاجتماعيّة، إلى ظهور مَن يطرح البديل والحلول ويعتمد في ذلك على الاقتراب أكثر من الطبقات المهمّشة.
وتنافس 26 مرشّحًا في الانتخابات الرئاسية الأحد وأمّنَها نحو 70 ألف رجل أمن، ولم يُعلن عن أيّ خلل أثّر على المسار الانتخابي.