"ألق" جائزة توفيق بكار للرواية العربية" في أولى دوراتها 

"روح في حجر" للكاتبة العراقية زهراء طالب حسن تفوز بالجائزة الأولى لما تتميّز به من طرافة وعمق تشويق وقدرة على نحت الشخصيات وتطويرها.
العمل على ضمان استمرارية هذه الجائزة والسعي إلى تطويرها من دورة إلى أخرى
دعوة هيئة الجائزة إلى فتح باب الترشح إلى الدورة القادمة منذ وقت مبكر وفسح مجال زمني أوسع أمام المترشحين.

بقلم: مصطفى عبدالله

أتابع باهتمام بالغ هذه الجائزة الأحدث للرواية التي أسسها وتولى مسؤولية أمانتها العامة المثقف والباحث التونسي فتحي بن معمر، رئيس جمعية ألق الثقافية، الذي تعرفت إليه في العام الفائت في جزيرة جربة التونسية في إحدى احتفالاتها الثقافية الكبرى، وقد أوضح لي أنه تم الاستقرار على أن تحمل هذه الجائزة التونسية الوليدة اسم "جائزة توفيق بكار للرواية العربية"، وأن "جمعية ألق الثقافية" هي التي ستمنحها وتشرف على تنظيمها بالاشتراك مع دار "مكتبة تونس للنشر". 
كانت دورة سنة 2018 هي الدورة الأولى التأسيسية لها. وتكوّنت لجنة التحكيم المكلّفة بالنظر في الأعمال المترشحة لنيلها برئاسة الروائي والناقد والأستاذ الجامعي الدكتور محمد آيت ميهوب، وعضوية كل من: الناقد والأستاذ الجامعي محمد الخبو، والناقدة والأستاذة الجامعية الدكتورة جليلة الطريطر.
وقد اجتمعت هذه اللجنة اجتماعًا أوّل في الأربعاء 4 يوليو/ تموز 2018 وفيه اطلعت على نص الإعلان للتقدم لنيل الجائزة وما تضمّنه من شروط ومعايير، وتسلّمت الأعمال المترشّحة البالغ عددها 64 مشاركة وقد وصلتها جميعها في شكل مخطوط لا يحمل اسم مؤلفه وفق ما نصت عليه شروط الجائزة المعلن عنها.

وتم التوافق مع الهيئة المديرة للجائزة على أن تنتخب لجنة التحكيم من الأعمال المقدمة خمس روايات يتم نشرها جميعًا، وتسند إلى الثلاثة الأول منها جوائز مالية على نحو تفاضلي، على أن تكافأ الروايتان: الرابعة والخامسة بالنشر فقط. 
بعد ذلك حدّد أعضاء اللجنة ما يمكن اعتماده من مقاييس فنية وأدبية ومضمونيّة يمكن الاستناد إليها في تقويم النصوص والمفاضلة بينها ومنها: (توفر الطرافة والسعي إلى التجديد، توفر الثقافة الروائية، إحكام البناء الروائي، التشويق، نمو الشخصيات، حسن توظيف أساليب القص، توفر الوظيفة الجمالية، تميز الرؤية إلى الواقع والعالم، القدرة على المواءمة بين الفنّ والموقف الفكري أو السياسي، الابتعاد عن الخطاب الإيديولوجي والتعليمي المباشر، وضوح النزعة الحوارية في النص في مختلف أبعادها...). 
وعقدت اللجنة اجتماعًا ثانيًا بتاريخ الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، وخلاله تداول أعضاء اللجنة النظر والتمحيص في الأعمال المترشحة نصًا نصًا، وتمّ تحليل كل عمل على حدة واستعراض ما اتسم به من مميّزات وهنات. وإثر النقاش اتفق على الاحتفاظ بثماني روايات أجمع أعضاء اللجنة على ما تتميّز به من قيمة فنيّة ومضمونيّة تؤهّلها لأن تمثّل الرصيد النهائي الذي سيتمّ ضمنه انتخاب النصوص الفائزة. وهذه الروايات هي: روح من حجر، وأبناء النار، وفصول من دم فلسطيني، ومدن ولا سراويل، والجنون، والأبيض والأسود، وآخر الموريسكيات، ونوستالجيا. 
وقد اجتمعت اللجنة من جديد في الأربعاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 لاستعراض تقييم كل عضو للنصوص الثمانية المنتخبة. وبعد التداول والنقاش المستفيضين تمّ الإجماع على اصطفاء خمسة نصوص رأتها اللجنة جديرة بالتتويج. 
وقد سجّلت اللجنة الملاحظات الآتية:
-    تعبّيرها عن شكرها الجزيل لهيئة الجائزة على هذه المبادرة الأدبية الطيبة، ومباركتها تسمية الجائزة باسم الأستاذ الراحل توفيق بكار الذي يعدّ أبرز النقاد التونسيين في القرن العشرين، وأحد أهم من خدموا الرواية العربية تعريفًا ونقدًا وتدريسًا.
-     أعربت عن ارتياحها للإقبال المكثّف على المشاركة في المسابقة، وهو إقبال تجاوز بكثير آمال هيئة الجائزة ولجنة التحكيم على حدّ سواء، لاسيما وأنّ الجائزة وليد جديد وما زالت في طور التأسيس.
-    ثمّنت الحضور العربي المهم، إذ توزعت النصوص المشاركة بين المشرق والمغرب العربيين، ووردت أعمال من دول عربية مختلفة هي: تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، وسوريا، والعراق، والأردن، واليمن، وسلطنة عمان. وقد أسهم ذلك في تجذير الجائزة منذ بواكيرها الأولى في محيطها العربي، وجعل عوالم النصوص المترشحة متنوعة ثرية تتضافر في تقديم صورة بانورامية عن المجتمعات العربية المثقلة بأحمال الراهن ومآسيه الدامية.
-    لاحظت اللجنة اهتمام الكتّاب المشاركين بالواقع العربي ومعالجة قضاياه الاجتماعية والحضارية والسياسية الراهنة. وقد رأت اللجنة في ذلك سمة إيجابية ما لم يضرّ برواسم الكتابة الروائيّة الفنية والجماليّة.
-    ثمّنت اللجنة أيضًا نزوع بعض المبدعين إلى التجريب من جهة الاعتناء بالحوارات والأصوات السرديّة والتركيب، وتعدّ ذلك أمرًا إيجابيًّا لاسيما إذا كان مصوغُا بعبارة عربيّة فصيحة ذات طاقة أدبية عالية.
-    مقابل ذلك سجلت اللجنة عدم حرص كثير من المشاركين على تجويد لغة نصوصهم وتنقيتها مما شابها من أخطاء متنوّعة متكرّرة، وتشير في هذا السياق إلى أنّ الأخطاء اللغوية قد شملت عددًا كبيرًا من الأعمال المشاركة.
- تلاحظ أنّ عددًا كبيرًا من المشاركين لا يهتمّ كثيرًا بالاطلاع على التجارب الحديثة في الكتابة القصصيّة في الأدب العربي أو الأدب الغربي.
-    سجلت سقوط كثير من الأعمال في الخطاب الإيديولوجي والتعليمي المباشر، مما ذهب بمزايا كثيرة توفرت في هذه النصوص من قبيل: سلامة اللغة، وأهمية الموضوع، وطول النفس السردي.
-    أوصت اللجنة الكتّاب بـضرورة تعهّد سلامة لغة نصوصهم نحوًا وصرفًا وتركيبًا ورسمًا.

-    أهابت بهم أن يجعلوا حديث تجاربهم موصولًا بجديد التجارب في الكتابة، وحثتهم على الانفتاح على الفنون الأخرى من رسم وسينما ومسرح، ولا يتسنّى ذلك إلا بالخروج عن نمطيّة الكتابة الروائيّة والاقتصار على شكل سرديّ واحد.
وبناء على ما أبدته اللجنة في بيانها الذي قام بتلاوته الدكتور محمد آيت ميهوب من ملاحظات، أعلنت النتائج الآتية:
الجائزة الأولى لرواية: "روح في حجر" للكاتبة العراقية زهراء طالب حسن لما تتميّز به من طرافة وعمق تشويق وقدرة على نحت الشخصيات وتطويرها تطويرًا ناميًا يتماشى ونموّ الأحداث، ولمتانة بنائها السردي وطرافة خاتمتها وسلامة لغتها. ومما يثمّن في هذه الرواية أيضًا أبعادها الإنسانية النبيلة، وكشفها المأساة التي تعرض لها جزء من الشعب العراقي حين استولى الإرهابيون على مدنه وبيوته، وقتلوا رجاله وسبوا بناته.
الجائزة الثانية لرواية "الأبيض والأسود" للروائي المغربي عبدالباسط زخنيني لحبكتها المتينة وبنائها السردي المحكم السبك ومزجها بين الخيال والواقع، وسعي صاحبها إلى التجديد في القوالب السردية المعهودة وتمتين الصلة بين الرواية والفلسفة. وتثمّن اللجنة في هذا العمل لغته الممتازة التي جمعت بين الفصاحة والمتانة من جهة، والسلاسة والإيحاء والشاعرية، من جهة ثانية.
 وقد ميّز هذه الرواية أيضًا توظيفها الخيال لطرح قضايا إنسانيّة مهمّة نذكر منها صعوبة التواصل الروحي بين البشر، واتصال الحياة الإنسانية بالكذب حتى لكأنها مسرحية هزلية، ومحاصرة التشيّؤ للبشر، وضبابية الحدود بين الجريمة والبراءة. 
الجائزة الثالثة لرواية "الجنون" للروائي التونسي منوبي زيود لتميّزها بلغة أدبية جزلة ونضجها الفني، ومزجها بين الواقع والعجائبي، ولنجاح صاحبها في نسج ضفائر عالم روائي مثير يعمّه الجنون ويغدو صاحل العقل فيه غريبًا. 
الجائزة الرابعة لرواية "نوستالجيا" للروائي محمد طرزي من لبنان لطرافة بنائها السردي القائم على أسلوب اليوميات، ولمزجها بين الوصف والاستذكار، ولسلامة لغتها وشاعريتها، ولنقلها صورًا حية موحية من الحياة اللبنانية زمن الحرب الأهلية.
الجائزة الخامسة لرواية "مدن ولا سراويل"للروائية كلثوم عكايشية من تونس، لعمق الجانب التجريبي فيها، وحسن توظيفها تقنية التضمين الانعكاسي، ولطول نفسها السردي، وتقديمها صور حية عميقة عن نماذج اجتماعية تونسية تنتمي إلى فئات وبيئات متنوعة. 
وقد حرصت اللجنة على أن تنوّه ببعض المشاركات التي توفّرت على مستوى جيّد في الكتابة وعمق في المضامين، لكنّ شدة المنافسة حرمها الحصول على جائزة. وأبرزها الروايات الآتية: آخر الموريسكيات، أبناء النار، تلك الأرض البعيدة، أمس وإلى الأبد، جواز سفر، غدا يعود الصهيل، حجران لعصفور واحد، فصول من دم أندلسي.
وأوصت لجنة التحكيم بما يلي:
-    العمل على ضمان استمرارية هذه الجائزة والسعي إلى تطويرها من دورة إلى أخرى.
-    دعوة هيئة الجائزة إلى فتح باب الترشح إلى الدورة القادمة منذ وقت مبكر وفسح مجال زمني أوسع أمام المترشحين.
-    الترفيع في قيمة الجائزة المالية والمواصلة في نشر الروايات المتوّجة.
-    الحرص على إقامة شراكة مع بعض المؤسسات المالية المهتمة بالشأن الثقافي.
-    حثّ وزارة الثقافة التونسية على مزيد الدعم لهذه الجائزة ماديًا وأدبيًا.
بقي أن نذكر أن احتفالية منح الجائزة احتضنتها وزارة الثقافة التونسية وتمت يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري بمدينة الثقافة والعلوم بالعاصمة التونسية وسط حضور لافت.