أماني فؤاد: قيم الحداثة مجرد شعارات لم تحفظ للمرأة حقوقها

كتاب "المرأة ميراث من القهر" يطرح ويناقش عددا مهما من تلك القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها السلبية على وضع المرأة وحقوقها الإنسانية الأساسية.
الخطاب الفقهي الأصولي اتكأ على فهم ظاهري لبعض النصوص من الآيات أو الأحاديث أو التفسيرات التراثية
كان يفترض مع التقدم العلمي والاجتماعي في العصر الحديث، وامتداد أطياف الحداثة واستغراقها بقاعا متعددة في العالم، أن تتغير ذهنية الرجل الشرقي

اتساع دوائر المعاناة التي تعيشها المرأة في المجتمعات العربية وتصاعدها يوما بعد الآخر نتيجة ما تشهده المنطقة العربية من صراعات ونزاعات، يجعل قضيتها وحقوقها محور تساؤلات لا تنتهي للثقافة الإسلامية والعربية ولصورتها في الخطاب الأصولي السلفي والواقع السياسي والإعلامي والكتاب الأدبية.
وهذا الكتاب للكاتبة والناقدة د.أماني فؤاد "المرأة ميراث من القهر" يطرح ويناقش عددا مهما من تلك القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها السلبية على وضع المرأة وحقوقها الإنسانية الأساسية. حيث ترى الكاتبة أنه في ظل تلك الظروف التاريخية الراهنة التي يمتد عليها ويظللها الماضي بميراثه القامع والحاضر الخانع، حيث سيادة الثقافة الذكورية بأنانيتها وتسلطها وانتهازها النفعي، فقدت المرأة الكثير من حريتها ومعاملتها كإنسان كامل الحقوق ومقدر، كما شوش وعيها بكينونتها الإنسانية الحرة وحقوقها وباتت ممزقة الهوية، تعاني فصاما إنسانيا مؤلما بين البحث عن هويتها الفردانية ورغبة المجتمع الذكوري في تذويبها في الهوية الاجتماعية الجمعية.
وأضافت في الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية أن الخطاب الفقهي الأصولي اتكأ على فهم ظاهري لبعض النصوص من الآيات أو الأحاديث أو التفسيرات التراثية التي قدمت لهم ولم يجتهد أتباعه في مواكبة العصر والتطورات التي لحقت بالمرأة والتغيرات النوعية والمعرفية وبنية الشخصية التي استجدت على كيانها نتيجة لتراكم التطورات التي حصلتها بعد التعليم والخروج للحياة العامة وثبوت جدراتها في كثير من مناحي العمل والحياة، كما لم يطوروا من بحوثهم وسعيهم لإدراك العلوم المختلفة ليتعرفوا على المستجدات الحضارية التي أقرتها الفلسفات والعلوم الإنسانية والطبيعية، والقوانين التي أقرتها معظم الحضارات الأرضية للمرأة وحقوقها ومكتسباتها.
وأشارت إلى أنه كان يفترض مع التقدم العلمي والاجتماعي في العصر الحديث، وامتداد أطياف الحداثة واستغراقها بقاعا متعددة في العالم، أن تتغير ذهنية الرجل الشرقي، وتنحرف الثقافة العربية عن مسارها الدوجمائي ونزعها الذكوري، كذلك كان يفترض أن يلغي التمييز بين الرجل والمرأة، وتختفي أشكال العنف والاستغلال والإكراه الواقعة على المرأة، إلا أن ما حدث سواء في الغرب أم في الشرق أظهر بوضوح أن قيم الحداثة أصيبت بهذا الداء الأزلي، وهو الفجوة بين مثالية التنظير وقصور التطبيق.

لا يمكن الوصول لمجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والرفاهية، يستطيع مواكبة العصر علما وفنا وإنتاجا، مع إهدار نصف طاقته، وسقوط النصف الآخر المتبقي في براثن الجمود والتقليد والتسلف الماضوي       

ولفتت فؤاد إلى أن قيم الحداثة مجرد شعارات لم تحفظ للمرأة حقوقها وإنسانيتها ـ وإن كانت المرأة الغربية أفضل حالا بمكان من المرأة الشرقية لاقتناص بعض هذه الحقوق ـ فحتى في الولايات المتحدة الأميركية فإن الاحصائيات تثبت أنه أكثر من مائة ألف امرأة أميركية تبيت في المشافي سنويا بسبب كوارث العنف الأسري، وأن 35% من النساء يعانين من الضرب المبرح والمستمر، وأن هناك ما يقرب من 400 ألف حالة اغتصاب سنويا، فلم تحصل المرأة الغربية في ظلال الحداثة على كل المساواة أو الحماية من العنف الذي يمارس ضدها.
وتناولت فؤاد الواقع السياسي والقانوني وما يمارس ضد المرأة في مصر، كما تطرقت في مباحث كتابها إلى رؤى الإعلام والدراما التليفزيونية والبرامج الحوارية الإعلامية للمرأة، ونوهمت إلى السيطرة الذكورية على الساحة الإعلامية (إعلاميين، وضيوف متحدثين) هذه السيطرة التي ترسم للمرأة قضاياها، وطرق طرحها، وحلول معالجتها، يتم ذلك أحيانا أحيانا دون وجودها، ولو وجدت يكون تمثيلها ضعيفا كما وكيفا. فمن غير جنسها وفي محيط الرجل واستحواذه تناقش قضاياها، هي من يجب أن تكون حاضرة، وصوتها مسموعا ورؤيتها واضحة وممثلة بكثافة في تلك النقاشات.
وأكدت فؤاد أن ثقافة المجتمع الذكوري اعتادت أن تترك للنساء فتات الموائد من العمل السياسي والبرلماني والحزبي، تترك لهن المهمش من الأدوار، ينال الرجل في السياسة الدور الأكبر والبارز من المهمات، الدور الدعائي والاستعراضي التوجهات، ليحظى بالشو الإعلامي وتنطلق حناجرهم بدعوى الرفق بالقوارير، فهم يشفقون على النساء من الإرهاق، أو دعواهم أن النساء لسن مؤهلات لكثير من الأدوار، لانعدام الخبرة أو عدم تراكمها، أو أن المجتمع ذاته غير معد لاستساغة النساء في المواقع القياديةـ 
ولنا عبرة فيما حدث بشأن تعيين القاضيات النساء في مجلس الدولة في مصر، وغيرها من الوظائف في بعض التخصصات الأخرى التي عرضتها سابقا، وكل هذه دعاوي من لا يريد أن يفقد مكتسباته التي يهبها له المجتمع بثقافة طواعية، فبعد أن يعتاد العقل الجمعي على الكائن الذي استقر، يقاوم أية زحزحة تطاله بعنف، فكل تغيير يواجه بالرفض خاصة إذا وجد في الموروث الثقافي المنتسب للدين مقولات من قبيل: "لعن الله قوما ولوا أمرهم لامرأة" وإن كان لهذا الحديث شرط زماني ومكاني وسياق يرتبط بواقعة بعينها، وقوم محددين بذواتهم، ولا يمكن سحبه على سائر الأقوام والوقائع، إلا أن الوعي الجمعي الذكوري ينتقل بهذه المقولة من نسبية الواقعة وخصوصيتها ليعمم دلالتها ونتائجها من أجل مصلحته واستحواذه وهو ما يخالف قواعد أصول الفقه ذاتها.
ورأت فؤاد في تناولها لتجليات الكتابة الأدبية والمرأة، وفي مبحث "المرأة ثورة لم تنجز في أدب نجيب محفوظ.. الحرافيش نموذجا"، قالت: برغم قدرة محفوظ على تطويع الفلسفة ونظرياتها المختلفة والخروج بها من تجريدها وتعاليها إلى دماء وطين الحياة والغوص بها في جوهر الصراع الإنساني والمجتمعي، بل وتغليف يوميات الانسان وأحداثه، أفكاره وصراعاته، بأسئلة الفلسفة الرئيسة في قصة الوجود البشري، في أكثر عناصرها إلحاحا وتكرارا في حياة الإنسان، فإنه لم يخلق شخصيات نسائية ثائرة تعرض لخصوصية تكوين المرأة النفسي والعقلي الذي كان نتيجة للسياق المجتمعي التاريخي التراكمي الذي شكلها. وهو العاشق والدارس للتاريخ البشري بكل مراحله.
وتابعت "وبقدر قدرته على بلورة رؤية لقضية الإيمان عند الإنسان، وركونه إلى مفاهيم صوفية روحانية متسامية، تنشد الاتصال الاندماجي في علاقة حب خاصة، تسعى إلى التوحد بالمطلق الإلهي ومحاصرة الفكر القطعي النصي بمختلف صوره، فإنه جنب المرأة ناردا خوضها هذا الصراع الفكري ولهذه التساؤلات التي تتعلق بقضايا الإيمان، فانحسر دورها في التبعية، ولم يتعرض حتى من خلال نثر الأسئلة إلى ما يطلق عليه البعض الثوابت الدينية والمعتقدات التي تتعلق بالمرأة في تلك الموروثات. 
وبقدر توالي ثورات محفوظ الفنية وتحولاته ومراحله المتتابعة في كتابة النوع الأدبي الرواية والقصة، ومواكبته لكل التطورات والمذاهب والتيارات الفنية التي عبرت عن التغيرات الاجتماعية وانصهر فيها الشكل والمحتوى في أعماله الأدبية الخالدة، فإنه على المستوى الاجتماعي الإنساني لم يقدم للمرأة في المجتمع المصري والعربي ثورة حقيقية تعيد النظر في المفاهيم المجتمعية التي تؤطر المرأة في مواضع تحد من دورها كإنسان كامل الأهلية والطاقات، كامل الحقوق والواجبات بل ساهمت بعض المعالجات الدرامية لنصوصه وخاصة تلك التي تحولت إلى دراما سينمائية ـ وهو ما لا يقع على عاتقه ـ في ترسيخ تصور محدود للمرأة، بل يميل إلى الموقف السلبي في أعمال كثيرة.
وتخلص فؤاد إلى أن الدعوة إلى تحرير المرأة من قبضة التأويلات الخاطئة والهيمنة الذكورية، وخلاصها من امتهان الكرامة والتبعية لا يعد مطلبا إنسانيا خاصا، وإنما هو مطلب إنساني في العموم لكل من يحترم إنسانية الإنسان ويؤمن بقيمة العدل والمساواة ويرفض العنصرية والتمييز، هو مطلب كل العقول المستنيرة من الرجال والنساء، هؤلاء الذين يدركون أن المرأة ـ واقعا وحقيقة ـ هي نصف طاقة المجتمع، ولا يمكن الوصول لمجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والرفاهية، يستطيع مواكبة العصر علما وفنا وإنتاجا، مع إهدار نصف طاقته، وسقوط النصف الآخر المتبقي في براثن الجمود والتقليد والتسلف الماضوي، ومغادرة عربة التاريخ بالانكفاء على ثقافة القرون الماضية ومعطياتها التي لم يعد الكثير منها صالحا لديمومة الحياة ومواظبة تطورها. لذا فإن قضية المرأة وحقوقها وحريتها واجب إنساني ومعرفي وقومي.