أمر بالقبض على علي كرتي أحد رموز 'إخوان البشير' في السودان

مكتب النائب العام السوداني يصر أمرا بإلقاء القبض على وزير الخارجية السابق علي كرتي لدوره في انقلاب 1989 الذي أتى بعمر البشير إلى السلطة.

الخرطوم - أصدرت النيابة العامة السودانية، الثلاثاء، قرارا بإلقاء القبض على وزير الخارجية السابق علي كرتي، في خطوة ربطها مراقبون بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك منذ أيام وأعادت تسليط الضوء على حالة التخبط التي تعيشها جماعة الإخوان والإسلاميون والمقربون من نظام عمر البشير الذين اضطروا للتصعيد والعنف لخلق فوضى يمكن أن تسمح لهم بالعودة إلى الحكم.

 وقال بيان صدر عن مكتب النائب العام السوداني اليوم الثلاثاء إنه أمر بإلقاء القبض على وزير الخارجية السابق علي كرتي لدوره في انقلاب 1989 الذي أتى بعمر البشير إلى السلطة.

وأضاف أنه سيتم تجميد أصوله مشيرا كذلك إلى صدور أوامر اعتقال لخمسة أشخاص آخرين.

وكرتي من ضمن السياسيين المعروفين بميولهم الإسلامية وقربهم من قطر وتركيا والذين شملتهم إجراءات الاعتقال في فبراير الماضي من قبل السلطات السودانية.

وكانت اللجنة المكلفة بالتحقيق في بلاغ الانقلاب العسكري على السلطة قبل ثلاثة عقود، قد أصدرت مطلع فبراير الماضي أوامر بالقبض على مجموعة جديدة ممن شاركوا في انقلاب البشير بعد انتشار معلومات حول قيام عدد من القيادات بإعادة إنتاج بعض الأحزاب الإسلامية التي كانت في حزب المؤتمر الوطني المنحل، وتشكيل تنظيمات بمسميات جديدة تستطيع من خلالها العودة للمشاركة في الحياة السياسية الجديدة والتسرب إلى السلطة مرة أخرى.

واستولى البشير على السلطة في 1989 في انقلاب عسكري دعمه الإسلاميون، وأطاح بحكومة رئيس الوزراء المنتخب أنذاك الصادق المهدي. واندلعت المظاهرات ضد نظام البشير في 19 كانون الأول/ديسمبر، بعدما زادت حكومته أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، وأطاح به الجيش في نيسان/أبريل، وبدأت محاكمته بتهمة الفساد في 19 آب/أغسطس.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت السلطات الانتقاليّة قانوناً ينصّ على حلّ حزب المؤتمر الوطني الجناح السياسي لجماعة الإخوان ومصادرة أمواله ومنع رموزه من ممارسة العمل السياسي لعشر سنوات على الأقلّ، ملبّية بذلك أحد المطالب الرئيسية للحركة الاحتجاجية، التي قادت إلى الإطاحة بنظام البشير الذي حكم البلاد طوال 30 عاماً.

وفي فبراير الماضي، أعلنت الحكومة السودانية اتفاقها مع فصائل مسلحة في دارفور على مثول المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية أمام هذه الهيئة القضائية من بينهم عمر البشير.

ويعد كرتي القيادي في حزب المؤتمر الوطني ووزير الخارجية الأسبق في عهد البشير، من أخطر العناصر الإسلامية الذين تولوا مناصب حكومية، حيث كان يشرف على قيادة وبناء التنظيم داخل القوات المسلحة عن طريق تعيين الضباط الإسلاميين للتغلغل داخل المؤسسة العسكرية. 

وتهيمن قيادات أمنية تابعة لحزب البشير وأخرى محسوبة على المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي، على قوات الجيش والشرطة.

كما يتهم المتظاهرون السودانيون الذين شاركوا في الإطاحة بنظام البشير على رأسهم تحالف قوى الحرية والتغيير، كرتي  بالإشراف على عمليات نهب وفساد داخل مؤسسات الدولة، مطالبين بمحاسبته وتقديمه للعدالة.

hgrh
تنسيق القاهرة والخرطوم يقطع الطريق أمام تآمر الإخوان ومن يدعمهم

وبعد هدوء الأوضاع والاتفاق على الحكومة الانتقالية كانت السلطات تعتقد أن الحوار مع القوى الإسلامية المتلونة سيكون كفيلا بوقف ممارساتها الرامية للعودة إلى الحكم أو التسليم بالأمر الواقع الجديد، لكن محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها عبدالله حمدوك منذ أيام في الخرطوم، أكدت أن الإسلاميين وفي مقدمتهم جماعة الإخوان يتربصون بالانتقال الديمقراطي في البلاد للعودة إلى الساحة السياسية من جديد بالتنسيق مع قطر وتركيا اللتان تخشيان خسارة ثقلهما في السودان بعد إبعاد كل المقربين من البشير من دوائر الحكم.

ومع وجود المناخ الديمقراطي المناسب وحالة التسامح التي وصلت إلى حد التراخي، وجدت بعض الأطراف الإسلامية الفرصة مناسبة لخلق الفوضى عبر تدبير محاولة لاغتيال رئيس الوزراء الجديد لما يمثله ذلك من فرصة للمسك بزمام السلطة نمن جديد مستغلين نفوذهم في الدولة العميقة وخاصة في المؤسسات الأمنية والعسكرية.

والأسبوع الماضي أكد مجلس السيادة أنه سيكثف مساعيه لإنهاء نفوذ الموالين للبشير .
وقال محمد الفكي المتحدث باسم المجلس في بيان إن فرعا من الأجهزة الأمنية السودانية يرتبط ارتباطا وثيقا بالبشير سيخضع لسيطرة الحكومة المدنية وإن اللجنة المكلفة بتفكيك النظام القديم ستمنح سلطات إضافية في وقت بدأت السلطات تحقيقا في محاولة الاغتيال التي جرت الاثنين بهجوم تفجيري على موكب حمدوك أثناء توجهه للعمل.
ورغم ان السلطات لم تذكر من كان وراء ذلك لكن تشديدها على أن الموالين للبشير سيتم التعامل معهم بحزم يشير إلى صلات محتملة مع أنصار النظام القديم الذين يحاولون عرقلة التحول الديمقراطي.

ويأتي قرار اعتقال كرتي بعد ثلاثة أيام من زيارة قام بها الفريق محمد حمدان دقلو الملقب بـ“حميدتي”، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، إلى القاهرة بهدف التنسيق معها لمواجهة الإرهاب في أعقاب محاولة اغتيال حمدوك.

ويربط مراقبون تلك الزيارة بقرار القبض على وزير الخارجية الأسبق حيث يرجح أن تكون الخرطوم قد حصلت على معلومات مهمة حول محاولة اغتيال حمدوك الفاشلة من خلال تنسيقها الأمني مع القاهرة.

وبانتقال الإسلاميين إلى خطوة أكثر تشدد في تعاملهم من الحكم الانتقالي الجديد عبر العودة إلى استعمال العنف ونهج الاغتيال لتصفية خصومهم، تكون الحكومة الانتقالية قد استخلصت الدرس وباشرت تغيير تعاملها مع القوى الإسلامية في البلاد ومن يمولها ابتداء من قطر وصولا إلى تركيا.

وكانت مصادر مصرية قد تحدثت بعد زيارة حمدوك للقاهرة عن وجود دلائل تؤكد ضلوع الدوحة وأنقرة في تخريب الأوضاع في السودان عبر مد التنظيمات الإرهابية المتمركزة هناك بخطط متباينة للتعامل مع المستجدات بهدف إفشال المرحلة الانتقالية واسهداف الحكومة الحالية في الخرطوم.

وطالما وجهت أصابع الاتهام إلى أنقرة والدوحة من قبل النشطاء السودانيين الذين حذروا من خطط المحور التركي القطري لاستغلال البيئة الأمنية الهشة في البلاد ونشر أجنداته ونفوذه عبر عناصر إخوانية كما فعل في سوريا وليبيا.
وبدأت قطر التي خسرت نفوذها منذ إسقاط نظام البشير ورموزه، في الاستعداد للعودة إلى السلطة من الباب الديمقراطي حيث كانت تعتقد أنه عناصر الحركة الإسلامية سيتمكنون من التسلل للسلطة مرة أخرى لاقتناص فرصة التأثير مجددا في تفاعلات السودان السياسية مستقبلا.

ويرفض الشارع السوداني قبل السلطات عودة الإسلاميين إلى الحكم بعد أن روعوا الشعب وخلفوا دمارا كبيرا في الدولة على كل الجوانب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولمدة ثلاثة عقود جعلت السودان منعزل عن باقي بلدان العالم يئن تحت طائلة العقوبات في ظل نهبهم واستلائهم على ثرواته.