أمسيات فنية مصرية تصدح بالحنين لأغاني الزمن الجميل

الأغاني التجارية الهابطة تدفع صناع الموسيقى إلى إحياء التراث الفني من خلال اجتذاب الشباب إليه.
كلّ أغنية في الماضي الذهبي كانت عملا فنيا متقنا ومتكاملا
التيار البديل يقدّم لونا تمتزج فيه عناصر الموسيقى العربية والروك والإلكترونيك

القاهرة - يقف أحمد عادل مرتديا سترة وربطة عنق تقليدية، ويؤدي أغنية قديمة بحنين كبير إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية، حين كانت القاهرة قلبها النابض، فيما يسيطر على قطاع الإنتاج اليوم غناء تجاري رائج تتخلله محاولات "بديلة" لتلمّس طريق جديد للغناء المعاصر.
وقال عادل، وهو مغن في الفرقة القومية للموسيقى العربية، "للأسف الشديد يمكن أن تنجح أغنية حديثة نجاحا كبيرا بعض الوقت ليومين أو ثلاثة أيام أو أسبوع أو حتى سنة، ثم تختفي ولا نسمع عنها أي شيء بعد ذلك"، مضيفا "لكن محمد عبدالوهاب لا يزال حيّا حتى اليوم، وأم كلثوم لا تزال حية".
وظلّت صناعة الموسيقى المصرية في أوجها حتى السبعينات، وكانت القاهرة مركز الجذب لكافة المواهب الغنائية والموسيقية والسينمائية أيضا، من كلّ أنحاء العالم العربي. لكن الأمور أخذت في التغيّر بعد ذلك في مصر كما في العالم العربي، وانتهى بذلك ما يسميه باحثون في الموسيقى "عصر النهضة الثاني" الذي بدأ مع سيّد درويش مطلع القرن العشرين، وبدأ عصر طغيان الأغنية التجارية والسريعة، ما عدا بعض الاستثناءات القليلة هنا وهناك.
إلا أن هذه الإنتاجات في معظمها هي وليدة إنتاج سريع ينعكس تشابها بين الكثير منها من حيث الكلمات والإيقاعات والمقامات المستخدمة، وهو ما يثير حفيظة من يحنّون إلى "الماضي الجميل"، حين كانت كلّ أغنية عملا فنيا متقنا بكلامه ولحنه وأدائه.

وما زال في الشوارع المصرية كما في المقاهي والأسواق والمنازل، صوت أسمهان يصدح في الأرجاء مجاورا نجاة الصغيرة و"كوكب الشرق"، إلى جانب الأغاني الجديدة الرائجة. وفي بعض المسارح ودور العرض، ما زالت فرق موسيقية تجتهد لإبقاء الموسيقى الكلاسيكية حيّة في الأسماع.
ويعتلي عادل المسرح بانتظام لإحياء تراث مطربيه المفضلين مصحوبا بفرقة من أوبرا القاهرة، تتنازعه "مشاعر مختلطة من الخوف والسعادة والمسؤولية"، بحسب قوله.
وتقول جيهان مرسي، رئيسة إدارة الموسيقى الشرقية في دار الأوبرا المصرية، "هذه الأمسيات أصبحت ناجحة للغاية ويقبل عليها الناس بشكل كبير جدا". وأضافت "شيء جميل جدا أن ننجح في الحفاظ على الهوية العربية".
وتسعى صناعة الموسيقى كذلك إلى إحياء التراث من خلال اجتذاب الشباب إليه. وتعوّل شركة "صوت القاهرة" العريقة على نشر الأغاني القديمة على الإنترنت.
وتستثمر شركات عدة مثل صوت القاهرة التي قدمت أغاني أم كلثوم، في التكنولوجيا، مستخدمة ما تمتلكه من حقوق للأغاني القديمة وخصوصا من خلال عقود مع يوتيوب ومع شركات لشبكات الهاتف المحمول.

أكبر شريحة في المجتمع هي الشباب.. وأكثر شيء يستخدمه الشباب هو فيسبوك ثم يوتيوب وبعد ذلك تطبيقات الموبايل

وأفادت دعاء محمود، رئيسة خدمات الإنترنت في شركة صوت القاهرة، أن "برامج المسابقات مثل أراب آيدول أو ذا فويس تقدّم متسابقين يغنّون أغاني قديمة، وبعدها يبدأ الناس في البحث على الإنترنت عن هذه الأغاني ويتساءلون من الذي غنّى (في الأصل) هذه الأغنية (القديمة) الرائعة؟ نريد أن نستمع إليها". وأضافت أن الشركة تتحوّل إلى التكنولوجيا الرقمية للوصول إلى "أكبر شريحة في المجتمع وهي الشباب.. وأكثر شيء يستخدمه الشباب هو فيسبوك ثم يوتيوب وبعد ذلك تطبيقات الموبايل".
وبين الغناء القديم الذي يحاول أنصاره الحفاظ عليه، والموسيقى الرائجة التجارية السريعة، يظهر على الساحة تيار ثالث في مصر والعالم العربي بات يعرف بالتيار البديل، وهو يقدّم لونا تمتزج فيه عناصر الموسيقى العربية والروك والإلكترونيك، إضافة إلى ما صار يعرف باسم "الإلكترو شعبي" أو "أغاني المهرجانات"، حيث يختلط النغم المستقى من الفلكلور مع الهيب هوب.
ويقوم الأعضاء الأربعة لفرقة الروك "مسار إجباري"، بأداء أغنية عربية كلاسيكية بعدما أعادوا توزيعها على طريقتهم.
ورغم استلهام الموسيقى العربية القديمة، فإن أعضاء الفرقة الذين يحظون بشعبية كبيرة بين الشباب يرفضون الانسياق وراء الماضي ويشيدون بوسائل الإنتاج الحديثة.