أمسية شعرية تقتفي أثر الحب في بيت الشعر بالشارقة

جبار والحمادي والإبراهيم يعاينون شعر الغربة وقلق الذات الشاعرة.

ضمن نشاط منتدى الثلاثاء، وتواصلاً مع فعاليات ورشة فن الشعر والعروض، نظم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة في الشارقة أمسية شعرية شارك فيها الشعراء عماد جبّار من العراق ومظفر الحمادي من الإمارات وسليمان الإبراهيم من سوريا، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت.

وأدارت مفردات الأمسية الشاعرة آية وهبي التي أثنت على الدور الحيوي الذي تطلع به الشارقة في المشهد الثقافي، وتقدمت بالشكر إلى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على مبادراته الثقافية التي أثرت الواقع الأدبي، وأسهمت في دعم الشعر العربي، وكذلك الجهود التي تقدمها دائرة الثقافة في متابعة فعاليات بيت الشعر.

قصائد الشعراء حلّقت في فضاء الدهشة، وعبّرت عن تجارب ندية مفعمة بالمشاعر، واقتفت أثر الحب وخاطبت الإنسان، وجسدت الفرح والحزن وتركت صدى واسعا لدى الجمهور الذي تفاعل مع كل ما قدمه الشعراء في بيت الشعر.

واستهل الأمسية الشاعر عماد جبّار، فقرأ قصيدة "وطن جديد" طاف بها قطار الكلمات وهو يحمل جسدا مثقلاً، وروحا متعبةً من الحنين والغربة، تنعاها الغيوم وتبكي عليها السنين، ومنها:

"طُفْ يا قطارُ بِبُقْيا الرّوحِ في الجَسَدِ

وحَيْثما تَتْعَبُ الأبْعادُ ذا بَلَدي

هُناكَ أرْقُدُ لا ذِكرى ستُرجِعُني

ولا دُروبَ سوى دَرْبٍ منَ الزَّبَدِ

أضيعُ مثلَ غُيومِ اللهِ في أُفُقٍ

وأغْسِلُ القَلْبَ بالأمْطار والبردِ

لَقدْ قَطَعْتُ سنينَ العَزْفِ مُنْفَرداً

هناكَ يُصْبِحُ عَزْفي غَيْرَ مُنْفَردِ".

ثم استحضر ابنَ زريق البغدادي، في قصيدة تجلّى فيها الوطن وارتباط الشاعر بالأمكنة والذكريات والتفاصيل، ناثرا دهشته على الرصافة والكرخ وجغرافيا المكان، في سياق شعري آسر، يقول:

"لقد ترحَّلَ حتّى ضاعَ مَنْبعُهُ       

فلا الرصافةُ بعدَ اليومِ ترجعُهُ

ولا عيونُ المَها في الكَرْخِ تُرْجِعهُ    

ولا القناديلُ فَوْقَ الجِسْر تَخْدَعُهُ

كلٌّ يردّدُ في مَنْفاه: لي وَطَنٌ       

ولي تُرابٌ خُطىً يَوْماً سَأتْبَعُهُ

بِلى لنا وَطَنٌ مُلقىً على جَسَدٍ      

كالثَّوْبِ يَبْلى ولكنَّا نُرَقِّعُهُ

"بَيْن الحَقائبِ مُخْضَرٌّ لهُ أملٌ     

 بأيِّ أرْضِك يا ذا المُلْك يَزْرَعُهُ". 

ورشة فن الشعر والعروض
دعم الشعر العربي

وقرأ الشاعر مظفر الحمّادي، قصيدة "المهلكات" وتعدّ مناظرة شعرية يتراسل فيها مع خواطره الذاتية، وما تجيش به نفسه من عاطفة وهو يجترحُ تأويلات ذات مضامين إيقاعية ودلالية تتراءى للقارئ صوره المتجانسة المتوقدة في الذات فيقول: 

بَوْحُ المساء وصمتُ الروحِ قَهْقَهتي

بؤسي اشْتياقي وأشْجاني ووَسْوَسَتي

خَوْفي وحَيْرةُ نَفْسي وانتِباهتُها

ولَوْعَتي وانْكِفاءاتي ومَعْذِرَتي

ومُهْلِكاتُ غَرامي في تَوَقُّدهِ

الحابِساتُ تَرانيمي على شَفَتي".

ثم قرأ قصيدة أخرى بعنوان "الحُلم والوَهم" التي يقطع عبرها الزمن تاركا مخيلته أن يشكل حالة من الشجن، تعبر عن ترانيمَ عذبة متشحة بالعطر والظلال نختار منها:

"مِنْ فَرْطِ حُسْنك أمْ منْ فَرْطِ أحْلامي

تأوي إلى ساحةِ الأوراقِ أقِلامي

تميلُ نَحْوكِ تَحْكي شَوْقَها ولهاً

في قَبْضةِ الحُبّ أمْ في أسرِ أوْهامي

الليلُ والحبُّ والأشواقُ تَعْرِفني

والشّعْرُ والنّثْرُ في آهاتِ أيّامي

وألقى الشاعر سليمان الإبراهيم، ثالث شعراء الأمسية قصيدة "غربة" التي يقدم فيها رؤية صافية للغربة المعنوية، يعكس بها أحواله، وارتباطه الجميل بنهر الحب الذي يلوذ به في هذه التجربة الجمالية الناضجة، فيقول:

"لأنّي غُرْبةٌ، ويَديكِ بيتُ

بلا ظِلٍّ لشمسكِ قَد أتيْتُ

مَحَوتُ حَقيقةَ الصَّبَّارِ عنّي

وعُدْتُ كبذرةٍ، وبكِ ارْتَميْتُ

أنا المقطوعُ منْ شَجرِ العَطاشَى

سقطتُ على دمائيْ فارْتَوَيْتُ

وقبلكِ كنتُ نَهْراً في ركودٍ

وحينَ لمستِني يوماً جَرَيْتُ".

ورشة فن الشعر والعروض
حضور نخبة من المثقفين ومحبي الشعر

ثم قرأ من قصيدة "لغتي" التي تفيض بالأسئلة ويوزع فيها دلالاته الموحية، وترصد في الآن نفسه، مشاهد شعرية مفعمة بالظلال والتخيل والتذكر يقول فيها: 

"كالرَّمْلِ أحْمِلُ ما أَرْسَتْ شُكوكِيَ بِيْ

تَسْتَغْرِقُ الماءَ، كُلَّ الماءِ أسْئلَتِيْ

وحَيْثُ سِرتُ رأيتُ الموتَ يتبعُني

كأنّ ظِلّي مربوطٌ بشاهِدَتِي

وكلّما تسألُ السّكّينُ عن وَطنٍ

تشيرُ كفُّ بلادي نحو خاصرتِي".

وعلى هامش أمسية منتدى الثلاثاء اختتمت ورشة فن الشعر والعروض بمحاضرة عن فن إلقاء الشعر قدمها الشاعر عبدالله الهدية الشحي الذي أضاء فيها على آليات إلقاء هذا الفن، واعتمد فيها على جوانب نظرية وعملية، حيث أوضح للجمهور الذي سجل حضورا كثيفا في بيت الشعر أن فن الإلقاء يعتبر عاملاً رئيسيا في توصيل الرسالة الشعرية للجمهور، ويعتمد على عوامل عديدة تساعد الشاعر إلى الولوج لقلوب المتلقين، وأنه يجب أن يكون هناك استعدادات مسبقة وتمهيدية قبل مواجهة الشاعر للجمهور مثل: التحكم في نبرة الصوت، وأن يكون على دراية بلغة الجسد، ومن ثم قراءة وجوه المتلقين.

وقدم الهدية نماذج تطبيقية في أثناء الورشة حيث طلب من بعض الشعراء الصعود إلى المنبر والتفاعل مع الجمهور، وبعد ذلك علق المحاضر على الجوانب الإيجابية والأخرى السلبية لمثل هذه النماذج.

وقال المحاضر عبدالله الهدية إن فن الإلقاء جزء مهم من عملية نجاح الشاعر ووصول شعره للمتلقي من أقرب الطرق، وهو علم قائم بذاته، وأنه يجب أن يصقل كل شاعر موهبته باختيار أفضل طريقة للإلقاء، حتى تنسجم كل العناصر ويؤدي الشاعر وظيفته على أكمل وجه.

والجدير بالذكر أن ورشة فن الشعر والعروض استمرت في الفترة من 5 إلى 20 يونيو/حزيران الجاري، واختتمت أعمالها في بيت الشعر بمحاضرة عن فن الإلقاء وسط حفاوة من الجمهور والمثقفين وبحضور نخبة من المثقفين ومحبي الشعر.

وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي، شعراء الأمسية ومقدمتها.