أمير قطر يسوّق في موسكو لدور بلاده كوسيط دولي واقليمي

قطر ترغب في منافسة أدوار وساطة تلعبها دول خليجية أخرى على رأسها الإمارات والسعودية في ملفات عديدة على غرار الملف الاوكراني.
روسيا تدعم الجهود القطرية في ملف غزة
بوتين يحث الجانب القطري على الاستثمار في روسيا رغم العقوبات الغربية

موسكو - تحاول قطر إعادة ترسيخ موقعها كوسيط سياسي وفاعل إقليمي قادر على مدّ جسور الحوار بين الخصوم في وقت تتصاعد فيه حدة الأزمات العالمية، من الحرب في غزة إلى النزاع الروسي الأوكراني اضافة للتطورات على الساحة السورية. فقد حملت زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى موسكو مؤشرات واضحة على رغبة الدوحة في منافسة أدوار الوساطة التي تلعبها دول خليجية أخرى، وعلى رأسها الإمارات والسعودية.
وفي لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناقش الشيخ تميم ملفات حيوية تشمل غزة وسوريا وأوكرانيا، حيث تحاول الدوحة أن تقدّم نفسها كـ"شريك موثوق" قادر على لعب دور في نزع فتيل التوترات وتسهيل الاتفاقات.
وأكد  خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الروسي أن بلاده لا تزال ملتزمة بدورها في الملف الفلسطيني، مشيراً إلى أن "اتفاقاً بشأن غزة تم التوصل إليه قبل أشهر لم تلتزم به إسرائيل"، مضيفاً "سنسعى لتقريب وجهات النظر من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني". بدوره ثمن بوتين دور الدوحة في حل النزاع حيث اكد انها تقوم بجهود كبيرة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني داعيا الى حل الملف بالسبل السلمية وانهاء النزاع المسلح. وتعرضت كل من قطر وروسيا لانتقادات من قبل اسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب موقفهما من الحرب ومن حركة حماس.

كما تطرّق إلشيخ تميم الى الوضع في سوريا، قائلاً إنها تمرّ بـ"مرحلة دقيقة"، مشدداً على أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع حريص على بناء علاقات متوازنة مع روسيا، معتبراً أن دعم دمشق في هذه المرحلة "مصلحة للجميع". وفي هذا السياق، يظهر محور الدوحة-أنقرة كطرف فاعل في دعم السلطة السورية الجديدة، في مقابل استمرار روسيا في حماية نفوذها في الساحل السوري من خلال قواعدها العسكرية.
من جانبه تحدث الرئيس الروسي عن المسألة السورية قائلا "سوريا أيضا موضوع مهم بالنسبة لنا ونريدها أن تبقى دولة مستقلة".

وقال مسؤول روسي إن بلاده وقعت مع قطر اليوم الخميس اتفاقية تساهم بموجبها كل دولة بمليار يورو (1.14 مليار دولار) إضافية في صندوق استثماري مشترك.

وقال كيريل دميترييف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي "هذه اتفاقية لتوسيع منصتنا الاستثمارية مع قطر بمبلغ يقارب ملياري يورو.. مليار يورو من كل جانب. وهذا سيسمح لنا باستثمار المزيد، وجذب المزيد من الاستثمارات القطرية إلى مشاريع مختلفة في روسيا".

وقال صندوق الاستثمار المباشر الروسي في بيان إن الاتفاقية مع جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي للدولة الخليجية، ستركز على الاستثمار في التكنولوجيا والرعاية الصحية والمعادن وقطاعات أخرى ذات اهتمام مشترك. وكان الصندوقان قد أطلقا مشروعا مشتركا بأربعة مليارات دولار في 2014.

وقال دميترييف للصحفيين إن قطر مستثمر رئيسي في البنية التحتية الروسية، وإن الشركات الروسية مهتمة بدخول سوق الشرق الأوسط مع شركاء قطريين.

وزيارة أمير قطر إلى موسكو تأتي في وقت تزداد فيه المنافسة الخليجية على لعب أدوار الوساطة الدولية. فبينما تقود الإمارات والسعودية مبادرات وساطة في النزاع الروسي الأوكراني، وتحاولان تقريب وجهات النظر بين موسكو وكييف، تسعى الدوحة لإثبات حضورها عبر محاولات دبلوماسية شملت ترتيب عمليات تبادل أسرى وإعادة أطفال نازحين من مناطق النزاع. وكانت السعودية استضافت مباحثات بين الولايات وروسيا لانهاء الحرب الاوكرانية.
وقال الكرملين على لسان دميتري بيسكوف قبل الزيارة إن "من الصعب المبالغة في تقدير دور قطر الآن في العديد من الشؤون الإقليمية بل وحتى العالمية"، معتبراً أن العلاقات بين البلدين "تتطور بشكل حيوي".
ولم تقتصر زيارة أمير قطر على الملفات السياسية، بل تطرقت أيضاً إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث قال الشيخ تميم: "ناقشنا تعزيز العلاقات مع روسيا، وهناك اتفاقيات استعرضناها اليوم". ودعا بوتين بدوره إلى زيادة الاستثمارات القطرية في روسيا، في ظل العقوبات الغربية الخانقة، مضيفاً: "متأكد من وجود مشاريع مثيرة للاهتمام".
ويأتي هذا الانفتاح الاقتصادي كجزء من دبلوماسية الغاز والطاقة التي تنتهجها قطر، خصوصاً مع امتلاكها واحدة من أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وكونها مورداً أساسياً في سوق الغاز الطبيعي المسال، وهو ملف حساس ضمن المعادلات الروسية الأوروبية.
ولا تقف محاولات قطر لتوسيع نفوذها السياسي  عند حدود المنطقة، بل تسعى لأن تكون فاعلاً في المعادلات الدولية الأكثر تعقيداً. فقد أعربت عن استعدادها في فترات سابقة للتوسط بين إيران والولايات المتحدة، وهي اليوم تضع نفسها كقناة محتملة للحوار في الملف الأوكراني، مستفيدة من علاقاتها الجيدة نسبياً مع أطراف النزاع.
وبينما تتواصل الوساطات في الملف الاوكراني، تأمل الدوحة أن تسد هذا الفراغ، أو على الأقل أن تضمن لها موطئ قدم دائم في طاولة المفاوضات الدولية، في لعبة توازنات معقدة تزاحم فيها حلفاءها الخليجيين، لا تصطدم بهم.