أنقرة تستغل قانون قيصر لـ'تتريك' إدلب بالكامل

هيئة تحرير الشام الموالية لتركيا تصدر قرارا يقضي بمنع بيع وشراء العقارات ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها بالليرة السورية، وحددت بديلاً عنها الليرة التركية.

أنقرة - استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة على سوريا هذا الأسبوع لخنق الاقتصاد السوري وفرض هيمنة مالية تركية على أراضي الشمال السوري، عبر دفع الفصائل المقاتلة التي تدعمها أنقرة لإعتماد الليرة التركية في التداول اليومي في مناطق سيطرتها.

وقالت وكالة الأناضول الرسمية الخميس إن "المتعاملون في محافظة إدلب شمالي سوريا، بدأوا تداول الليرة التركية بدل العملة المحلية، التي انخفضت إلى مستويات قياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية".

وزعمت الأناضول أن الإجراء يهدف إلى "حماية القوة الشرائية للمواطن" في المحافظة الخاضعة لسيطرة ما تسميها "معارضة".

وأضافت وكالة الأنباء الرسمية التي أصبحت تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية الحام في تركيا أن "الأفران ومحطات الوقود والبقالات والصيدليات وكثير من القطاعات الأخرى باتت تتعامل بالليرة التركية".

وبدأت بالفعل محطات وقود في إدلب منذ الاثنين في تحديد أسعارها بالليرة التركية بينما أكدت مصادر صحفية وصول أكياس بلاستيكية مليئة بأوراق نقدية تركية من الفئات الصغيرة وعملات معدنية إلى مؤسسة مالية محلية في مدينة سرمدا الأحد.

وفي السنوات الأخيرة كثف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خططه لتغيير هوية الشمال السوري بالقوة العسكرية، حيث دعم فصائل إسلامية متشددة تسوق أنقرة إلى أنها "معارضة". 

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الخميس إن هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) أصدرت "قرارا يقضي بمنع بيع وشراء العقارات ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها بالليرة السورية، وحددت بديلاً عنها الليرة التركية".

وأضاف المرصد السوري أنه رصد يوم الثلاثاء "انهياراً كبيراً بقيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي وعملات أجنبية أخرى، ضمن مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام والفصائل في إدلب والأرياف المتصلة بها، حيث تراوح سعر صرف الدولار الأميركي الواحد صباح الثلاثاء، بين الـ 3000 و3500 ليرة سورية، في تفاوت كبير عن سعر الصرف ضمن مناطق نفوذ النظام السوري".

ووفقاً للمرصد السوري، فإن السبب الرئيسي للانهيار هو اعتماد الليرة التركية ضمن مناطق تحرير الشام والفصائل، والإقبال الكبير على شراء الليرة التركية، بالإضافة لبعض التجار ومكاتب الصرافة الذين يتعمدون البيع والشراء بأسعار كيفية تؤثر على قيمة الليرة، حيث أن هناك تجار يعمدون إلى ضخ الليرة السورية إلى مناطق نفوذ النظام السوري مقابل شراء الدولار من هناك، ليقوموا بتحويله إلى ليرة تركية". وتوقع المرصد تواصل انهيار كبير لقيمة الليرة السورية في تلك المناطق مع استمرار الإقبال على العملة التركية.

وبينما يقع شمال غرب سوريا خارج نطاق حكم الأسد وتسيطر على جزء منه تلك االفصائل المسلحة الموالية لتركيا بقيت الليرة السورية تُستخدم هناك. وانخفضت قيمتها هذا الشهر إلى ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار من 47 ليرة فقط عندما بدأ الصراع عام 2011.

ال
الجماعات المسلحة في إدلب تفرض التعامل بالليرة التركية

وفي الشهر الماضي انهارت العملة السورية، حيث يشير تجار إلى العقوبات الأميركية باعتبارها أحد العوامل التي تزيد الطلب على العملة الصعبة إلى جانب الانهيار المالي في لبنان المجاور.

وقال بكر العلي (30 عاما) في منطقة إدلب لرويترز عن بدأ تطبيق قانون قيصر في سوريا "قرار جيد. لكن المهم هو ألا نتأثر نحن به. الأسعار اليوم مرتفعة بشكل جنوني".

ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن تراجع قيمة الليرة للنصف منذ مايو/أيار تسبب في رفع أسعار السلع الأساسية لمستويات قياسية بعيدة جدا عن القدرات الشرائية لأربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا، حيث فر العديد من السوريين عند استعادة الأسد لأراض من مسلحي "المعارضة".

وترزح سوريا بالفعل تحت وطأة عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لكن العقوبات الجديدة أكثر شمولا.

وتستثني هذه العقوبات واردات المواد الغذائية الأساسية والمواد الإنسانية لكنها تزيد التدقيق على المساعدات للتأكد من عدم استفادة حكومة الأسد منها.

وقال يوسف غريبي (24 عاما) "الوضع الاقتصادي هنا لا يحتمل زيادة أخرى في الأسعار. يجب أن تبقي العقوبات المدنيين بعيدا عن الضرر".

ولا يختلف الوضع كثيرا أيضا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية حيث تعم المعاناة جراء انهيار الليرة.

وقال عبدالرحمن جليلاتي، في حلب، "سعر زوج الأحذية زاد عشرة آلاف ليرة من أمس إلى اليوم".

وحذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا هذا الأسبوع من "انهيار مأساوي في الأوضاع الاقتصادية بأنحاء البلاد".

وتقول دمشق إن العقوبات الجديدة تمثل انتهاكا للأعراف الدولية وتعتبر جزءا من حرب اقتصادية.

ورفض الأسد، في مقابلة عام 2015، الصور التي عرضها المصور السوري الذي حمل قانون قيصر اسمه معتبرا أنها "مزاعم بلا دليل"، وجزء من "مؤامرة" تمولها قطر ضد حكومته.

يذكر ان قيصر هو مصور عسكري سوري هرّب آلاف الصور خارج سوريا تُظهر عمليات قتل جماعي وتعذيب وجرائم أخرى.

وترغب الدول الغربية في أن ترى حدوث تقدم صوب انتقال سياسي في سوريا قبل أن تقدم يد العون في إعادة إعمار البلاد، فيما تبحث أنقرة عن استغلال الوضع واخضاع تلك المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الموالون لها بشكل تام.

ال
الليرة السورية تفقد قيمتها

وراهنت تركيا على هيئة تحرير الشام باعتبارها القوة العسكرية الأكثر صلابة وتنظيما في مشروعها التوسعي في سوريا، وسعت على مدار السنوات الماضية إلى الحفاظ على الهيئة رغم أنها مدرجة على لائحة الإرهاب الدولي.

يذكر أن مناطق أخرى في شمال سوريا مثل جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي وعفرين في الريف الشمالي الغربي، بدأت اعتماد العملة التركية خصوصا ذات الفئات الورقية الكبيرة تدريجياً إلى جانب الليرة السورية منذ دخول القوات التركية إليها في عام 2016.

وتدعي الحكومة التركية أن مناطق سورية في محافظتي حلب وإدلب تعود ملكيتها لعائلة السُلطان عبدالحميد الثاني، لذلك تسعى لفرض السيطرة عليها وضمّها إلى تركيا عبر القوة لفرض الأمر الواقع واستغلال ضعف الحكومة السورية بسبب الحرب الدائرة منذ سنوات.

وخلال السنوات التي تلت احتلال منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بدأت أنقرة بتطبيق سياسة "التتريك" عبر أمر الفصائل المسلحة بنشرِ اللغة والثقافة التركية وافتتاح فروع للجامعات التركية في مناطق سيطرتهم، بالإضافة إلى فرض تغيير أسماء المدن والقرى وحتى الشوارع والساحات من اللغتين العربية والكردية إلى اللغة التركية.

واانتقد نشطاء سوريون تلك الانتهاكات التي تواصل تركيا تنفيذها على الأراضي السورية مشيرين إلى أنها "احتلال تركي" واضح يستكمل عمليات رفع الفصال المسلحة مع الجنود الأتراك علم تركيا في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في السابق لطمس هوية الشمال السوري و"تتريكه".

ويسعى أردوغان إلى رسم خارطة جديدة على الحدود السورية تمكنه من تنفيذ مشروعه التوسعي في المنطقة تحت ذريعة منعِ الأكراد السوريين من إقامة دولة مستقلة أو منطقة حُكم ذاتي. ويستغل الوجود الكثيف للقوات الأجنبية، منها الروسية والإيرانية والتمزُّق السوري بينهما وسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد على المناطق الغنية بالنفط والغاز فضلا عن القمح والمساحات الزراعية.