أوروبا تتحرك عبر روما لمنع سيناريو سوريا في ليبيا

رئيس الوزراء الإيطالي يكلف وزير خارجيته بزيارة ليبيا للقاء المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي وأعضاء من حكومة الوفاق في ظل التهديد التركي بإرسال قوات إلى المتوسط.

طرابلس - أعادت المستجدات المتسارعة التي أثارتها تركيا لبسط سيطرتها في منطقة المتوسط، إيطاليا إلى التحرك بسرعة لاستعادة دورها في الملف الليبي، حيث طار وزير الخارجية الإيطالي إلى العاصمة طرابلس التي تشهد تقدما لقوات الجيش الوطني الليبي نحوها منذ نهاية الأسبوع الماضي.

ووصل وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى العاصمة الليبية طرابلس اليوم الثلاثاء، حيث اجتمع مع عدد من الوزراء في حكومة فائز السراج بحضور السفير الإيطالي في ليبيا جوزيبي بوتشيني، ثم اتجه نحو الشرق حيث التقى القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر في بنغازي و رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح في طبرق.

وقالت وسائل إعلام إيطالية إن زيارة دي مايو وهي الأولى له إلى ليبيا منذ توليه حقيبة الخارجية، هي "محاولة لإعطاء شارة انطلاق حقيقية لمؤتمر برلين" الذي من المنتظر أن يعقد في ألمانيا يناير المقبل حول الأزمة الليبية.

ويقول مراقبون للشأن الليبي إن دي مايو يسعى من خلال الزيارة إلى الدفع باتجاه إعادة فرض الحل السياسي لإنهاء الأزمة الليبية، بعد التقدم الميداني الذي أحرزته قوات الجيش الوطني الليبي في طرابلس منذ الخميس الماضي حين أمرها المشير خليفة حفتر بتنفيذ الهجوم الحاسم للسيطرة على العاصمة بعد نحو تسعة أشهر من بدء المعركة لتطهيرها من المليشيات المسلحة والإرهابيين.

وابتعدت إيطاليا ذات النفوذ القوي على الساحة الليبية، عن تطورات الأزمة بين حكومة الوفاق والجيش الليبي بسبب انشغالها بأزماتها الداخلية وترتيب بيت الحكومة الجديدة.

وقال موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي إن روما تحاول استعادة دورها في الأزمة الليبية في مهمة شبه مستحيلة، خصوصا أن المشير خليفة حفتر يتمتع بدعم من روسيا ومصر ومختلف قوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأضاف أن الحكومة الإيطالية ربما فقدت (أو خسرت نهائيًا) دورها القيادي على الساحة الليبية مع تدخل تركيا على الخط لأن حكومة السراج التي تدعمها ستحاول لعب الدور الذي نفذه بشار الأسد في سوريا وهي الآن في موقف يستوجب منها ضرورة الاختيار بين الطرفين.

ويقول مراقبون إن إيطاليا كما دول الاتحاد الأوروبي تبحث حاليا تعزيز دعمها لقوات حفتر أكثر حتى تتمكن من صد التدخل التركي الذي يهدد مصالحهافي منطقة المتوسط.

وتساءل موقع "لينكيستا" الإيطالي عن موقف دي مايو "المحرج" أمام المشير خليفة حفتر الذي يعرف جيدا الدور الذي لعبته القوات الإيطالية المتمركزة في مدينة مصراتة معقل الميليشيات.

وقال الموقع إن وزير الخارجية الإيطالي سيجد نفسه مضطرا لتبرير الدعم العسكري الذي تقدمه بلاده لحكومة السراج خصوصا في مصراتة التي تشهد حاليا معارك ضارية بين الميليشيات بينما يستهدف الطيران الحربي التابع لقوات حفتر قواعدها.

السراج رفض خمسة آلاف جندي تركي عرضهم أردوغان للتدخل في ليبيا خوفا عمن تجريد حكومته من الشرعية الدولية التي ساهمت في بقائه في طرابلس

وفي أغسطس الماضي، اضطرت الحكومة الإيطالية للاعتراف بوجود قاعدة عسكرية تابعة لها في مدينة مصراتة التي تتخذها الميليشيات المسلحة مركزًا لشن هجماتها على قوات الجيش الوطني الليبي بدعم لوجستي وعسكري تركي.

وقالت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا آنذاك إن القاعدة العسكرية في مصراتة تحتوي على مستشفى عسكري مهم يقدم أنشطة لصالح الشعب الليبي، مؤكدة أنها "ليست هدفًا لأي من الطرفين".

وأواخر نوفمبر الماضي، أعلنت قوات حفتر عن إسقاطها طائرة بدون طيار إيطالية كانت تحلق فوق منطقة خاضعة لسيطرتها في غرب البلاد،، وهي رسالة سياسية تلقتها روما دون تعليق.

ولم يزر أي وزير إيطالي ليبيا منذ فشل الحكومة السابقة التي انهارت في أغسطس الماضي، في تحقيق المصالحة بين طرفي الأزمة خلال مؤتمر باليرمو في نوفمبر 2018، والذي انتهى بشكل صاخب عندما حاول ممثلو تركيا مغادرة المؤتمر قبل انتهائه.

ويفسر ذلك الصخب تدخل أنقرة الحالي في الأزمة الليبية، حيث أثار اتفاق بحري عسكري وُقع الشهر الماضي بين الحكومة التركية ورئيس الوزراء الليبي فائز السراج، جدلا واسعا خلف رفضا وتنديدا دوليا وإقليميا، باعتباره انتهاكا صارخا للقانون البحري الدولي.

وتسعى دول الاتحاد الأوروبي لتفعيل دورها حاليا بشكل أكبر ووضع حد لخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعية في شرق البحر الأبيض المتوسط عبر الاتفاقية التي تهدد مصالحها.

وقالت مصادر إيطالية أن زيارة دي مايو إلى ليبيا لم تكن في جدول أعماله، لكنها جاءت على عجل بتكليف من رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بعد لقائه نهاية الأسبوع الماضي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بروكسل عقب مشاركته في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي.

وأكدت نفس المصادر أن الاجتماع انتهى بالاتفاق حول تفعيل التنسيق الاستخباراتي المشترك بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا في الملف الليبي على أعلى مستوى لتوحيد الموقف الأوروبي قبل لقاء برلين المرتقب في يناير المقبل.

وقالت ميركل في سبتمبر الماضي إن بلادها ستقوم بدورها لتجنب نشوب حرب بالوكالة في ليبيا، محذرة من سيناريو مماثل لما وقع في سوريا وإن الوضع ينذر بزعزعة استقرار أفريقيا بأسرها.

السينا
سيناريو سوريا يعجل التحرك الأوروبي لانتشال ليبيا من فكي أردوغان وبوتين

وقالت وسائل إعلام إيطالية إن دبلوماسيين إيطاليين كشفوا أن "السراج رفض خمسة آلاف جندي تركي عرضهم أردوغان" للتدخل في ليبيا.

 يأتي ذلك في وقت تعي فيه حكومة السراج جيدا أن أي تدخل عسكري مباشر من تركيا على الأراضي الليبية سيزيد من عزلتها ويعزز تجريدها من الشرعية الدولية التي أبقتها إلى الآن في طرابلس تتلقى دعما دوليا ولو كان محتشما.

والأحد، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تاكيد استعداد بلاده لإرسال جنود إلى ليبيا لتقديم أي دعم عسكري تحتاجه حكومة الوفاق بعد أن وقعت أنقرة اتفاقية أمنية معها وسعت إلى تمريرها سريعا في البرلمان التركي لكسب الوقت.

وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح قد كشف عن مساعي حثيثة تجري حاليا لسحب الاعتراف الدولي عن حكومة السراج، مؤكدا أنها لقيت استجابة واسعة، كونها فاقدة للأساس القانوني والشرعي لأنها لم تحصل على ثقة البرلمان ولم تؤد اليمين القانونية.

وأوضح صالح أنه أرسل للأمين العام للأمم المتحدة يطالبه بعدم الاعتراف بالاتفاق الموقع بين أردوغان والسراج، مشدداً على أن الجيش الليبي يمضي نحو هدفه لتطهير ليبيا من الجماعات المسلحة بغطاء شرعي.

وكشفت مصادر مطلعة داخل البرلمان الليبي إن عدداً من الدول تتجه إلى سحب اعترافها بحكومة السراج على غرار الحكومة اليونانية التي طردت السفير الليبي من أثينا على إثر الاتفاق المثير للجدل.

وأوضحت ذات المصادر أن عواصم دولية تواصلت مع رئاسة مجلس النواب للتعبير عن رفضها ممارسات حكومة الوفاق.

وشدد الدبلوماسيون الإيطاليون على أنه "سيكون من الضروري على روما العمل بشكل جيد قبل قمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان المقرر عقدها في 8 يناير المقبل".

وأضاف الدبلوماسيون الإيطاليون أن الأمر يتعلق "جعل الثقل الاقتصادي والسياسي للجبهة الأوروبية يعيد اقتراح المبدأ المعتاد المتعلق بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمة الليبية".

وعلى ضوء نتائج زيارة دي مايو من المنتظر أن يبحث رئيس الوزراء جوزيبي كونتي غدا الأربعاء، تطورات الملف الليبي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.