أوروبا تقف عاجزة عن منع انهيار الاتفاق النووي الإيراني

الاتحاد الأوروبي حاول بلا جدوى تحييد العقوبات الأميركية بإجراءات منها مد خطوط مالية معظم تعاملاتها باليورو وسن قانون يجرم التزام المواطنين الأوروبيين بالعقوبات الأميركية.

واشنطن تستعد لإعادة فرض عقوبات على النفط الإيراني
أوروبا تبحث عن سبل لمساعدة إيران بلا جدوى
تعقيدات كثيرة تحول دون قدرة أوروبا على مواجهة الضغوط الأميركية

نيويورك/بروكسل - في اجتماع بواشنطن عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/أيار، قال مسؤول أميركي كبير لعدد من الدبلوماسيين الأوروبيين إن جهودهم لإنقاذ الاتفاق عبر حماية الاستثمارات الأوروبية في الجمهورية الإسلامية عديمة الجدوى.

وقال المسؤول "لن تستطيعوا". وقبل ستة أسابيع فقط على الموجة التالية من العقوبات الأميركية على طهران في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، أقر الدبلوماسيون الأوروبيون بأن المسؤول الأميركي كان على صواب.

ويقول الدبلوماسيون إن الاتحاد الأوروبي لم ينجح في وضع إطار قانوني فعال يحمي شركاته داخل إيران للتغلب على الامتداد العالمي للنظام المالي الأميركي وتحدي ترامب.

بل وعلى العكس، كما قال سبعة مسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين، فإن أوروبا تعمل مع روسيا والصين لإظهار أنها على الأقل تبحث عن سبل لضمان حصول طهران على مزايا مبيعات النفط حتى يرى الرئيس الإيراني حسن روحاني سببا وجيها للحفاظ على الاتفاق.

وفي ظل تداعي الاقتصاد في الداخل، يواجه روحاني مأزقا مع استعداه لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة غدا الثلاثاء في ظل ضغوط من المحافظين المطالبين بالتخلي عن الاتفاق المبرم في عام 2015 لتبدد منافعه الاقتصادية.

ووصلت قيمة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإيران هذا العام إلى ملياري يورو (2.35 مليار دولار) شهريا، لكن من المتوقع تراجع الرقم مع خروج شركات أوروبية كبيرة من الجمهورية الإسلامية والقيود الخانقة على صادرات النفط الإيرانية نتيجة العقوبات الأميركية.

وكانت الشركات الأوروبية الكبيرة بيجو ورينو ودويتشه تليكوم وإيرباص من بين الكيانات التي انسحبت من إيران منذ مايو/أيار بينما أوقفت اير فرانس والخطوط الجوية البريطانية عملياتها هناك بعد التراجع الكبير في حركة السفر.

كما ستتوقف شركة مولر ميرسك الدنمركية عن نقل النفط الإيراني.

ويهدف الاتفاق الذي وقعت عليه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا وإيران في العاصمة النمساوية فيينا ونص على رفع العقوبات عن طهران مقابل الحد من برنامجها النووي، إلى منع الجمهورية الإسلامية من امتلاك قنبلة نووية.

ويقول ترامب إن الاتفاق النووي الذي يعد أكبر إنجاز في السياسة الخارجية لسلفه باراك أوباما، أخفق في وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ووقف أنشطتها النووية بعد عام 2025، ومنعها من التدخل في حربي اليمن وسوريا.

الاتحاد الأوروبي لم ينجح في وضع إطار قانوني فعال يحمي شركاته داخل إيران للتغلب على الامتداد العالمي للنظام المالي الأميركي وتحدي ترامب

وتقول بريطانيا وفرنسا وألمانيا إن التخلي عن الاتفاق لا يبدد المخاوف الأمنية الأميركية بل ويهدد الاستقرار في الشرق الأوسط. وتنفي إيران اتهامها بالسعي لامتلاك أسلحة نووية.

وأعادت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قطاعات الطاقة والسيارات والمالية الإيرانية على مرحلتين بدءا من أغسطس/آب.

وحاول الاتحاد الأوروبي تحييد العقوبات الأميركية بإجراءات منها مد خطوط مالية معظم تعاملاتها باليورو وسن قانون يجرم التزام المواطنين الأوروبيين بالعقوبات الأميركية.

وقال دبلوماسيون إن هذه الإجراءات لم تطمئن الشركات بأنها ستحظى بحماية من غرامات أميركية أو من مخاطر محتملة على أنشطتها بالولايات المتحدة في حال استمرارها داخل إيران.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية "إذا قررت مباشرة نشاط استثماري مع عدو للولايات المتحدة الأميركية فإنك لن تقدر على القيام به (النشاط) مع الولايات المتحدة. لن تتمكن من الدخول على النظام المالي الأميركي".

ويقول دبلوماسيون أميركيون إن الغضب الذي أظهره الدبلوماسيون الأوروبيون في اجتماعاتهم خلال مايو/أيار مع مسؤولين بالخارجية الأميركية في واشنطن قد تلاشى.

ويقول مبعوثون أميركيون في أوروبا إن الأوروبيين يتقبلون الآن على مضض فشلهم في حماية الاستثمارات الأوروبية في إيران من العقوبات الأميركية.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير "عندما يبدأ أثر العقوبات في الظهور في نهاية العام، فإنها (العقوبات) ستزيد الأمور صعوبة لكن ما سنملكه على الطاولة لن يكون كافيا".

رغم عدم امتلاك الولايات المتحدة للأغلبية في مجلس مديري سويفت إلا أن إدارة ترامب قد تهدد بعقوبات على البنوك المدرجة بالجمعية

إحياء الحرب الباردة

وأجرأ فكرة للمفوضية الأوروبية هي أن تشتري البنوك المركزية الأوروبية النفط الإيراني باليورو مباشرة وتتجاوز النظام المالي الأميركي.

 لكن دبلوماسيين قالا إن الفكرة تواجه حساسية سياسية حتى الآن سواء في البنك المركزي الأوروبي أو في دويتشه بنك.

وفي لوكسمبورغ، رفض بنك الاستثمار الأوروبي وهو ذراع الإقراض بالاتحاد، تقديم قروض لشركات أوروبية في إيران خشية المخاطرة بقدراته على تحصيل الأموال في الأسواق الأميركية.

والآن تعمل برلين وباريس ولندن وبروكسل على نظام مقايضة استخدمته موسكو في السابق خلال الحرب الباردة لمبادلة النفط الإيراني بسلع أوروبية دون حركة أموال وباستخدام شركات تؤسس خصيصا لهذا الغرض.

وقد يروق مثل هذا النظام لدول آسيوية تشتري النفط الإيراني ومنها الهند التي تواصلت مع بروكسل بشأن سبل تفادي العقوبات الأميركية، لكن دبلوماسيين يقولون إن تعقيده يدل على أن القوى الأوروبية تواجه مأزقا.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير طلب عدم نشر اسمه نظرا لسرية المناقشات "إنه معقد للغاية وأعتقد أنه سيعمل بشكل محدود فقط".

وعرض دبلوماسي أوروبي آخر نفس الرأي، قائلا "نأمل أن نحصل على بعض هذه المقترحات بنهاية العام وعندئذ سيكون الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني قد مر وعندها فقط سنرى إن كانت الإجراءات التي يمكننا القيام بها سيكون لها تأثير".

وفي دلالة على وجود معوقات، فقد تغير تركيز الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل ليركز على السعي للتغلب على انطباع أن السياسة الأوروبية أسيرة للخزانة الأميركية.

واقترح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الترويج لليورو كعملة عالمية لتحدي الدولار مما يسمح بتسعير النفط بالعملة الأوروبية الموحدة في الأسواق العالمية، لكن اقتصاديين قالوا إن الصين سعت لدور عالمي لعملتها اليوان على مدار سنوات بلا طائل.

وقال نيكولاس فيرون الخبير الاقتصادي في مؤسسة بروجل البحثية في بروكسل "من الواضح تماما أننا نتحدث عن تغييرات جذرية بطيئة".

شركة مولر ميرسك الدنمركية من ضمن عشرات الشركات التي علقت أنشطتها في إيران متجاهلة التوصيات الأوروبية
شركة مولر ميرسك الدنمركية من ضمن عشرات الشركات التي علقت أنشطتها في إيران متجاهلة التوصيات الأوروبية

سويفت الأوروبية؟

وتجري المفوضية الأوروبية محادثات مع اليابان أيضا لتفادي الإجراءات الأميركية، لكن يبدو أن طوكيو مستعدة لوقف استيراد الخام الإيراني بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول بعدما استبعدت الولايات المتحدة منح أي بلد استثناءات من العقوبات.

في غضون ذلك، تضغط الولايات المتحدة لإخراج إيران من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) التي تقع في بلجيكا وتسهل معظم المعاملات المالية العابرة للحدود في أنحاء العالم كما كان الوضع في عام 2012 قبل الاتفاق النووي.

وقال دبلوماسيون إنه رغم عدم امتلاك الولايات المتحدة للأغلبية في مجلس مديري سويفت إلا أن إدارة ترامب قد تهدد بعقوبات على البنوك المدرجة بالجمعية.

وقال مسؤول فرنسي كبير "إن هددت بأقصى ضغط ثم استبعدت الاستثناءات أو تخفيف موقفك وبدون ثغرات، إذن فالأمر مسألة وقت فقط".

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس دعا في أغسطس/آب إلى إقامة نظام شبيه بسويفت مستقل عن الولايات المتحدة، لكن المسؤولين يقولون إنه مشروع طويل الأجل أيضا ومعقد.

ومن خلال ما وصفه أحد المسؤولين الغربيين "بالتراسل الاستراتيجي" فإن أوروبا تأمل أن يكون سعي الحكومات الدؤوب لاتخاذ إجراءات تحفظ تدفق الاستثمارات الأوروبية إلى طهران دافعا للجمهورية الإسلامية للالتزام ببنود الاتفاق النووي والبعد عن أي عمل طائش.

وقالت سنام فاكيل زميلة مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن "أعتقد أن الرمزية هي أهم شيء في هذه المرحلة".

وأضافت أن برلين وباريس ولندن "لا تملك القوة السياسية والوقت لتقديم أي عرض جاد أو كبير لطهران".