'أوريستي في الموصل' مستوحاة من تراجيديا يونانية

المخرج ميلو راو يتطرق في المسرحية الجديدة الى واقع الموصل في عهد تنظيم الدولة الإسلامية، ويضع العراقيين أمام مواضيع المثلية الجنسية والعداء للنساء.
المسرحية تستعير من الأحداث الراهنة غرق عبارة على نهر دجلة
المخرج يرسخ في الذاكرة عراقة مواقع تاريخية في الموصل
التركيز على المحظورات في زمن 'الخلافة'

بروكسل – كيف نوقف دوامة الانتقام ونسامح؟ يوجه المخرج السويسري ميلو راو دعوة إلى الحضور للتأمل بجرأة بالعنف والحرب في مسرحية تدور أحداثها في مدينة الموصل العراقية التي استعادتها القوات العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية بعد معارك طاحنة استمرت تسعة أشهر.
 "أوريستي في الموصل" بدأ عرضها في غان (بلجيكا) وقد اقتبست عن "أوريستيا" من تأليف إسخيلوس وهي تراجيديا يونانية تروي كيف أن تضحية الملك اغاميمنون بابنته إيفيغينيا تسببت بسلسلة من جرائم القتل.
في الجزء الأخير من هذه الثلاثية القديمة وفي ذروة العنف واراقة الدماء، يقتل أرويستي الابن والدته كليتيمنيسترا وعشيقها. وكان سبق للولدة أن قتلت زوجها اغاميمنون انتقاما لإيفيغينيا.
وتصرفت المسرحية في خاتمة القصة وتقارن وضع اوريستي بـ"قاطعي الرؤوس" في تنظيم الدولة الإسلامية. وقد اصدرت محكمة عفوا عن الأول فيما الباقون لا.
ويوضح ميلو راو أنه فكر في نقل تراجيديا إسخيلوس إلى شمال العراق الذي دمرته الحرب. وقد اختار في العام 2017 الموصل بعدما استعادت القوات العراقية المدينة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة "الخلافة".
ويقول المخرج المولود في برن والبالغ 42 عاما "الموصل مدينة قديمة أثرية وحديثة في الوقت نفسه (…) هذا التوتر أثار اهتمامي كثيرا".
في المسرحية التي عرضت نهاية آذار/مارس في مركز ثقافي في الموصل بمشاركة ممثلين محليين، يضع المخرج أيضا العراقيين أمام مواضيع مثل المثلية الجنسية والعداء للنساء.

مسرحية
نجاح مسرحيته السابقة 'لا روبريز'

وهو يستعير من الأحداث الراهنة ذاكرا حادث غرق عبارة على نهر دجلة كان ركابها يحتفلون بعيد النوروز وعيد الأم.
وقد قضى في هذه الحادثة مئة شخص على الأقل غالبيتهم من النساء والأطفال. وتقول إحدى شخصيات المسرحية "النساء لا يحسن السباحة لأن ذلك ممنوع عليهن".
وتقول إحدى الممثلات في المسرحية البلجيكية مارييكه بينو "الاجتماعي والفني يتجاوران عند ميلو راو. فهو يجرؤ ويجازف ويطرح أسئلة مثيرة للاهتمام".
بنيت الموصل في موقع نينوى عاصمة الاشوريين التي تعتبر مهد البشرية. وهي تضم أيضا مسجد النوري الشهير الذي تنتصب فيه مئذنة "الحدباء" التاريخية والعائد إلى تسعة قرون. وقد فجر الجهاديون هذا المسجد.
هذه المواقع أرادت المسرحية ترسيخها في الذاكرة بفضل مشاهد صورت على الأرض يرافقها سرد مؤثر لشهود مباشرين او غير مباشرين على العظمة السابقة للمدينة.

فتروي إيفيغينيا في المسرحية التي تؤدي دورها الممثلة الألمانية سوزانا عبدالمجيد المولودة من أبوين عراقيين، المدينة التي التقى والداها فيها قبل ثلاثين عاما تقريبا قبل أن يهاجرا إلى ألمانيا.
وفي مشهدين آخرين، يعدد عازف عود ومصور عراقيان المحظورات عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية مسيطرا على المدينة والأخطار التي كانا يتعرضان لها بسبب مهنتهما في "زمن الخلافة".
ويقول راو "لم يتمكن العازفون الذين عملنا معهم من العزف علنا منذ العام 2003" في إشارة إلى الغزو الأميركي للعراق.
وهو يعرب عن أسفه لعدم قدرة الفنانين العراقيين على المجيء إلى أوروبا للمشاركة في العروض بسبب عدم حصولهم على تأشيرات دخول. وهم حضروا من خلال مشاهد مصورة.
والمسرحية من إنتاج مسرح بوخوم (ألمانيا) ومسرح غان الذي يتولى راو إدارته الفنية. وستعرض المسرحية حوالى عشر مرات في هذه المدينة البلجيكية حتى مطلع أيار/مايو. وتنتقل بعدها في 17 أيار/مايو إلى بوخوم ومن ثم إلى النمسا وفرنسا وسويسرا.
ويعد ميلو راو من المخرجين الطليعيين وقد لفت الأنظار الصيف الماضي في مهرجان أفينيون الفرنسي مع مسرحية أخرى لاذعة بعنوان "لا روبريز" حول جريمة قتل عنيفة ذهب ضحيتها شاب مثلي جنسيا في العام 2012 في بلجيكا.