أوهام تركيا على المائدة الاوروبية

أوروبا تعلم جيدا أن علاقتها مع تركيا أردوغان قائمة على محاصرة آثار الابتزاز، لا أكثر.

الجزء الأكبر من تركيا يقع في قارة آسيا. ذلك لم يكن السبب الذي دفع ولا يزال يدفع الاتحاد الأوروبي إلى رفض انضمامها إليه.

الاتراك مسلمون. لا يعني ذلك شيئا بالنسبة للاتحاد الذي لا تتحكم المسيحية بقوانين دوله ولا في حياة مجتمعاته.

دائما كانت هناك إشارة حاسمة إلى سجل تركيا الأسود في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.

عبر السنوات الماضية كشفت تركيا عن عجزها عن تبييض سجلها في ذلك المجال بل انها اضافت أسبابا جديدة جعلته أكثر سوادا.

وهو ما يعني أنها ليست جادة في رغبتها المعلنة في الانتماء إلى الاتحاد، فلو كانت كذلك لعملت على ابطال تلك الحجة عن طريق انهاء ما يبررها.

ولكن تركيا التي تصر على الاستمرار في المطالبة بما تراه حقا لها وهو نيل عضوية الاتحاد الأوروبي لا ترى في تلك الحجة سببا منطقيا يحول بينها وبين الذهاب إلى هدفها.

فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي سبق له وأن ابتز أوروبا بمسألة اللاجئين السوريين ينطلق ذرائعيا من جهة أن على أوروبا أن تسدد الثمن لتركيا لقاء ما قدمته من خدمات تتعلق بالحرب السورية لا يزال الجزء الأكبر منها خفيا وإن كانت كل تلك الخدمات تدخل في مجال دعم الجماعات المسلحة التي كان لها دور كبير في ادامة تلك الحرب.

طبعا أوروبا لا تطرح تلك المسألة على مائدة النقاش. كما أنها تستبعد أن تقوم تركيا بذلك. غير أن ذلك الدور المبهم في أداء تلك المهمة القذرة كان مناسبا من وجهة نظر أوروبا مناسبا لتركيا التي لا يخفي رئيسها نزعته الاخوانية التي لا يرى من خلالها مستقبلا للمنطقة إلا في إطار هيمنة الجماعات الدينية المتشددة.

ما قامت به تركيا في ذلك المجال الذي أُعتبر في ما بعد نشاطا إرهابيا قد حظي في وقته برضا الجميع، بحيث أن سمعة تركيا لم ينلها ضرر ولم يشر أحد إلى علاقتها بدعم الجماعات الإرهابية التي كانت تقاتل داخل الأراضي السورية، غير ان أحدا لا يعرف شيئا عن الحدود التي كان على تركيا أن لا تتجاوزها وتجاوزتها بسبب حماسة رئيسها الذي وجد في المسألة السورية مناسبة لطرح نفسه زعيما شعبويا في منطقة الشرق الأوسط.

سبق لتركيا أن شعرت باليأس من إمكانية قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي الذي سبق له وأن أوحى بأن ذلك الامر هو أشبه بالمستحيل. فلماذا العودة الآن إلى مسألة صارت جزءا من الماضي؟

أعتقد أن اردوغان وجد في مسعى أوروبا لإنقاذ النظام الإيراني من العقوبات الأميركية ما يشجعه على استعادة التفكير في تلك المسألة.

فملف إيران في مجال حقوق الإنسان لا يقل سوادا عن الملف التركي. ومع ذلك فإن أوروبا تعمل جاهدة على حماية نظام شمولي يضطهد شعبه ويجاهر في مشاريعه التوسعية في المنطقة ولا يحظى باحترام المجتمع الدولي.

ربما اساء اردوغان فهم المستوى النفعي الذي تتحرك في إطاره أوروبا في صياغة علاقتها بإيران وسط العصف الأميركي، غير أنه لم يفهم أيضا ذلك المستوى الذي سبق لأوروبا وأن تعاملت بموجبه مع تركيا وهو مستوى هو الآخر يدخل في دائرة النفعية، حيث كانت تركيا مستعدة للقيام بخدمات مدفوعة الثمن.

وقد يظن اردوغان أنه لا يزال يمتلك أوراقا ضاغطة يمكنه من خلالها أن يبتز أوروبا وهو ظن يشاركه الإيرانيون فيه حبن تحدثوا عن إمكانية أن يغرق العالم بالمخدرات والإرهاب إذا ما رفعوا أيديهم. وهو ظن ليس هناك ما يؤكده على مستوى الواقع العملي. ذلك لأنه يقع ضمن سلسلة الأوهام التي لا يقدر أصحابها طبيعة النظام السياسي الأوروبي وعلاقته بالمجتمعات التي يصرف شؤونها.

تركيا مثل إيران سيخيب أملها مرة أخرى في ما تحلم بالحصول عليه من أوروبا التي تفكر أولا في تماسك الغرب وبقائه موحدا قبل أن تراجع سجلات منافعها.