أيام قرطاج المسرحية تحتفي بيوبيلها الفضي
تونس - على وقع الضربات الثلاث كما في المسرح الكلاسيكي، انطلقت السبت فعاليات افتتاح أيام قرطاج المسرحية في دورتها الخامسة والعشرين التي تتخذ شعار "المسرح مقاومة .. الفن حياة"، وذلك بحضور ثلة من أهل المسرح والثقافة والإعلام من تونس ومن دول عربية وأفريقية وأجنبية، وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين بتونس.
وبدأت الأجواء الاحتفالية بشارع بورقيبة قبيل الافتتاح بأداء للعزف والغناء لـ"مجموعة أجراس" بقيادة الأستاذ عادل بوعلاق وسط إقبال جماهيري ملحوظ تعود عليه رواد الشارع في كل الحفلات والمهرجانات التي لا تكاد تفارق وسط المدينة.
وقالت فاطمة الزهراء كمون عضوة "مجموعة أجراس" للموسيقى التي تأسست سنة 1999 وتضم 25 عضوا معظمهم من الشبان أن المجموعة اختارت أن تقدم للجمهور عزفا وغناء لشعراء وفنانين تونسيين وعالميين أهمهم محمود درويش والصغير أولاد احمد ومارسيل خليفة.
وشهدت فضاءات ثقافية بالعاصمة بداية من صبيحة السبت عروضا لمسرح الأطفال الذي توليه هذه الدورة مكانة متميزة منها مسرحية "زهرة الحياة" لطلال أبوطالب بفضاء الفتح ومسرحية "صندوق الذاكرة" لسامي الشارني بفضاء "بي أكتور" (كن ممثلا) و"أرض السر" لفيصل بن محمود بفضاء السنديانة.
وافتتحت الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية بحفل أقيم بالمسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة. وقدمت الممثلة سوسن معالج مشهدا فرديا في البداية رحبت فيه بالحضور قبل بدء فقرات الحفل والكلمات الرسمية لمسؤولي المهرجان.
وأكد مدير أيام قرطاج المسرحية محمد منير العرقي في كلمته على أن هذه الدورة ليست مجرد مناسبة ثقافية، بل هي احتفالية باليوبيل الفضي لهذا الحدث الذي بات من أعرق المهرجانات المسرحية في العالم العربي وأفريقيا، موضحا أن دورة اليوبيل الفضي هذه تعتبر "هدية" لجميع المشاركين والجمهور، خاصة في ظل شعارها الذي يحمل عنوان "المسرح، الإبادة والمقاومة".
وأضاف أن المهرجان لا يقتصر على الاحتفال بالفن، بل هو أيضا دعوة للتضامن مع القضايا الإنسانية حيث يعد المسرح بمثابة سلاح يساهم في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، قائلا "ترفع هذه الدورة قيم الانتصار للقضايا العادلة والحق في الحياة، ونشر ثقافة العقول المستنيرة ضد الإبادة، وتدعونا إلى المقاومة ثم المقاومة، لذلك اخترنا أن يكون موضوع الندوة الدولية.. المسرح والإبادة والمقاومة، نحو أفق إنسي جديد"، مؤكدا على موقف المهرجان الثابت في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، والدفاع عن حقوقها وأراضيها، لافتا إلى أن هذه المناسبة تحمل في طياتها رسائل قوية عن التضامن مع القضايا الإنسانية.
وشدد على أن كافة الفعاليات التي ستتم خلال الأيام المقبلة من عروض مسرحية وندوات ونقاشات ستكون مرتكزة على دعم الحق في الحياة وفي التعبير وفي التغيير.
وتابع أن برنامج هذا العام يتضمن عروضا رسمية، فضلا عن عروض خارج المسابقة من تونس والعالم العربي وأفريقيا والعالم، حيث تمت دعوة مسارح مقاومة من فنزويلا والبرازيل مع الانفتاح على آسيا من خلال دعوة المسرح الصيني، مشيرا إلى أن أيام قرطاج المسرحية الممتدة حتى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تحتفي أيضا بالمسرح السوري وتتوج وتكرم عددا من رموزه.
واعتلى المغني الفلسطيني شادي زقطان الركح معانقا غيتاره، فغنى للإنسان وللحرية والعدالة الكونية. كما تم تكريم مجموعة عيون الكلام الموسيقية الملتزمة بقيادة خميس البحري.
وقدمت مجموعة "بابا روني" لفنون السيرك عرضا مقتضبا بعنوان "أطفال من العالم" وتضمن مشاهد من الحياة في فترة السلام ثم طمستها الحرب، لينتهي هذا المشهد المسرحي بالفرح والسلام والحب.
وكرمت إدارة أيام قرطاج المسرحية عددا من الشخصيات الراحلة وهم عبدالمجيد جمعة ومراد كروت والسعدي الزيداني وعبدالحق خمير وعبدالعزيز بالقايد حسين ومحجوبة بن سعد ومحمد مورالي وكذلك الفنان الموسيقي الفقيد ياسر الجرادي. كما شمل التكريم عددا من الوجوه المسرحية والتلفزيونية التونسية وهم آمال بكوش ووجيهة الجندوبي ومقداد الصالحي ويحيى الفايدي وفاطمة البحري ومنير بن يوسف ومحمد المديوني، إضافة إلى مجموعة عيون الكلام الموسيقية والممثل السوري ممدوح الأطرش والكاتب المسرحي السعودي سامي الجمعان.
وتميز حفل الافتتاح الذي أخرجه الفنان المسرحي غازي الزغباني بمجموعة من العناصر السينوغرافية التي ترمز إلى الطاقة والإيجابية والتفاؤل، حيث ارتبطت الألوان بالمرح والحياة والحماس والعاطفة والشغف والحب، وتزينت السينوغرافيا والديكور بالمعلقة الرسمية لهذه الدورة وهي حبلى بمقاصد بالتفكير والإبداع، وبلونها الأخضر الذي يرمز إلى الطبيعة والحياة والتجديد والنمو والأمل، واكتست المعلقة بالزهور بما هي رمز للجمال والأنوثة والخصوبة وهي رمز عالمي للفن والإبداع وتدل على الأجواء الاحتفالية والمرحة. أما الطائر الذي يرفرف، فهو رمز إلى الحرية والإبداع والارتقاء.
وإثر عرض الافتتاح الرسمي في المسرح البلدي، كان لضيوف الدورة ولجمهور الفن الرابع موعد في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، مع عرض مسرحي من جمهورية الصين الشعبية حمل عنوان "عودة النجم"، من تصميم وإخراج ليمي بونيفاسيو الذي يعمل منذ أكثر من ثلاثين عاما على التعريف بثقافة مجتمعات السكان الأصليين حول العالم. وهذا العرض يعد الأول عالميا لهذا العمل المسرحي بعد أن تم تقديمه لأول مرة في الصين في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وأشاد المؤلف والمخرج المسرحي الليبي توفيق قادربوه المشارك بعرض "نجع الغيلان" بحفل الافتتاح معبرا عن سعادته بمشاركته الأولى "في أعرق المهرجانات العربية والأفريقية"، قائلا لرويترز "رغم أن المسرح حديث العهد في ليبيا إلا أن العمل فرض نفسه وضمن مشاركة في هذه الدورة المميزة".
وأكد على أهمية طرح ما عاشته الشعوب قبل وبعد الحرب من خلال خشبة المسرح وعبر تصور فني نابع من الواقع.
وأعرب الممثل التونسي عبدالمنعم شويات عن سعادته بالحضور العربي والأفريقي الواسع للافتتاح، قائلا "لا أستغرب هذا العدد الكبير من الحضور بالنظر إلى عراقة هذا المهرجان وأهميته في الحياة الثقافية".
وتعد دورة 2024 استثنائية على صعيد المشاركات الدولية، حيث سيكون لجمهور الفن الرابع موعد مع 125 عرضا من 32 بلدا من مختلف القارات. وتشمل العروض 12 عرضا في المسابقة الرسمية من تونس ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والأردن والإمارات والمغرب وقطر وبنين والسنغال، و35 عرضا في الأقسام الموازية، بالإضافة إلى 13 عرضا في قسم مسرح العالم، وعرضين في تعبيرات مسرحية في المهجر و10 عروض موجهة للطفل و4 عروض في مسرح الإدماج، إلى جانب 11 عرضا في مسرح الحرية الذي يخصص لنزلاء السجون.
وتشارك تونس في المسابقة الرسمية بعرضين: الأول هو "رقصة سماء" من تأليف وإخراج الطاهر عيسى بن العربي، وهو من إنتاج المسرح الوطني التونسي بالتعاون مع مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف ومركز الفنون الدرامية والركحية بزغوان. أما العرض الثاني، فهو "البخارة" للمخرج الصادق الطرابلسي الذي فاز مؤخرا بجائزتي "العمل المتكامل" و"أفضل نص" في الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع".
ويتنافس هذان العملان مع مجموعة من المسرحيات من دول عربية وأجنبية هي "العاشق" من فلسطين و"اثنين بالليل" من لبنان و"بيت أبو عبد الله" من العراق و"لافيكتوريا" من المغرب. وتشارك مصر بمسرحية "لعبة النهاية" وقطر بمسرحية "بين قلبين" والإمارات العربية المتحدة بمسرحية "كيف نسامحنا" والأردن بمسرحية "يا طالعين الجبل". أما العرضين الأفريقيين في المسابقة، فهما "طبيب بعد الموت" من السينغال و"منطقة حرة" من البنين.
والأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية تنافس على جوائز التانيت الذهبي والتانيت الفضي والتانيت البرونزي، بالإضافة إلى جوائز أفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل نص وأفضل سينوغرافيا. ويترأس لجنة التحكيم هذا العام الأستاذ محمد المديوني من تونس، وتضم اللجنة في عضويتها كلا من حسن كاسي كوياتي (بوركينا فاسو) وخزعل الماجدي (العراق) ورائدة طه (فلسطين) وحلا عمران (سوريا) وياسين العوني (تونس).
وتنتظم ضمن فعاليات المهرجان، ندوة دولية فكرية تحت عنوان "المسرح والإبادة والمقاومة: نحو أفق إنسي جديد"، وهي ندوة تهدف إلى مناقشة دور المسرح في مقاومة الحروب والظلم. كما تنتظم مائدة مستديرة بعنوان "مسرح الإدماج: التعبير والعلاج"، إلى جانب ورشات عمل عديدة في مختلف مجالات المسرح. ومن بين هذه الورشات "الممثل وقرينه" بإشراف الفاضل الجعايبي وورشة "كيف نكتب للحرب" بإشراف محمد قاسمي وورشة "فن الممثل" بإشراف تيم سابل وورشة "الميم والبانتومايم" بإشراف خالد بوزيد وورشة "الأداء كموضوع للمسرح" بإشراف إيغور فلاديميروفيتش ياتسكو وورشة "الموسيقى والجسد" بإشراف كريم الثليبي.
وضمن ركن "قراءات مسرحية"، سيتم تقديم قراءة لنصوص كاتب ياسين ومحمد قاسمي، وسيتم تقديم كتابين مهمين في المجال المسرحي: "استقراءات ركحية" للكاتب أنور الشعافي و"الأعمال الكاملة: نصا وإخراجا" للكاتب حمادي المزي. كما ينظم المهرجان معرضا وثائقيا للفنان الراحل علي بن عياد بإشراف محمد المي.
وتحتفي هذه الدورة بالمسرح السوري الذي يعد جزءا أساسيا من رصيد المسرح العربي، وهو الذي أسهم في إثراء الثقافة المسرحية العربية من خلال العديد من النصوص المسرحية التي استطاعت أن تجد طريقها إلى خشبات المسارح العربية والعالمية.