اسرائيل توظف حادثًا فرديًا في تونس لإثارة ملف الجالية اليهودية

ادانات واسعة لتدخل وزير الخارجية الإسرائيلي في الشأن التونسي عبر دعوته لحماية اليهود في جربة خصوصًا أن المعطيات الأولية حول حادث الاعتداء على يهودي لا تشير إلى وجود دوافع دينية أو سياسية.

تونس/القدس - أثار تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بشأن حادث اعتداء استهدف تاجر مجوهرات تونسي من الديانة اليهودية في جزيرة جربة موجة من الجدل حول ما اعتُبر تدخلاً غير مبرر في الشأن التونسي الداخلي، في وقت لم تتضح فيه بعد خلفيات الحادث أو طبيعته، سواء كانت جنائية، دينية، أو ذات دوافع أخرى.
وفي تغريدة نشرها على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، عبّر ساعر عن "إدانته الشديدة للهجوم"، داعيًا السلطات التونسية إلى "اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية الجالية اليهودية في البلاد". وربط الوزير الإسرائيلي الحادث بما وصفه بسجل من "الاعتداءات" السابقة على اليهود في تونس، مشيرًا تحديدًا إلى الهجوم الذي وقع عام 2023 خلال احتفالات في جربة، وأسفر عن مقتل عدد من الأشخاص بينهم يهود وأفراد من قوات الأمن.

لكن تصريح ساعر قوبل بتساؤلات في الأوساط التونسية، خصوصًا أن المعطيات الأولية حول الحادث الأخير لا تشير إلى وجود دوافع دينية أو سياسية واضحة، بل تتحدث عن خلاف شخصي بين المعتدى عليه، وهو تاجر يهودي يُدعى "إلياهو"، وأحد سكان جزيرة جربة يُدعى "يوسف ي."، يملك محل صياغة مجاورًا. وتشير مصادر أمنية محلية إلى أن الخلاف تطور إلى عراك استُخدمت فيه آلة حادة، ما أدى إلى إصابة التاجر بجروح طفيفة في مرفق اليد.
ونددت النائبة فاطمة المسدي بالتدخلات الإسرائيلية قائلة في تدوينة عبر صفحتها الرسمية على الفايسبوك موجهة كلامها لساعر " من الغريب أن تذكّرتم اليوم القيم الإنسانية، وأنتم تصمتون على موت آلاف الفلسطينيين جوعًا تحت الحصار، وأصحاب الأرض يُقتَلون بلا ماء ولا دواء ولا مأوى. كفاكم متاجرة بآلام الشعوب، وتوظيفًا سياسيًا لقضايا إنسانية لا تمتّ إليكم بصلة.
وتابعت "ما حدث في جزيرة جربة شأن تونسي داخلي، تتولى مؤسسات الدولة معالجته، ولن نقبل بأن يتحدث أحد باسم التونسيين، لا في جربة ولا في غيرها".

ورغم أن التحقيقات ما زالت جارية، لم تصدر أي جهة رسمية تونسية حتى الآن بلاغًا يُصنف الحادث كجريمة كراهية أو اعتداء على خلفية دينية. وبحسب معطيات أمنية مسربة، فقد تم احتواء الموقف سريعًا ونُقل الطرفان إلى مقر الأمن الوطني، حيث وُصف الوضع بالسيطرة عليه، دون أي مؤشرات على دوافع تتجاوز الخلاف الشخصي.
من جهتها، روت بعض المصادر المرتبطة بالجالية اليهودية روايات متفاوتة للحادث، منها ما أفاد بأن المعتدي قام قبل يوم بجولة بين المحلات في المنطقة، وسأل عن هوية أصحابها الدينية، ثم عاد في اليوم الموالي حاملاً سكينًا، وهو ما يزيد من ضبابية دوافعه. وتم تداول مقطع فيديو يُظهر لحظات الاعتداء، إلا أنه لم يُوثق بعد بشكل رسمي.
ويأتي هذا الحادث في وقت تُبدي فيه إسرائيل اهتمامًا متزايدًا بالجاليات اليهودية في شمال إفريقيا، وخصوصًا في تونس، حيث يعيش جزء من أقدم الجاليات اليهودية في العالم الإسلامي. إلا أن مراقبين تونسيين اعتبروا أن تصريحات المسؤول الإسرائيلي توظف الحادث في سياق سياسي يتجاوز الحرص على أمن الأفراد، خصوصًا أن السلطات التونسية لم تُظهر أي تراخٍ في التعامل مع الحادث، بل تحركت سريعًا لضبط الموقف وفتح تحقيق.
ويحذر بعض المراقبين من توظيف قضايا الأقليات الدينية لتبرير تدخلات سياسية خارجية أو الضغط على الحكومات المحلية، مؤكدين على أن حماية الجاليات هو شأن سيادي داخلي لا يحتمل المزايدة أو الاستغلال. وتُعرف جزيرة جربة تاريخيًا بتعددها الديني والتعايش بين مكوناتها، وهو ما شددت عليه أصوات تونسية دعت إلى عدم تسييس الحادث قبل استكمال التحقيقات.