إسرائيل في نادي الدول المريضة

من يعالج المريض الإسرائيلي؟ لا وجود لعلاج في غياب إدارة أميركيّة تكتفي باتخاذ مواقف شفهية من تصرفات "بيبي" ووزرائه.

تشير استطلاعات للرأي بثتها وسائل اعلام إسرائيلية إلى أنّه في حال حصول انتخابات نيابيّة الآن، لن يتمكن التحالف اليميني بقيادة بنيامين نتانياهو من البقاء في السلطة. سيحصل هذا التحالف على 54 مقعدا في الكنسيت التي تضمّ 120 عضوا، في حين لديه في الوقت الحاضر أكثرية من 64 مقعدا.

في المقابل، سيتمكن بني غانتس، وهو رئيس سابق للأركان يتزعّم حاليا حزبا وسطيا (الوحدة الوطنيّة) من تشكيل حكومة وذلك بغض النظر عن حصوله على دعم أحزاب عربيّة أم لا.

تبقى الإستطلاعات مجرّد استطلاعات ما دام لا مجال لترجمتها على أرض الواقع واحداث تغيير في الداخل الإسرائيلي. من الواضح أنّ المجتمع الإسرائيلي سيبقى في اكثريته، وإن بعد فوات الأوان، معارضا لما يقوم به "بيبي" نتانياهو الذي سيحاول فرض اجندته التي تقوم على انقاذ مستقبله السياسي بدل الذهاب إلى السجن بسبب فساده كما حصل مع رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت. انضمت إسرائيل في عهد بنيامين نتانياهو إلى نادي الدول المريضة في المنطقة على غرار ما هي عليه سوريا ولبنان... والعراق. فضّل "بيبي" تحويل إسرائيل إلى دولة مريضة وتفويت كلّ فرصة متاحة من أجل حصول تغيير أساسي على صعيد استقرار الشرق الأوسط والخليج وصولا إلى شمال افريقيا.

تعاني إسرائيل في الوقت الحاضر من سقوطها في اسر الأحزاب اليمينيّة التي من دونها سيذهب "بيبي"، الملاحق قضائيا في قضايا فساد، إلى السجن. يفسّر ذلك إصراره على الإصلاح القضائي كي تصبح السلطة القضائية في تصرّف السلطة التنفيذية، أي الحكومة. هذا امر مخالف لأبسط القواعد في الدول التي تسمّي نفسها ديموقراطيّة.

تكمن المشكلة في أنّ لا مجال، في المدى المنظور، لإنتخابات جديدة في إسرائيل تعبّر عن نتائج الإستطلاعات الأخيرة للرأي العام. سيبقى "بيبي" في موقعه بغض النظر عما سيحصل على الأرض. سيكون هناك جمود، بل تدهور إن على الصعيد الداخلي في إسرائيل نفسها وإن على صعيد العلاقة بالفلسطينيين الذين لا مجال لتذويبهم كشعب موجود على خريطة المنطقة... وإن في مجال التعاون الإقليمي والعلاقة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة جو بايدن. ليس ما يشير إلى أي حماسة لدى الإدارة الأميركيّة للتعاطي الإيجابي مع حكومة نتانياهو والتنسيق معها. إلى اشعار آخر، يرفض بايدن استقبال "بيبي" في البيت الأبيض.

في غياب احتمال تغيير الحكومة الإسرائيلية، سيبقى التوازن في الكنيست على حاله وستبقى حكومة اليمين متماسكة. هناك رهان إسرائيلي على الوقت. ستمرّر الحكومة الإصلاح القضائي على الرغم من التظاهرات المستمرّة منذ مطلع هذه السنة. سيستمر الإستيطان من أجل قطع الطريق على خيار الدولتين نهائيا. ستبقى العلاقات مع واشنطن متأزّمة وسيبقى رهان "بيبي" على عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات المتوقعة في تشرين الثاني – نوفمبر 2024. لكن السؤال أي جمهوريين سيعودون إلى البيت الأبيض في حال وجود عقبات قانونيّة امام ترشيح دونالد ترامب نفسه في ضوء المتاعب التي يواجهها مع القضاء الأميركي.

لا يستطيع "بيبي"، الذي لا يمتلك أي صفات قياديّة، الخروج من تحت عباءة اليمين المتطرف. لدى هذا اليمين المتطرف القدرة على اسقاط الحكومة ساعة يشاء. من هذا المنطلق يبتزّه وزراء مثل ايتمار بن غفير أو بتسلئيل سموتريتش لا يعترفان بوجود شعب فلسطيني ويعتقدان أنّ في استطاعتهما القضاء على أي تطلعات لهذا الشعب. وصل الأمر بسموتريتش، وزير المال، إلى القول في باريس في آذار – مارس الماضي أن الشعب الفلسطيني "اختراع حديث" عمره مئة سنة!

تعبّر الحكومة عن الأزمة العميقة التي تعيش في ظلها إسرائيل التي باتت معزولة إقليميا أكثر من أي وقت. المؤسف غياب الإستراتيجية الفلسطينيّة التي تسمح بالإستفادة من هذه العزلة. على العكس من ذلك، يلعب الإنقسام الفلسطيني دوره في جعل العالم يتفرّج على ما ترتكبه اسرائيل من مجازر بين حين وآخر كما حصل في مخيّم جنين.

تؤدي "حماس" منذ نشأتها الدور المطلوب منها إسرائيليا. متى تعجز عن ذلك، تلجأ إلى "حركة الجهاد الإسلامي" التي تطلق الصواريخ عنها بغية تقديم صورة مرفوضة من العالم عن الشعب الفلسطيني بصفة كونه شعبا يرفض أي سلام من أي نوع...

في غياب القيادة السياسية في إسرائيل، توجد فوضى فلسطينية ليس بعدها فوضي بعدما فقدت السلطة الوطنيّة مبرّر وجودها. لم يعد من طموح لدى حكومة "بيبي" غير تحويل هذه السلطة إلى تابع لها. من أجل تعويم السلطة، قدمت الحكومة الإسرائيلية سلسلة مطالب يستحيل على أي فلسطيني القبول بها. بكلام أوضح، عجز اليمين الإسرائيلي عن فهم معنى وجود شعب فلسطيني لديه مكانه على خريطة المنطقة وذلك بغض النظر عن رداءة السلطة الوطنيّة وتركيز رئيسها محمود عبّاس (أبو مازن) على استبعاد الكفاءات عن مركز القرار. حصر "ابومازن" كل القرارات، بما في ذلك قرار البقاء رئيسا إلى الأبد في شخصه. هل من خدمة تقدّم إلى إسرائيل وحكومة اليمين افضل من هذه الخدمة؟

من يعالج المريض الإسرائيلي؟ لا وجود لعلاج في غياب إدارة أميركيّة تكتفي باتخاذ مواقف شفهية من تصرفات "بيبي" ووزرائه. مثلما هناك غياب للقيادة في إسرائيل ومثلما هناك فوضى فلسطينية على كلّ المستويات، هناك متفرّج أميركي لا يعرف ما الذي يريده.

في ظلّ هذا المشهد، من الطبيعي لجوء "الجمهوريّة الإسلاميّة" إلى تحدي إدارة جو بايدن حيثما استطاعت ذلك. لا شكّ أن إيران تسعى إلى عقد صفقة مع "الشيطان الأكبر" من منطلق أنّها القوة المهيمنة في الخليج والشرق الأوسط وأن ليس من يستطيع الوقوف في وجهها. هل هذا صحيح أم لا؟ وحدها الأيام الآتية ستكشف ما إذا كان لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" القدرة على الإستفادة إقليميا من وجود المريض الإسرائيلي!