إسلاميو تركيا.. لم يهزموا كمال أتاتورك

مع الاستياء من القرارات الاستبدادية التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية، بدأ الكثير من الأتراك يتذكرون أتاتورك كرمز للحياة العصرية. وبالمثل فإن افتقار الإسلاميين شبه الكامل للحياة الثقافية زاد الشوق إلى أيام أتاتورك الذي ينظر إليه كثيراً على أنه رجل مثقف وأنيق.

بقلم: غوكهان باجيك

دائما ما تكون الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كمال أتاتورك في العاشر من نوفمبر مصحوبة بتجدد الجدل حول مؤسس الجمهورية التركية. وغالباً ما يتركز النقاش حول الكيفية التي ينظر بها الإسلاميون في تركيا - بما في ذلك حزب العدالة والتنمية - إلى هذه الشخصية العلمانية الشهيرة.

ليست مفاجأة أن الإسلاميين في تركيا بوجه عام ينظرون إلى أتاتورك نظرة سلبية كزعيم إصلاحي قوض دور الدين في تركيا. لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير؛ فهناك أربعة نماذج مختلفة تشكل وجهة نظر الإسلاميين في أتاتورك.

أول هذه النماذج هو الرأي الديني الروحاني الذي ينظر إلى أتاتورك على أنه رجل ساقته الأقدار ليتولى مهمة الاعتداء على الإسلام. وربما يكون نَعْت مؤسس الجمهورية التركية باسم "أتاتورك الدجال" يشكل منظوراً يحث المسلمين على كراهية الرجل لأسباب عقائدية؛ فالمسيح الدجال عند المسلمين، هو الشخص الذي ينذر قدومه باقتراب الساعة. وسعيد النورسي مؤسس حركة نورجو هو أحد الرواد الذين يمثلون هذا الفكر الديني تجاه أتاتورك.

ووجهة النظر هذه، التي قد تبدو سخيفة في رأي العلمانيين، لها أصولها في الأفكار الأخروية المتأصلة لدى المسلمين، والتي تؤمن بأن البشرية في فترة ما قبل قيام الساعة. وكما هو الحال مع بعض الجماعات الإنجيلية في الولايات المتحدة، يعتقد الكثير من الجماعات الإسلامية في أن البشرية تعيش هذه الفترة السابقة على قيام الساعة، وهو ما يسمح لهم بالحديث عن أنفسهم وعن أعمالهم وأعدائهم بطريقة خاصة جداً.

بالتالي، فإن الجماعات الإسلامية تعتقد أنها تتحلى وزعماؤها - ومنافسوها في واقع الأمر - بسمات دينية خاصة تتلاءم مع الظروف الخاصة التي تتسم بها الأيام الأخيرة للبشرية.

ويمكننا أن نرى أثر عقلية الأيام الأخيرة في العداء بين حركة غولن وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، حيث يصف كل طرف منهما زعيم الطرف الآخر بأنه المسيح الدجال. ومن السهل أن نجد الكثير من المواد الأدبية من هذا النوع بالقليل من البحث على شبكة الإنترنت.

النموذج الثاني هو الانتقاد الديني العقلاني لأتاتورك، والذي يتميز بأن الإسلاميين يستندون في استنكارهم لإرث أتاتورك الإنساني على معايير أكثر موضوعية مما يستند إليها أتباع النموذج الأول.

في هذا النموذج، يُنتَقَد أتاتورك بسبب إصلاحاته المختلفة التي أدت إلى تقلص دور الإسلام في المجتمع. وعلى عكس النموذج الديني الروحاني، يركز هذا الرأي على النتائج المختلفة للإصلاحات الأتاتوركية، والتي تُستَنكَر على فرضية أنها تسببت في انحلال أخلاقي وثقافي.

أما النموذج الثالث، فيوظف مختلف نظريات المؤامرة في انتقاد أتاتورك - تارة يقول أحدهم إن أتاتورك كان عميلاً بريطانياً، وتارة يصوره آخر على أنه وأمه يهوديان يكتمان حقيقة ديانتهما. ومن بين الكتاب المعروفين بأنهم يمثلون هذا النموذج عبد الرحمن ديليباك وقدير مصر أوغلي.

نظريات المؤامرة هذه تميل إلى أن تكون أكثر تأثيراً بين الشباب المعرضين للتعاملات الاجتماعية مع إسلاميين في المدارس الثانوية والسنوات الأولى للدراسة الجامعية.

والنموذج الرابع هو منظور سياسي عقلاني ينتقد ميراث أتاتورك على أساس الأثر السلبي الذي لحق بالحياة الثقافية والسياسية في تركيا نتيجة لإصلاحات أجراها مثل إدخال الأبجدية الرومانية على اللغة التركية.

بدلاً من التركيز على شخصية أتاتورك، ينتقد هذا النهج إرثه السياسي والثقافي. ويهدف هذا النهج إلى إثبات أن مختلف الإصلاحات الأتاتوركية قوضت السياسة والمجتمع في تركيا، مستعينا في ذلك بمختلف الحجج المنطقية.

تلخص النماذج الأربعة آراء الإسلاميين بشأن أتاتورك والتي تتأرجح بين هذا وذاك وفق التوجهات السياسية والثقافية. وليس سراً أن الجماعات الإسلامية التركية تسعى إلى التخلص من ميراث أتاتورك؛ وتظهر حكومة تركيا الحالية أنها حققت تقدماً كبيراً في هذه المهمة.

لكن ما زال يبدو أن تطوراً في الآونة الأخيرة يربك الإسلاميين، وهو أن أتاتورك صار في الآونة الأخيرة رمزاً شعبياً للحداثة والتقدم.

فمع الاستياء من القرارات الاستبدادية التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية، بدأ الكثير من الأتراك يتذكرون أتاتورك كرمز للحياة العصرية. وبالمثل، فإن افتقار الإسلاميين شبه الكامل للحياة الثقافية زاد الشوق إلى أيام أتاتورك، الذي ينظر إليه كثيراً على أنه رجل مثقف وأنيق.

وحتى الشباب من الأسر المحافظة، يبدو هذا الفكر الجديد جاذباً لهم. نتيجة لهذا، فإن الترحم على أيام أتاتورك صار وسيلة للاحتجاج على النظام الحالي.

واليوم، صار نشر صورة لأتاتورك على وسائل التواصل الاجتماعي انتقاداً واضحاً لحزب العدالة والتنمية، حتى إذا كان المنشور غير مصحوب بأي تعليق مكتوب، على الرغم من أن مكانة أتاتورك تعطي قدراً من الحصانة.

ومن المثير للاهتمام أن الولع بأتاتورك في الآونة الأخيرة جعل منه رمزاً للاحتجاج المدني؛ وهذه مفارقة بالنظر إلى أن أتاتورك نفسه ظل لزمن طويل يُنظَر إليه على أنه مستبد بعض الشيء وأنه عمل في إطار عسكري.

نشر في أحوال تركية
"ربما هزم إسلاميو تركيا الكماليةَ لكن لم يهزموا أتاتورك"