إشكالية التيارات السياسية.. الإسلامية!

التيار الإسلامي يتحمل مسؤولية إبعاده عفواً وقسراً عن السلطة بسبب أخطاء واعتقادات فادحة أضرت بالمجتمع.

بقلم: صدقة يحيى فاضل

 غالبية المراقبين السياسيين العالميين، الذين يهتمون بالمنطقة العربية، ويكتبون عنها وعن أوضاعها السياسية، يقولون إن: «الغالبية» النسبية في معظم البلاد العربية، بل وحتى الإسلامية، تميل (كثيرا) إلى التيار الإسلامي المعتدل. وربما يلي ذلك: التيار الوطني الليبرالي، المعتدل أيضا. وقد خلصوا لهذا الاستنتاج بعد أبحاث ودراسات من أرض الواقع. ويظهر أن تلك الغالبية جبلت على هذا الميل لأسباب عقائدية وتاريخية معروفة، رغم أن هذا التيار لم يجرب بما فيه الكفاية. فمنذ فجر العصر الحديث لم يتح للتيار السياسي الإسلامي، في معظم -وليس كل- البلاد العربية، أن ينال عبر صناديق الاقتراع والاختيار هذا التأييد الشعبي (المتوقع).

قد يلام خصوم هذا التيار، لأنهم يسدون الطرق، ويحجبون السبل؛ للحيلولة دون تمكن هذا التيار، أو حتى غيره من الوصول إلى السلطة. هذا من ناحية، ولكن -ومن ناحية أخرى أهم- نجد أن: التيار الإسلامي -في أكثر البلاد العربية والإسلامية- يتحمل (بصفة عامة) معظم مسؤولية إبعاده -عفوا وقسرا- عن السلطة، بسبب «أخطاء» واعتقادات بعض المنسوبين إلى هذا التيار الفادحة، والتي من أبرزها:

  •  رفض هذا البعض للديموقراطية، والمشاركة السياسية المطبقة في شتى أنحاء الأرض. وبعض من ينتمون إلى هذه الجماعات أعلنوها صراحة بأنهم، وبمجرد وصولهم إلى السلطة، سيلغون هذا الشيء الذي اسمه الديموقراطية.. ولكن لا بأس أن يصلوا إلى السلطة عن طريقها!2- سوء فهم وتفسير المفاهيم السياسية الأهم، وفي مقدمتها: الحرية، العدالة، المساواة، والديموقراطية... إلخ.
  • اعتبار البعض «دستور» الدولة شيئا لا لزوم له، والوقوف ضد «التقنين» بصفة عامة.
  • عدم وجود مشروع سياسي إسلامي.. لتطبيق الشريعة الإسلامية بحق، في إطار الآلية الديموقراطية (أو الشورية) تطبيقا عصريا.
  • الجهل بتكوين «الحكومة» وسلطاتها، وحتمية كونها عبارة عن: سلطات ثلاث، شبه مستقلة (التشريع، التنفيذ، والقضاء)، وكذلك عدم فهم ضرورة المؤسسات السياسية غير الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى الناجم من اعتقادهم أن الزمن يقف عند «العصور الوسطى».
  •  تجاهل حقوق (وميول) التيارات الأخرى، وتسفيه مبادئها (أو تكفيرها).. والميل للحجر عليها ما أمكن.
  • النظر للمرأة نظرة دونية، لا تخلو من الاستخفاف بها وبحقوقها.
  • التحجر ورفض كل أشكال الترفيه البريء.

مما أصبح معروفا في الشق النظري -على الأقل- من أدبيات جانب من منسوبي التيار الإسلامي التقليدي المعاصر.

وكانت حركة (حزب) «طالبان» الأفغانية -وما زالت- مثالا حيا لارتكاب هذه الأخطاء، وللتطرف الأعمى، ونموذجا معروفا للتحجر باسم الدين والتدين، إذ مارست خلال سنوات حكمها لأفغانستان كل صنوف التشدد والتخبط.. الذي أدى -في ما بعد- إلى سقوطها غير مأسوف عليها من قبل غالبية الشعب الأفغاني أولا، ومعظم العالم ثانيا.

إن هذه الوضعية تمثل صعوبة بالغة في حركة النهوض والتغيير الإيجابي، إذ تعرقل عملية الإصلاح والتطبيع السياسي. كما أن هذه الوضعية تفرض مسؤولية فكرية تاريخية كبرى على كاهل العلماء والمفكرين وقادة التيارات الإسلامية المعتدلة، إذ على هؤلاء أن يوضحوا جوهر الإسلام الصحيح، الصالح لكل عصر، ويبينوا ضرر وفساد الجمود والتحجر والتطرف، والإقصاء والشمولية. وعلى التيارات السياسية الإسلامية أن تثبت بالفعل قبولها لمبدأ تداول السلطة، وأن تبرهن بأن وصول «الإسلاميين» إلى السلطة لا يعنى كارثة سياسية.. يمكن أن تنفر الناس (مستقبلا) من هذا التيار في البلاد المتواجدين فيها. فلكي تنجح هذه التيارات في هذا الامتحان المصيري، وتستمر ككيانات مؤثرة في مجتمعاتها، عليها أن: تتلافى هذه الأخطاء والاعتقادات المجنحة، وتؤكد على تمسكها بخيار المشاركة، ونبذ الشمولية والاستبداد، هذا داخليا. أما على المستوى الدولي، فإن عليها أن تظهر للعالم أن: الإسلام ينبذ العنف، ويدعو للسلام والأمن، ولا يقر استخدام القوة إلا في حدود ضيقة معروفة، كما أن عليها أن تقرأ الواقع المحلي والإقليمي والعالمي قراءة صحيحة وسليمة.. لا قراءة عاطفية هوجاء، وأن تقبل الدفع بالتي هي أحسن، ما أمكن.

نُشر في عكاظ السعودية