إطلاق النسخة العربية لموسوعة تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية

الموسوعة ترصد مسيرة التبادلات الثقافية والأدبية منذ القدم بين الحضارتين الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي.
حسين إبراهيم: من أوائل المترجمات عن العربية كانت في عام 1890، حيث ترجم ما آن لى "البردة" للبوصيري
الموسوعة تسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية، ورحلة التبادلات بين الأدباء العرب والصينيين

تم تدشين موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" والتي قام بتأليفها الأساتذة الصينون تشي بو هاو، ودينغ شو هونغ، وتسونغ شياو فاي، الذين نجحوا في إظهار عمق التبادلات الأدبية والثقافية بين الصين والدول العربية، وهو ما يبشر بمستقبل مشرق في العلاقات بين الجانبين. 
ولقد بدأ ترجمة موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" إلى اللغة العربية المستشار الثقافي المصري السابق في بكين د. حسين إبراهيم بالمشاركة مع د. نجاح احمد عبداللطيف في عام 2016 الذي صادف عام التبادل الثقافي المصري الصيني، حيث شهد حفل توقيع مخرجات حقوق النشر للنسخة العربية للموسوعة، وبعد ثلاث سنوات تم إطلاق الموسوعة بنسختها العربية، وشارك في نشر هذا العمل الذي يورّث ويرسخ لروح التعاون والتبادل على طول طريق الحرير ويبني لمستقبل المصير المشترك للبشرية، كل من مؤسسة دار نشر شاندونغ التعليمية، ومؤسسة دار الحكمة للاستثمار الثقافي والنشر، ومؤسسة منشورات ضفاف، ومؤسسة منشورات الاختلاف، ومؤسسة دار الأمان للنشر والتوزيع. 
ترصد موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" مسيرة التبادلات الثقافية والأدبية منذ القدم بين الحضارتين الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي، كما تسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية، ورحلة التبادلات بين الأدباء العرب والصينيين والأحداث التاريخية التي واكبت محطات حركة التبادلات الأدبية بين الجانبين. كما ترصد التاريخ الطويل للأمة العربية في التواصل التجاري والثقافي والأدبي مع الصين، حيث عرفت الصين العرب منذ القرن الثاني قبل الميلاد مع رحلة المبعوث الصيني تشانغ تشيان إلى الغرب في عصر الإمبراطور هان وو دي، ثم عبر طريق الحرير البري القديم وطريق الحرير البحري "طريق التوابل" اللذين شهدا تدفقا للتجار العرب على الصين لتنتعش التبادلات الثقافية والأدبية إلى جانب التجارية بين الجانبين يوما بعد يوم.

تراجم مصر ولبنان وسوريا والعراق للأدب الصيني ودراساتها فيه كثيرة نسبيا وجيدة إلى حد كبير، أما في سائر الدول العربية فالأمر ليس كذلك

يقول د. حسين إبراهيم "من أوائل المترجمات عن العربية كانت في عام 1890، حيث ترجم ما آن لى "البردة" للبوصيري، ونشرها في مدينة تشينغدو في نسخ مطبوعة على ألواح خشبية باللغتين العربية والصينية. وتبعها عدد من الإسهامات الجليلة في التبادلات الثقافية الصينية العربية، منها ترجمة "ألف ليلة وليلة" ورائعة ماو دون "منتصف الليل". وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومع تعزيز الروابط الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية، تطورت التبادلات الثقافية والأدبية لتصل إلى ذروتها بعد إطلاق العنان لسياسة "الإصلاح والانفتاح"، حيث تطوّر تعليم اللغة العربية في الصين بشكل ملحوظ، وأقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي على ترجمة الأعمال الأدبية العربية من مصادرها".
ويضيف "إلى جانب تراجم القصة والشعر والأعمال الشعبية كانت هناك أيضا تراجم لتاريخ الأدب، منها ترجمة لو شياو شيو وياو جيون ده لكتاب هاميلتون كيب "موجز تاريخ الأدب العربي" عن الإنجليزية، وترجمة لي تشن تشونغ كتاب "تاريخ الأدب المصري المعاصر" للعالم المصري شوقي ضيف، وترجمة تشي بو خاو لكتاب حنا الفاخوري “تاريخ الأدب العربي" وترجمة وانغ وينهو، ويوان يي فن لكتاب أحمد هيكل "الأدب القصصي والمسرحي في مصر". وبعد الإصلاح والانفتاح، تطور تعليم اللغة العربية في الصين بسرعة شديدة، وأقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي على ترجمة الأدب العربي ترجمة مباشرة بعد أن كانت ترجمة النصوص العربية يعتمد معظمها على الترجمة من الروسية والإنجليزية.
ويؤكد د. حسين إبراهيم أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين المسيرة التاريخية للصين والمسيرة التاريخية للبلدان العربية، لذلك، عندما نشرع في اختيار الأعمال الأدبية العربية التي نقدمها للقارئ الصيني، لا بد وأننا سنصادف موضوعات تلقى تعاطفا وتجاوبا منه؛ مثل النضال من أجل التحرير الوطني، وقضايا الريف والأرض، والأعراف الإقطاعية، والقيود على النساء تلك الأعمال الأدبية التي تصور المجتمع والأسرة والحياة، وتستكشف الفلسفة والرمزية وغير ذلك. 
ولقد بدأ عالَم الأدب الصيني ينتبه للأدب العربي الحديث في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين؛ فترجمت أعمال لجبران، وطه حسين، ومحمود تيمور وقليل من الأدب القديم والحديث. ويوضح أنه في الخمسينيات ترجمت رواية الكاتب اللبناني جورج حنا "كهان الهيكل"، والمجموعة القصصية "دماء لا تجف" لعبدالرحمن الخميسي، ثم "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، و"الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي، و"هاتف المغيب" لجمال الغيطاني، و"المصابيح الزرق" للسوري حنا مينة، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للسوداني الطيب صالح، و"رجال تحت الشمس" للفلسطيني غسان كنفاني، و"الخبز الحافي" للمغربي محمد شكري، و"ريح الجنوب" للجزائري عبدالحميد بن هدوقة، والمجموعة القصصية "طرب" للكاتبة السعودية الأميرة مها محمد الفيصل وغيرها.

ويرى حسين إبراهيم أن جبران ونجيب محفوظ هما أشهر الكتاب العرب على الإطلاق؛ لذلك فإن الأعمال الأدبية التي ترجمناها لهذين الكاتبين العظيمين كانت هي الأكثر على الإطلاق. وبفضل ما كان لجبران من شهرة، بدأت الصين في ترجمة أعماله منذ زمن بعيد، وكل أعماله على اختلاف فترات إبداعه من رواية ونثر وشعر حظيت باهتمام المترجمين الصينيين. ففي عام 1931 ترجمت الكاتبة الصينية المعروفة بين شين رائعته "النبي" والتي كان لها صدى عظيم بين القراء بما فيها من فلسفة شرقية وما تتميز به من لغة سهلة، وترجمت بين شين لجبران أعمالا أخرى منها "الأجنحة المتكسرة" و"الروح المتمردة" و"العاصفة" و"الدموع والضحك". والمثير للانتباه هو صدور تراجم مختلفة في الآونة الأخيرة للمجموعة الكاملة لجبران. بل إن بعض هذه الأعمال ضمت صورا لجبران ورسائل بخط يده. وكان رواج أعمال جبران في فترة ما يكشف عن اهتمام دور النشر بأعماله وشغف القراء الصينيين به.
ويلفت إلى أن الأمة العربية أمة شعر؛ وبخلاف المعلقات التي أشرنا إليها من قبل، فإن إنجازات العرب من الأدب العربي في القرون الوسطى كان أعظمه من الشعر والذي ينافس في جماله الشعر في عصر أسرة تانغ في الصين، حيث كتبت أعداد كبيرة من القصائد، وظهر شعراء عظام كثيرون مثل أبي نواس، والمتنبي، وأبي العلاء المعري. واستمر الشعر بعد ذلك متألقا متطورا في مختلف البلدان العربية. وبالتزامن مع اهتمام المترجمين الصينيين بترجمة القصة، أولوا أيضا عناية بترجمة الشعر العربي وتقديمه إلى الصين، فصدرت "مختارات من الشعر العربي القديم"، و"مختارات من الشعر العربي الحديث". وترجمت قصائد شعراء قدامى. كما ترجمت جنبا إلى جنب أشعار البياتي وسعاد الصباح وأدونيس وفاروق جويدة وغيرهم من الشعراء العرب المعروفين.
ويشير د.حسين إبراهيم إلى أنه بالإضافة إلى الإنجازات العظيمة في مجال الشعر العربي القديم، حقق النثر أيضا إنجازات واضحة سواء على صعيد الأدب المكتوب أو الأدب الشعبي. فعلى صعيد الأدب الشعبي هناك قصص شعبية طويلة مشهورة تطورت بالتزامن مع تطور الأدب المكتوب ولاسيما الشعر. كل ما هنالك أن الشعر وجد من يسجله كتابة أما القصص الشعبية فقد جرى تناقلها جيلا بعد جيل شفاهية. وكما عنيت الصين بترجمة الأدب العربي القديم والتعريف به، ترجمت أيضا القصص الشعبية وقدمتها إلى القارئ الصيني ومنها كليلة ودمنة، وعنترة بن شداد، وحي بن يقظان ورحلة ابن بطوطة وسيف بن ذي يزن وغيره.
ويقول "استمرت تراجم النصوص الدينية إلى الصينية، وكان أهمها ترجمة معاني القرآن الكريم، ولعل أشهر التراجم ترجمة ماكين والتي أقرتها السعودية وطبعتها مطابع الملك فهد جامعة فيها بين القرآن وترجمة معانيه في كتاب واحد. ولأن القرآن فيه إيقاع وقافية يشبه الشعر فقد راعى ذلك العالم الصيني لين سونغ في ترجمته لمعانيه فتفوق على ماكين قليلا. ولكن لماذا أدرجنا تراجم القرآن والسنة في كتابنا وهو كتاب يعنى بالأدب العربي تقديمه وترجمته؟ لأن القرآن والسنة فيهما من الأدب قدر كبير يستحق الاهتمام. وكما يقول العالم الصيني المسلم الجليل ناتشونغ: "إن الأسلوب الأدبي في القرآن الكريم يختلف اختلافا كبيرا عن أسلوب العصور البربرية. القرآن ليس بشعر ولكنه يحرك القلوب بكلماته وجرسه الرنان. والقرآن يختلف عن النثر العادي ولكنه يحوي كثيرا من قصص الأنبياء الذين ينذرون الناس ويدعونهم إلى ترك عاداتهم القديمة. والقرآن ليس علما ولكن فيه حكمة ومقالات مشروحة بأسلوب علمي. والقرآن ليس عملا فلسفيا ولكنه يستشهد بطواهر طبيعية متغيرة ليثبت ما في الكون من عجائب ويثبت حقائق الحياة الإنسانية. 

china
الأدب الصيني القديم استهوى قطاعا كبيرا من القراء العرب والباحثين

إن القرآن الكريم ليس كتابا دينيا عظيما فحسب وإنما يتسم أيضا باشتماله على قصص ونثر وعلم وفلسفة. وبالإضافة إلى القرآن الكريم، فإن للسنة أيضا أثرا عظيما في الأدب العربي؛ فالسنة تسجيل لأقوال الرسول تمتاز بالإيجاز وعمق المضمون وهي من الأساليب الأدبية المهمة في الكتابة العربية، وسواء من الناحية البلاغية أو الأسلوبية، فقد قدمت للأدب العربي أسلوبا فريدا." هذا بالإضافة إلى ترجمة عدد غير قليل من الكتب الدينية منها "القصص في القرآن الكريم". وبوجه عام، إن ما ترجم من أعمال أدبية عربية لا حصر له، هذه التراجم التي قامت بدور عظيم في تعريف القارئ الصيني بالأدب العربي والمجتمع العربي والشعب العربي. وتعد هذه التراجم حلقة مهمة من حلقات التبادلات الأدبية بين الصين والعرب والتواصل الودي بين الشعبين.
وتتناول الموسوعة من الجانب الاخر لترجمات العرب من الصينية الي العربية، ففي الأدب الكلاسيكي الصيني كنوز معروفة في العالم كله، وقد أولى العلماء العرب اهتماما كبيرا بالكلاسيكيات الصينية؛ فقد ترجموا "محاورات كونفوشيوس" و"كتاب الطاو" عدة مرات على أيدي مترجمين مختلفين. كما ترجموا كتاب "تشوانغ تسو"، و"كتاب التغيرات"، وكتاب "فن الحرب لسون تسي بين"، و"كتاب الشعر "وترجموا أيضا أشعار لي باي ودوفو، وبايجيو يي، وتاو يوان مينغ، ولي تشينغ تشاو، ووانغ واي، ولي شانغ يين وغيرهم من الشعراء. وهناك أيضا تراجم مبسطة لـ "قصص الأساطير الصينية" و"الأساطير الصينية القديمة" و"رحلة إلى الغرب" و"على حافة الماء" و"حلم المقصورة الحمراء". 
أما ترجمة الأدب الحديث فحدث ولا حرج، في البداية كانت هناك ترجمة "تشيو يوان" لقَوَه موَه روَه والتي كتب لها المقدمة الكاتب المصري المعروف عبدالرحمن الشرقاوي. كما قدمت إلى القارئ العربي ثلاثية باجين "التيار الجارف"، و"المقهى" للاوشي، و"منتصف الليل" لماو دون، و"عاصفة رعدية" و"شروق الشمس" لتساو يو. ومعظم أعمال لوشيون قد ترجمت إلى العربية أيضا مثل: "سيرة أكيو"، و"كونج إي جي"، و"يوميات مجنون"، و"الدواء" وغيرها. ولقد انتبه الباحثون العرب لأهمية ترجمة الأعمال الأدبية الصينية المعاصرة في التعريف بالمجتمع الصيني وحياة شعبه وسلوكياته فترجموا «أغنية الشباب» لتشانغ شيان موا، و"زهرة السوسن" لرو تشي جيوان و"الحب لا ينسى" لتشانغ جييه، و"المرأة نصف الرجل" لتشانغ شيان ليانغ و"جنازة مسلم" لهدى وغيرها من الروايات الصينية المعاصرة. وترجمت أيضا الأعمال المهمة لأديب نوبل الصيني مويان، وأعمال لجيل الوسط من أدباء الصين مثل يوهوا وسوتونغ وليوجين يون شيو تسي تشن وجي دي ماجيا وغيرهم، ووصلت الأعمال الصينية الأدبية المترجمة عن الصينية حوالي 150 عملا أدبيا حتى ولقد استهوى الأدب الصيني القديم قطاعا كبيرا من القراء العرب والباحثين، حتى الان.
وبسبب اختلاف الدول العربية في ظروف كل دولة وقوتها، كان هناك تفاوت من دولة لأخرى في حجم الأبحاث وتراجم الأدب الصيني؛ فتراجم مصر ولبنان وسوريا والعراق للأدب الصيني ودراساتها فيه كثيرة نسبيا وجيدة إلى حد كبير، أما في سائر الدول العربية فالأمر ليس كذلك. وعلى أي حال شهدت التراجم عن الصينية تطورا ملحوظا محققة إنجازات لا بأس بها ولا تزال، وعلى الرغم من عدم التكافؤ بين التبادل العربي الصيني في الأدب، إلا أنه يبقى "تبادلا" بما تعنيه الكلمة.
وشهد حفل تدشين موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" حضور وو شو لين نائب الرئيس التنفيذي لجمعية النشر الصينية، وتشونغ جي كون الأستاذ بجامعة بكين، وتشي بو خاو الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وسط حضور عدد من الأدباء والإعلاميين والشخصيات الاجتماعية.