إعادة تشكيل "الشرعية"... حاجة يمنية

ليس في استطاعة التحالف العربي ان يكون اسير رجل لا وزن له في اليمن.

هناك حاجة يمنية، بل اكثر من يمنية، الى إعادة النظر في تركيبة ما يسمّى "الشرعية". بكلام أوضح، هناك حاجة الى إعادة تشكيل "الشرعية" مع ما يعنيه ذلك من ضرورة قيام حكومة جديدة يلعب رئيسها دورا في مجال اخذ المبادرة على الصعيد العسكري، إضافة بالطبع الى امتلاكه مع وزرائه جرأة العيش بين المواطنين في المناطق التي ليست تحت سيطرة الحوثيين (انصار الله)، أي ايران... بدل الإقامة في فنادق هذه العاصمة او المدينة الخليجية او تلك!

تبدو هذه "الشرعية" الجديدة حاجة يمنية، كما انّها حاجة الى التحالف العربي الذي عمل على افشال المشروع الايراني في اليمن. لم يستطع التحالف العربي تحقيق هدفه النهائي المتمثل في اقتلاع ايران من اليمن كلّيا، لكنّه استطاع على الأرض تقليص حجم الوجود الايراني في هذا البلد الذي يشكل جزءا لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربية.

تتحمّل "الشرعية"، على رأسها الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي، قسما لا بأس به من المسؤولية في ما يخصّ عجز التحالف العربي عن إستكمال مشروعه الذي بدأ بـ"عاصفة الحزم" في آذار – مارس من العام 2015. هناك دائما حاجة الى العودة الى الواقع ومواجهته بدل الهرب منه من اجل تفسير الأسباب التي ادّت الى وصول الوضع في اليمن الى ما هو عليه الآن.

لعلّ السؤال الاوّل الذي لا مفرّ من طرحه: من المسؤول عن وصول الحوثيين بميليشياتهم المسمّاة "انصار الله" الى صنعاء ووضع يدهم عليها في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014؟

بعد أسبوعين، تكون مرّت خمس سنوات كاملة على الاحتلال الحوثي لصنعاء. ليس سرّا ان "الشرعية" تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية حصول هذا الاحتلال الذي ما كان ليتحقّق لولا انّ عبد ربّه منصور هادي أراد ممارسة لعبة التذاكي برفضه للتصدّي للحوثيين وهم في طريقهم الى العاصمة اليمنية عبر محافظة عمران، معقل آل الأحمر، زعماء قبيلة حاشد.

هناك مشكلة اسمها عقدة علي عبدالله صالح، كانت ولا تزال تتحكّم بعبد ربّه منصور هادي الذي بقي نائبا لرئيس الجمهورية في اليمن، أي نائبا لعلي عبدالله صالح، طوال ثمانية عشر عاما. لا يختلف اثنان من بين الذين عرفوا الرئيس اليمني الراحل الذي اصرّ الحوثيون على إعدامه في الثالث من كانون الاوّل – ديسمبر 2017، على ان علي عبدالله صالح تحوّل مع مرّ السنين الى شخص مزاجي الى حدّ كبير. لم يمتلك، في أحيان كثيرة، حدّا ادنى من اللياقة والادب في التعامل مع معظم مساعديه، بما في ذلك عبد ربّه منصور هادي، الذي كان في موقع نائب رئيس الجمهورية. لم يتردد مرات عدّة في اذلال عبد ربّه من دون مبرّر. ولكن هل يشكّل ذلك سببا كافيا كي يمارس الرئيس الانتقالي مع علي عبدالله صالح ما مارسه الأخير في حقّه وذلك منذ اليوم الاوّل لتوليه الرئاسة السابع والعشرين من شباط – فبراير 2012؟

لم يفرّق عبد ربّه منصور هادي الذي لا يختلف كثيرا عن علي عبدالله صالح، في مجال مستوى التحصيل العلمي، بين مسؤولياته كرئيس للدولة وبين رغبته في الانتقام والتشفّي. ذهب اليمن ضحية هذه الرغبة التي منعت الرئيس الانتقالي من التصدي للحوثيين في عمران استجابة لنصيحة علي عبدالله صالح. كان التصدي للحوثيين في عمران كفيلا بانقاذ صنعاء، خصوصا ان الوية الجيش وفرقه كانت في امرة "الشرعية". لكنّ عبد ربّه منصور هادي فضّل ادخال الحوثيين الى العاصمة وتوقيع "اتفاق السلم والشراكة" معهم على قبول النصيحة المجانية لسلفه. كانت بالفعل نصيحة مجانية وصادقة بغض النظر عن الالاعيب المعتادة لعلي عبدالله صالح. هذا عائد الى سبب في غاية البساطة هو انّ الرجل كان يعرف تماما انّ مجرّد دخول الحوثيين الى صنعاء سيقرّب اليوم الذي سيتولون الانتقام منه شخصيا. وهذا ما حصل بالفعل.

يدفع اليمن ثمن تلك الخطيئة التي كانت بين أخطاء كثيرة ارتكبها الرئيس الانتقالي الذي لا يمتلك أي قاعدة شعبية من ايّ نوع لا في الشمال ولا في الجنوب ولا حتّى في محافظة ابين التي هو منها. هذا لا يعني انّ المطلوب التخلّص منه على الرغم من انّه مجرّد رئيس انتقالي. في نهاية المطاف، هناك حاجة الى توقيعه على كلّ امر عمليات يشنّها التحالف العربي.

ليس في استطاعة التحالف العربي ان يكون في المقابل اسير رجل لا وزن له في اليمن اصبح في نهاية المطاف تحت رحمة ابنيه جلال وناصر ورجل اعمال لديه حسابات خاصة به... والاخوان المسلمين الذين يشرفون على معظم القوات العسكرية. هؤلاء يعتقدون ان الوقت يعمل لمصلحتهم وان الجمود على الجبهات يخدم مآربهم كونه يسمح لهم بتبادل الخدمات مع الحوثيين من دون حاجة الى عقد اتفاقات معهم. انّهم يبحثون، مثلهم مثل الحوثيين، عن تغيير طبيعة المجتمع في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، كما الحال في مأرب حاليا.

خسر عبد ربّه منصور هادي صنعاء ثم خسر عدن التي معروف تماما من حرّرها من الحوثيين في العام 2015. بدل ان يذهب الى ارض المعركة ويساهم في معارك تعز والحديدة وجبهة نهم، اذا به يضع نفسه في موقع السائح الدائم الباحث عن مستقبل له ولافراد عائلته وبعض انصاره خارج اليمن.

هذا خيار لا يمكن لاحد الاعتراض عليه. الرجل حرّ في التصرّف بالطريقة التي تناسبه، بما في ذلك تغيير رؤساء الوزارة كما لو انّهم مجرد موظفين من الدرجة العاشرة عليهم تنفيذ رغباته. لكنّ المشكلة اليمنية تبقى في مكان آخر. انّها حاليا في البحث عن "شرعية" فعالة لديها مصلحة في الحاق هزيمة بالحوثيين ومشروعهم الهادف الى إقامة كيان يمني تابع لإيران.

في حال كانت هناك حاجة الى توقيع عبد ربّه منصور هادي، فان ذلك لا يعني بالضرورة ان يكون التحالف العربي رهينة هذا التوقيع، بل ثمة حاجة الى إيجاد "شرعية" فعالة تستطيع طمأنة اهل عدن الى ان مدينتهم لن تكون مجددا عرضة لعودة الحوثيين او "القاعدة" اليها. ثمة حاجة أيضا الى رجال على الأرض يتابعون معركة الحديدة وآخرين لا مصلحة لهم في استمرار الجمود في تعز او نهم...

باختصار شديد، هناك تجربة فاشلة، بل مهزلة لا مفرّ من وضع نهاية لها في حال كان مطلوبا الحؤول دون ان تكون حرب اليمن حرب استنزاف للتحالف العربي... وهذا يجعل إعادة تشكيل "الشرعية" ضرورة عاجلة اكثر من ايّ وقت.