إغلاق مدرسة قرآنية استغلت أطفالا قصّرا في تونس

السلطات التونسية تغلق مدرسة قرآنية في محافظة سيدي بوزيد لتورطها في الاتجار بالبشر وتعلن إيقاف مديرها وامرأة متزوج منه عرفيا.
تم العثور على 42 طفلا في المدرسة القرآنية يعيشون ظروفا سيئة
المدرسة تأسست خلال حكم الترويكا في اطار مرسوم خاص بتكوين الجمعيات
تحقيق على قناة تلفزيونية يكشف تجاوزات خطيرة

تونس - أثارت حادثة مداهمة السلطات التونسية لمدرسة قرآنية في مدينة الرقاب الواقعة في محافظة سيدي بوزيد، لإيوائها مجموعة من الأطفال والشبان في ظروف مريبة، جدلا واسعا في تونس نهاية الأسبوع.

وتحركت السلطات المتمثلة في فريق عمل تابع لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وعدد من ممثلين لوزارة العدل ووزارة الداخلية، للتحقيق في أنشطة المدرسة وإخراج الأطفال على إثر بث تحقيق على قناة تلفزيونية تونسية خاصة.

كما قامت السلطات بإغلاق المدرسة التي تعد أنشطتها خارج إطار المنظومة التعليمية الرسمية في البلاد وإيقاف مديرها والاحتفاظ به كما تم الاحتفاظ بامرأة عمرها 26 سنة اعترفت بزواجها من المعني على خلاف الصيغ القانونية (زواج عرفي).

وأصدرت وزارة الداخلية، اليوم الأحد، بلاغا حول حادثة المدرسة أكدت من خلاله حدوث تجاوزات في حق الأطفال في هذه القضية.

وأوضحت أن السلطات قامت بالتحرّي حول نشاط الجمعية القرآنية المشبوه، حيث تم العثور على 42 طفلا (بين 10 و18 سنة) و27 راشدا (بين 18 و35 سنة) تبيّن أنهم يُقيمون اختلاطا بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة وجميعهم منقطعون عن الدراسة.

وأضافت أن الأطفال كانوا يتعرّضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارا وممارسات متشددة.
وأكدت الوزارة أن الموضوع يبقى من أنظار السلطات القضائية لاتخاذ ما يستوجب من إجراءات في الغرض.

وكشف التحقيق الذي بث على قناة "الحوار التونسي" الخاصة عن تواجد مجموعة من الأطفال بفضاء مدرسة قرآنية تقوم بأنشطة مريبة في مكان معزول بإحدى قرى محافظة سيدي بوزيد.

وقالت السلطات إنها قامت الخميس الماضي، بمعاينة المدرسة المذكورة حيث كشفت عن تواجد 42 قاصرا من الذكور بالإضافة إلى وجود عدد من الأشخاص الراشدين فيها.

وقال شهود عيان في التحقيق الذي بثته القناة إن "مدرسة الريحانة القرآنية بدأت أنشطتها المريبة بعد ثورة 14 يناير، كما أحدثت بلبلة سنة 2015".

ومنذ 2012 تم اغلاق المدرسة عدة مرات من قبل السلطات لكنها سرعان ما تعود لتفتح أبوابها من جديد وتواصل أنشطتها دون رقابة وهو ما أثار ريبة سكان المنطقة.

وأوضح أنيس ضيف الله محافظ سيدي بوزيد أن هذه المدرسة قد صدر في شأنها قرار غلق منذ مدّة طويلة لمخالفتها إجراءات وتراتيب ممارسة مثل هذا العمل إلّا أن المشرفين عليها لم يمتثلوا له وواصلوا نشاطهم.

وقال وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم اليوم الأحد، إن "المدرسة القرآنية بالرقاب تأسست بعد الثّورة في اطار مرسوم 2011 الخاص بتكوين الجمعيات والذي منح الحرية المطلقة لمثل هذه الجمعيات دون تدخل من الوزارة".

وأثار البرنامج التلفزيوني جدلا وصدمة لدى التونسيين خاصة بعد اتهامات على مواقع التواصل الاجتماعي باحتجاز الأطفال من قبل السلطات التي داهمت المدرسة.

لكن وزارة المرأة والأسرة والطفولة نفت تلك الاتهامات وقالت إنه "تمت ملاحظة عدد من التجاوزات التي من شأنها أن تمثل مصدر تهديد مباشر على السلامة المادية والمعنوية للأطفال الموجودين بهذا الفضاء من بينها الانقطاع المدرسي، وسوء المعاملة والاحتجاز، والاستغلال الاقتصادي وزرع أفكار التعصب والكراهية بالإضافة إلى ظروف إقامة سيّئة للغاية، وهو ما يؤشر على وجود شبهات حول الإتجار بالبشر".

من جهتها طالبت منظمة العفو الدولية في تدوينة على فيسبوك السلطات التونسية بتسليم هؤلاء الأطفال إلى أوليائهم.

وقالت المنظمة "في حالة توفر أسباب جدية لتواصل الاحتفاظ بالأطفال إلى إحالة الملف على قاضي الأسرة بصفة استعجاليّة وتمكين الأولياء من زيارتهم" مؤكدة على ضرورة "ضمان احترام الأبحاث لحقوق الطفل ومبدأ مراعاة مصالح الطفل الفضلى".

في المقابل دحضت وزارة المرأة والأسرة والطفولة تلك التهم وقالت إن "الأطفال يحضون منذ قبولهم بالمؤسسة بالرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية اللازمة من قبل مختصين وإطارات تربوية وبمعاينة مباشرة من مندوب حماية الطفولة مرجع النظر".

وأفادت أنه تم تأمين اتصال الأطفال بأوليائهم مؤكدة أن الملف حاليا "من أنظار السلطة القضائية وهي المخول لها البتٌ في كل ما يتعلق بالوضعية القانونية للأطفال".

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور عثر عليها في هاتف كان بحوزة أحد الأطفال.

ويظهر في أحد مقاطع الفيديو رجلا يدرب أطفالا على فنون القتال بطرق بدائية وسط ساحة المدرسة على وقع أنغام نشيد يشبه الأغاني التي يستخدمها تنظيم داعش في الترويج لنفسه على الإنترنيت.

وقال الطفل حسب المصدر الذي نشر الفيديو "أنهم يقومون بذلك مرة في الأسبوع".

وشهدت المدارس القرآنية في تونس في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا في بعض المدن مقارنة بالماضي، حيث أصبحت تشكل ظاهرة غير قانونية ومتخفية تحت طائلة الجمعيات، وقد شهد عددها ارتفاعا ملحوظا في فترة حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة الإسلامية (من سنة 2011 إلى 2014) والتي اتسمت بضعف الرقابة مما أتاح فيها بث مواد تعليمية تعتبر متطرفة للأطفال.

وهو ما جعل الحكومة تنفذ لاحقا حملات تعقب للجمعيات ذات التمويل المشبوه أو المتورطة بنشر التطرف وأمر القضاء بإغلاق بعضها، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس.

وحسب مصلحة الكتاتيب القرآنية بوزارة الشؤون الدينية فإن عدد الكتاتيب القرآنية التابعة للوزارة يبلغ 1664 كتاب يدرس فيها حوالي 47 ألف طفل في سن الأربع والخمس سنوات.

وتعتبر محافظة سيدي بوزيد التي تعد مهد الثورة التونسية، من أفقر المحافظات في البلاد، حيث يعاني سكانها أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة فاقمت ظاهرة البطالة والتهميش.

وينتظر سكان المحافظة تفعيل وعود الحكومات المتعاقبة منذ 2011 بتحسين ظروف عيشهم في منطقة محرومة من أبسط الضروريات، فهي تعتبر من أفضل المناخات الملائمة لتجنيد الأشخاص نحو التطرف وهي ظروف يبحث عنها الجهاديون خاصة أن تلك المناطق تقع في أماكن معزولة وبعيدة عن الرقابة.

أنشطة مريبة في مكان معزول
أنشطة مريبة في مكان معزول