إفطار يجمع الديانات الثلاث خلال موسم الحج اليهودي بتونس

مئات اليهود من أنحاء العالم يلتقون في كنيس "الغريبة" للمشاركة في موسم الحج السنوي الذي يشهد مظاهر احتفالية في جزيرة جربة التونسية.

جربة (تونس) - تزامنت مراسم حج اليهود إلى كنيس "الغريبة" في جزيرة جربة الواقعة جنوب شرقي تونس، هذه السنة مع شهر رمضان للمرة الأولى منذ العام 1978، حيث بدأت الاحتفالات في الكنيس منذ صباح الأربعاء بإطلاق الزغاريد وتناول شراب "البوخا" المعد من ثمار التين.

وشهدت جزيرة جربة السياحية منذ بداية الأسبوع، توافد المئات من الحجاج اليهود من جميع بلدان العالم للمشاركة في مراسم "الغريبة".

وصباح الأربعاء بدأ مئات اليهود في التوافد إلى الكنيس الذي يقع في قرية كانت ذات غالبية يهودية في الماضي وتسمي "الحارة الصغيرة" ويطلق عليها حاليا اسم "الرياض".

ويتكون الكنيس من بنايتين كبيرتين، الأولى مخصصة للعبادات ويوجد داخلها بيت للصلاة تحيط به زوايا يجلس فيها الزوار لتأدية طقوسهم الخاصة بالزيارة مثل إنارة الشموع وترتيل التوراة والأدعية، أما الثانية فتقام فيها الاحتفالات، حيث تعزف الموسيقى التونسية وتوزع فيها الأكلات الشعبية التونسية.

ومن بين أهم الطقوس التي يحرص الحجيج اليهود وحتى المسلمين أحيانا على اتمامها والتبرك بها، وضع بيضة في قبو داخل معبد الكنيس، بعد كتابة الأماني والأحلام المراد تحقيقها عليها، حيث تعتقد أغلب النساء أن أداء ذلك الطقس يجلب الحظ والرزق.

وتضع عفاف بن يدر المسلمة بتؤدة بيضة كتبت عليها كل أمانيها داخل قبو الكنيس وكلها ثقة بأن تتحقق رغباتها بفضل "الغريبة".

وتمر عفاف بين الآلاف من الحجاج اليهود الذي جاؤوا من مختلف بلدان العالم لأداء مناسكهم في أقدم كنيس في أفريقيا، وهي ليست المسلمة الوحيد التي تأتي خصيصا للمعبد.

وزارت حنان الثلاثينية الكنيس المزركش بالأزرق والأبيض، منذ خمس سنوات وتفصح وابتسامة ترتسم على وجهها "استجاب ربي لي في المرة السابقة ودعوته من أجل أن يتمكن صديقي من إنجاب أطفال، وقد تحقق ذلك ولديه الآن طفل في الثالثة من عمره، بالإضافة إلى موضوع آخر لا أريد الإفصاح عنه وقد تحقق".

وتعود عفاف لزيارة كنيس "الغريبة" مصحوبة بكارين صديقتها اليهودية الفرنسية والتي غادرت تونس منذ الصغر ولتتمكنا لاحقا وبفضل فيسبوك من التواصل من جديد.

مكنتهما عودتهما إلى تونس من استرجاع ذكريات الماضي في منطقة حلق الوادي بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس، حيث نشأتا وسط حي يضم يهودا ومسلمين ومسيحيين.

وغادرت أعداد كبيرة من اليهود تونس منذ استقلال البلاد عام 1956 بسبب صعوبات العيش في بلد عربي بالإضافة إلى وجود فرص أكثر في أوروبا.

ومع غروب الأربعاء شارك جمع من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية الإسلامية واليهودية والمسيحية، في إفطار رمضاني نظمته وزارة السياحة التونسية وحضره أيضا دبلوماسيون وعدد من أبناء جزيرة جربة.

وحضر مأدبة الإفطار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير السياحة روني الطرابلسي الذي ولد ونشأ في جربة وهو ابن جوزيف الطرابلسي رئيس الجمعية اليهودية التونسية التي تشرف على النشاطات المرتبطة بالغريبة.

وقال الشاهد من جربة "هذه تونس التي نريدها، الدستور التونسي يؤكد حرية المعتقد، ونريد أن نعطي رسالة سلام من جزيرة جربة التي تعتبر تجربة فريدة من نوعها في التعايش بين الديانات".
وأضاف "أهم شي يجمعنا هو العلم التونسي مهما وجد من اختلاف في العقيدة، وهذا التعايش يجب أن نحافظ عليه بشكل كبير".

ويقول المؤرخ الفرنسي دومينيك جاراسيه والذي شارك في إعداد كتاب حول كنائس اليهود في تونس "بدأ المسلمون يشاركون أكثر فأكثر منذ 15 و20 سنة الماضية".

ويبين المؤرخ "كانوا ولوقت طويل متفرجين ولكن الآن أصبحت الغريبة مرتبطة ببعد سياسي كونها تمكن من إبراز مدى تسامح تونس، وببعد سياحي لأنها مكان تراثي"، ويتابع "أيقن كثيرون أن للكنيس سلطة حقيقية".

وتطلق كلمة "الغريبة" نسبة للمرأة الشابة الغريبة والمنعزلة والتي تُقصد بغاية طلب السعادة الزوجية والخصوبة والصحة كي تتحقق.

ويفصح المؤرخ أنه نادرا ما يمثل الأحبار مقصدا للحج في أماكن أخرى.

ويتفاجئ بعض الحجاج من وجوب خلع الأحذية قبل الدخول إلى المعبد ويصرخ أحدهم "لسنا في مسجد".

ولا يطبق داخل كنيس الغريبة الفصل بين النساء والرجال ولا العادات المحافظة التي عرفت على أهالي جربة.

وتقول لورا الطويل جورنو اليهودية والتي أتت من باريس "كل من يدخل سواء كان مسلما أو كاثوليكيا أو يهوديا يمكنه الصلاة هنا".

وتذكر لاورا أنه واستنادا إلى المعتقد "الغريبة" كانت امرأة شابة غريبة عن الجالية وليس هناك تأكيد عن انتمائها الديني.

ويقول ديونيجي ألبيرتا والذي شارك في تنظيم معرض عن الأماكن المقدسة المشتركة إن هذه الظاهرة وهذه الممارسات متواجدة في المغرب.

وينظم اليهود التونسيون مراسم الحج للغريبة سنويا، ويبلغ عددهم أكثر من 1200 شخص وغالبيتهم سكان جزيرة جربة وتونس العاصمة وكان عددهم يناهز مئة ألف قبل استقلال تونس.

ويزور بعض اليهود مقام "سيدي محرز" بالعاصمة تونس والذي تم إنشاؤه نهاية القرن العاشر ويُعتقد أنه يدعو لتمكين اليهود من حق العيش والسكن في تونس.

ويضيف ألبيرا "الوضع أصبح معقدا أكثر اليوم وأصبح التردد أقل لأن مئات الآلاف من اليهود غادروا المنطقة... تعتبر الغريبة من بين الشواهد النادرة على هذا الالتقاء".

وتستمر الفعاليات الرسمية في الكنيس الذي يعود تاريخ إنشائه إلى نحو 2600، إلى اليوم الخميس بحضور عدد الشخصيات الدينية والثقافية من تونس وخارجها، فيما تتواصل الزيارة السنوية لليهود إلى "الغريبة" على مدى أسبوع، وسط إجراءات أمنية مشددة.