إلى أين سيمضي بنا عادل عبدالمهدي؟!

مقبولية عبدالمهدي مشترطة بتحقيق التوازن ما بين الاندماج والحياد في علاقات العراق الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي والتحدي الخطير الإضافي يتمثل في الرغبة الأميركية في أن يكون رئيس الوزراء المقبل قادراً على ضرب الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران.

بقلم: إياد العنبر

يمكن القول إن تكليف السيد عادل عبد المهدي رئاسة مجلس الوزراء وتأليف الحكومة، جاء استكمالا لمشاهد التحول في العملية السياسية، التي تشهد حدثا يشبه الانقلاب على التوافقات السياسية التي طغت على تعيين الرئاسات الثلاث، إذ جاء ترشيح عبد المهدي على خلاف الترشيحات السابقة لمنصب رئاسة مجلس الوزراء. فهذه المرة كأنما هو المرشح الوحيد لهذا المنصب، على خلاف الدورات السابقة. وقتئِذْ لم يتم اختيار مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا إلا من خلال سجالات ومواقف متشنجة رافضة التنازل عن الترشيح، ورفض من قبل الشركاء للمرشحين، كما حصل في رغبة الجعفري بالترشيح لولاية ثانية في 2006، والمالكي في إصراره على الترشيح لولاية ثالثة في 2014.

يختلف مخاض المكلف بتأليف الحكومة هذه المرة تماما عن مخاض تسمية المكلف في الحكومات السابقة؛ فلم يعد مرشح تسوية ولا يبرز اسمه كبديل عن مرشح آخر. عبد المهدي هو الذي حدد شروطه، وشخّص التحديات التي ستواجه عمله في مقالته الافتتاحية بجريدة العدالة في 23 أيار/مايو الماضي، والتي جعل عنوانها "رئاسة الوزراء.. أشكركم، فالشروط غير متوفرة".

يمكن قراءتها كبرنامج عمل أكثر دقة من اعتبارها شروطا. فهي مقالة تتناول أزمة النظام السياسي العراقي وتوجزها بعقلية الدولة الريعية التي تغذي الفساد وتتحدى المأسسة بجعل الأنظمة والقوانين هي الحاكمة وليس الأشخاص. كذلك يواجه النظام السياسي تحدي ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات ومشكلة التعامل مع القوى اللادولتية، وتحدّي مواجهتها من جهة وتنظيم عملها من جهة أخرى. وتطبيق مبدأ عُلوية أحكام القانون في فرض هيبة الدولة، وتعارضه مع مصالح هيئات اجتماعية ودينية وتحدي التوزان في السياسة الخارجية.

ثمة قوى سياسية تحاول توسيع دائرة نفوذها، على حساب تقدم المنجز الخدمي والاقتصادي الذي يسعى إلى تحقيقه عبد المهدي

المفارقة الجديرة بالاهتمام، قبول الكتل السياسية بهذا التحديد للأزمات التي يجب العمل على تجاوزها، وبعبارة أخرى أكثر دقة، قبول الكتلتين الحاصلتين على أكثر المقاعد (أي سائرون والفتح). وهنا نقطة التحول المهمة التي يمكن أن نعدها بداية للنضوج بالمواقف السياسية، والتحول بالإدراك لدى قيادة هاتين القائمتين بتحدي المرحلة القادمة الذي يستوجب توحيد المواقف وتصحيح المسار، بدلا من التقاطعات السياسية. وملامح النضوج أتت تحت ضاغطين: الأول ضغط تظاهرات البصرة التي عبرت عن تراكم الفشل في إدارة الدولة وعدم قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الشارع الناقم من فشل الطبقة السياسية. والثاني، ضغط المرجعية بضرورة تصحيح مسار تشكيل الحكومة وتغيير شخوصها. وهنا كان لابد من إخراج حزب الدعوة من دائرة المنافسة على منصب رئيس الوزراء لإرسال رسالة اطمئنان إلى الجمهور من خلال السير باتجاه التغيير، وكانت النتيجة التوافق باتجاه تسمية عادل عبد المهدي، من دون البقاء بدائرة الجدل حول الكتلة النيابية الأكثر عددا.

بطبيعة الحال تنتظر حكومة عبد المهدي تحديات على المستويين الداخلي والخارجي. داخليا تشكل الطبقة السياسية الخاسرة تحديا وعقبة أمام الشروع نحو التغيير، ومن ثم التعاطي معها يحتاج مواقف سياسية حازمة، فهي رغم ابتعادها عن هرمية السلطة، ما تزال تهيمن على مؤسسات الدولة، وتديرها بعقلية الإقطاعية الحزبية.

وفي الجانب الآخر ثمة قوى سياسية تحاول توسيع دائرة نفوذها، على حساب تقدم المنجز الخدمي والاقتصادي الذي يسعى إلى تحقيقه عبد المهدي ومن رشَّحَه. الأهم من ذلك، وعلى مستوى التحديات الداخلية، تحدي العمل بسياسات عامة قادرة على إقناع الجمهور بأن الاستجابة لمطالبهم والعمل على تحقيق مصالحهم تدار بشكل منصف. فالشارع العراقي يعول كثيرا على الحكومة المقبلة، وفي حال عجزها عن عقلنة المطالب والتوقعات المتفائلة، سوف يؤدي ذلك إلى الإحباط الذي يمكن أن يعيد الاحتجاجات والتظاهرات إلى الواجهة، وممكن أيضا أن يوفر أرضية للدعوات المتطرفة.

نأمل بأن يكون النموذج الذي يقدمه عبد المهدي هو نموذج القائد الذي يسعى إلى بناء الدولة، وليس السياسي الذي يبحث عن مكاسب لترسيخ بقائه في السلطة

خارجيا، ينتظر عبد المهدي عمل في بيئة خارجية طابعها التصارع والتنافس. إقليميا هنالك التنافس السعودي ـ الإيراني الذي يوصف بأنه "حرب طائفية باردة"، والعراق يشكل إحدى ساحات صراع الإرادات بين البلدين. وبموازاة ذلك، هناك تصاعد في وتيرة التوتر بالعلاقات الأميركية ـ الإيرانية، وهو ما سينعكس بصورة واضحة على العراق على المستويين الاقتصادي والسياسي. وقد تكون مقبولية عبد المهدي من جميع هذه الأطراف قادرة على احتواء هذه التناقضات، ويمكن له تحقيق التوازن ما بين الاندماج والحياد في علاقات العراق الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي. والتحدي الخطير الإضافي، يتمثل في الرغبة الأميركية في أن يكون رئيس الوزراء المقبل قادرا على ضرب الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران.

التفاؤل الحذر بتكليف عبد المهدي، أو التساؤل بشأن التغيير الذي يمكن أن يحدثه ترشيحه، أو التساؤل بشأن ماذا تستطيع أن تقدمه حكومته، مخاوف وأسئلة لها ما يبررها. لكن ما يمكن التعويل عليه ويشكل بصيص أمل، هو مواقف عادل عبد المهدي في التعاطي مع السلطة باستقالته من منصبي نائب رئيس الجمهورية في 2011، ووزير النفط في 2015. ومن ثم، إذ قدم استقالته في قادم الأيام، فهي فرصة لترسيخ ثقافة الاستقالة من أهم منصب في الحكومة العراقية، بدلا من عرف التشبث بالسلطة. وإذا استمر لأربع سنوات قادمة، فالاشتراطات عليه ـ كما تم تداولها ـ بعدم تأسيس حزب ولا المشاركة في الانتخابات القادمة. هي بحد ذاتها دافع نحو تكريس جهوده لعدم الاستثمار في السلطة أو حتى المنجز الذي يمكن أن يحققه طوال بقائه بها.

وبناء على الرؤية التي يملكها عبد المهدي، والظرفية السياسية التي وفرها سلفه الدكتور حيدر العبادي، ومؤشرات الإدراك السياسي بضرورة أحداث تغيير عند قيادات سياسية مؤثرة في الشارع والأحداث، وعليه، يمكن القول إن هذه المؤشرات تشكل قاعدة أساسية لافتراض الشروع نحو تصحيح مسار العملية السياسية والسعي باتجاه إخراجها من دائرة الأزمات. ومن ثم نأمل بأن يكون النموذج الذي يقدمه عادل عبد المهدي هو نموذج القائد الذي يسعى إلى إحداث تغيير والسعي نحو بناء الدولة، وليس السياسي الذي يبحث عن مكاسب لترسيخ بقائه في السلطة.

عن الحرة الإخبارية