إيران التي تنتحر بأسلحتها

دخلت إيران في سباق للتسلح من غير أن ينافسها أحد فيه ومن غير أن تملك الأسباب المقنعة للقيام بذلك.

حين تعلن إيران أن الولايات المتحدة صارت على علم بأنها أجرت تجربة إطلاق نوع جديد من الصواريخ البالستية فإن ذلك معناه أنها لا ترغب في أن تنجو من أثر العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها وكانت أسلحة الدمار الشامل أحد أسبابها.

إيران التي تعرف أن الولايات المتحدة وهي الدولة التي فرضت عليها تلك العقوبات الاقتصادية تعرف أنها مستمرة في انتاج أسلحة الدمار الشامل يمكن تصنيفها باعتبارها واحدة من الدول النادرة في عالمنا المعاصر التي لا ترى في الاقتصاد وسيلة لتطوير الحياة البشرية.

لقد دخلت إيران في سباق للتسلح من غير أن ينافسها أحد فيه ومن غير أن تملك الأسباب المقنعة للقيام بذلك. دفعها ذلك السلوك المغامر إلى أن تضع الجزء الأكبر من ثروتها في خدمة مسعى عبثي جرها إلى الموقع الذي صارت فيه منبوذة من قبل المجتمع الدولي الذي حاول بشتى الوسائل أن يعيدها إلى جادة العقل. كل تلك المحاولات باءت بالفشل في مواجهة تحجر العقل الخرافي الذي يقود السياسة في بلد، يسيطر عليه الأميون من رجال الدين ودعاة العسكرة من قادة الحرس الثوري.

وبسبب خضوعها لمبدأ استعماري رث يقول بضرورة تصدير مشروعها الثوري فقد اشتبك مصيرها بمخططها في التمدد والتوسع على حساب جيرانها وهو ما أدخلها في صراع مع القانون الدولي الذي صار يعطي الولايات المتحدة الحق في أن تفرض ما تشاء من العقوبات من أجل منع نظام آيات الله من الاستمرار في هذياناته القاتلة وهو ما صار على إيران أن تدفع ثمنه الباهظ.

إيران اليوم تجر وراءها عربة مثقلة بالميليشيات التي لم يكن الغرض من اختراعها سوى تهديد الامن والاستقرار في منطقة استراتيجية بالنسبة للعالم. ولأنها قد أخذت على عاتقها تمويل ودعم تلك الميليشيات فإن ما سيلحق بها من أضرار بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ستضربها عاجلا سينعكس سلبا على مصير أتباعها ومريديها.

بسبب ذلك الاشتباك في المصائر فإن رهان النظام الإيراني يأخذ منحى انتحاريا. ذلك لأن المساس بإيران يعني الاصطدام الحتمي بميليشياتها. وبما أن تلك الميليشيات صارت تتحكم بعدد من دول المنطقة وهي لبنان والعراق واليمن فإن تلك الدول ستتعرض حسب الرهان الإيراني إلى نتائج مأساوية إذا ما تعرضت إيران لازمة اقتصادية كبيرة أو دخلت في حرب، بسبب غلوها في تهديد الامن والسلام العالميين.

لذلك تبدو إيران وكأنها استقرت على خيار المواجهة مع الولايات المتحدة وهو الخيار الذي لا تملك له بديلا بسبب خلو جعبتها من أي خيار آخر.

في ذلك السياق يمكن أن نفهم لمَ لجأت إيران إلى لغة التصعيد من خلال إعلانها عن استمرار برنامجها الصاروخي.

وكما يبدو فإن إيران اليائسة من إمكانية أن تتغير من خلال إعادة النظر في الأسباب التي قادتها إلى ما هي فيه لا تملك أملا في المحاولات التي تبذلها أوروبا من أجل انقاذها من تداعيات العقوبات الأميركية.

كانت تلك العقوبات نتيجة طبيعية لسياسة قائمة على العدوان والتوسع وتهديد الامن والسلام في الشرق الأوسط والعالم.

كانت تلك نتائج متوقعة غير أن النظام الإيراني غرر بنفسه قبل أن يغرر بميليشياته حين أعتقد أن في إمكانه أن يضع وجوده مثلما هو موضع التطبيع، بحيث يرضخ العالم كله لسلوكه ويقبل به شريكا لا عدوا.    

وكما أرى فإن سياسة النظام الإيراني القائمة على التوسع في برامج أسلحة الدمار الشامل تعكس فكرة خاطئة عن المقاومة من خلال المجازفة بمصير الشعب الإيراني ومستقبل إيران.  

فالنظام الإيراني يرغب في الذهاب إلى نهاية اللعبة من غير أن يتراجع عن سياساته ممنياً النفس بإمكانية أن يتراجع العالم عن اهتمامه بتلك السياسات بسبب انشغاله بأمور أخرى.

غير أن تلك الرغبة الواهية تصطدم بجدار العقوبات الأميركية التي صارت واقعا. وهو واقع عابر للقارات ولا يخص دولة بعينها.

إيران التي تتحدى العالم هي في وضع المنتحر الذي يوهم نفسه بأن انتحاره لن يؤدي إلى الموت.