إيران: النظام يواصل إعدام القصّر

طبيعة النظام القضائي وقوانين المحاكمة الجنائية في إيران تلغي إمكانية اتخاذ أحكام عادلة في هذه المجالات وتصفها بأنها أحكام ذات طابع انتقامي وغير عادل فالشابين المعدومين بينهما صلة قرابة من جهة الأم وأحدهما مصاب بإعاقة عقلية.

بقلم: بادية فحص

شكّل خبر إعدام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فتَيَيْن في السابعة عشرة من العمر، في سجن شيراز المركزي، صباح 25 نيسان/أبريل الماضي، صدمة لدى المنظمة العالمية للدفاع عن حقوق الطفل. ذلك أن الجمهورية الإسلامية واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل، الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تنص ضمن المادة 37، على منع تنفيذ حكمي الإعدام والسجن المؤبد، بحق المرتكبين القصّر.

الخبر الذي عُدَّ صادماً دولياً، كان متوقّعاً، بالنسبة للمجتمع الحقوقي المحلّي. فبحسب إحصاءات جمعيات حقوق الطفل والإنسان الناشطة في إيران، أُجريت مطلع العام الحالي، تأتي الجمهورية الإسلامية، الثانية بعد الصين، في تنفيذ حكم الإعدام، والأولى عالمياً في إعدام الأطفال. وهي الدولة الوحيدة من بين الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل، التي مازالت تطبق عقوبة الإعدام بحق الأطفال.

في العام 2018 أعدمت إيران، خمسة قصّر، بتهمٍ لا تستحق السجن، إنما عناية خاصة في إصلاحيات للأحداث، حيث لم تكن ارتكاباتهم ترقى إلى مستوى الجرائم الخطرة، كما أنها مرّرت عقوبات إعدام بطريقة سرية، بحق مئة قاصر، منذ العام 1990 حتى تاريخه.

في ما يتعلق بإعدام النساء والقاصرات، تبدو الجمهورية الإسلامية أكثر جرأة وأقل تحسّباً، في هذا المجال، إلا في القضايا، التي تشكّل رأياً عاماً، حيث تُبدع تحت ضغط المجتمع المحلي والمنظمات الحقوقية، في الالتفاف على تنفيذ أحكام الإعدام بحق القاصرات، فتستبقي الفتاة القاصر رهن الاعتقال، وبدون محاكمة، حتى بلوغها سن الرشد القانوني، ثم تقوم بمحاكمتها وصولاً إلى تطبيق حكم الإعدام.

اتّبعت الجهورية الإسلامية هذا التدبير، في ملفّي زينب سكاوند ومحبوبة مفيدي، اللتين اعتُقلتا بفارق سنة، بتهمة قتلهما زوجيهما. سكاوند ومفيدي كانت كل منهما آنذاك في السابعة عشرة من العمر، وقد استبقتهما المحكمة الثورية قيد الاعتقال، حوالي السبع سنوات، بلا محكامات ولا وكلاء دفاع، ثم أعدمتهما تباعا.

عند ذيوع خبر إعدام، تقوم المحكمة الثورية، بنشر اعترافات المتّهمين، كوثيقة اتهام، لكن بحسب حقوقيين، يتبين أن أغلب الاعترافات، تنتزع من المتهمين، تحت التعذيب. وأحياناً، تنكشف هوية المرتكب الحقيقي بعد تنفيذ حكم الإعدام، كما ظهر بعد دفن جثة سكاوند، حيث اعترف شقيق زوجها لاحقاً، بإقدامه عى قتل شقيقه بسبب خلافات مالية. هنا تجدر الإشارة إلى أن 24% من حالات الزواج المبكر في إيران، تنتهي إلى قتل أحد الزوجين.

في القانون الجزائي الإسلامي في إيران، تعتبر الفتاة راشدة، حين بلوغها سن الرشد الشرعي أي تسع سنوات، أما الذكور فعند سن الخامسة عشرة، وبالتالي يحق للمحاكم الثورية في هذين السنّين، أن تطبق الأحكام ذاتها، التي تطبقها على الراشدين قانوناً.

لم يسجّل في تاريخ المحكمة الثورية في إيران، أن تراجعت مرة، عن تنفيذ حكم إعدام اتخذته، بحق قاصر أو راشد من أي من الجنسين، إلا في حال واحدة فقط، وهي تراجع أهل الضحية عن طلب تنفيذ الحكم. ففي حالات النزاع العائلي أو العلاقات الاجتماعية، التي تؤدي إلى القتل، تحتكم المحكمة الثورية إلى أهل الضحية، فهم وحدهم من يحق لهم البت في الموضوع، أما في حالات الجرائم السياسية والأمنية وجرائم الرأي والمخدرات وما شابه، فالمحكمة الثورية هي مرجع نفسها الوحيد، ولا تستنير برأي أحد.

رغم كل الجهود المدنية التي بُذلت، من قبل ناشطين حقوقيين، في إلغاء عقوبة الإعدام بحق القصّر في إيران، إلا أن ألواقع يزداد تعقيداً. وقد سعت المحامية نسرين ستوده وقبلها نرجس محمدي، كثيراً، إلى الوصول إلى نهاية سعيدة في هذا الموضوع، ولكن مصيريهما كان السجن، بسبب هكذا مطلب وغيره.

تشرح الناشطة في مجال حقوق الإنسان معصومة طهماسبي، عن هذا الواقع، فتقول: “الواقع يشير إلى أن نسبة إعدام القصّر في إيران، آخذة بالارتفاع سنة إثر سنة”.

وتشير إلى أن “المادة 91 من القانون الجزائي الإسلامي، التي تم إقرارها منذ ست سنوات، أخذت بعين الاعتبار النظر في هذه الأحكام. وعيّنت سيدة في موقع رئيسة محكمة الأطفال والقصّر. وقد أقرّت المادة عدم تنفيذ حكم الإعدام بالمرتكبين ممن هم دون سن الخامسة عشرة”.

لكن تدبير الاستبقاء قيد الاعتقال، يطيح بهذا القرار، أو أنه يسخر منه.

وتعتبر المحامية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي أن “طبيعة النظام القضائي وقوانين المحاكمة الجنائية في إيران، تلغي إمكانية اتخاذ أحكام عادلة في هذه المجالات”، وتصفها بأنها “أحكام ذات طابع انتقامي وغير عادل”.

بالعودة إلى الفتيين اللذين خسرا حياتيهما، منذ أيام، فقد تم اعتقالهما منذ سنتين بتهمة السرقة، وكان كلاهما في مطلع الخامسة عشرة من العمر، وطوال هذه الفترة ظلا بلا محاكمة ومحرومين من حق الدفاع عن النفس، وقد أعدما بطريقة سرية، ومن دون اطلاع مسبق على الحكم، ثم سلمت جثتاهما اللتان ظهرت عليهما آثار تعذيب وضرب مبرح، إلى عائلتيهما، بعد أيام قليلة من زيارتهما لهما في السجن المركزي في مدينة شيراز.

بين الشابين صلة قرابة من جهة الأم، وأحدهما مصاب بإعاقة عقلية، وقد اقتيد من مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة إلى السجن مباشرة، بدون وجود أي من أفراد عائلته.

منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان كانت أول من أذاع خبر إعدامهما، كاشفة عن اسميهما، وفي بيان أصدرته تعليقا على الحادثة، أعلنت أن “الشابين مهدي سهرابي فر وأمين صداقت، تم إعدامها في سجن شيراز المركزي بطريقة سرية. كما أن الشاب مهدي سهرابي فر مصاب بإعاقة ذهنية وهو تلميذ في مدرسة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة. الشابان من مواليد 2003، وقد اعتقلا بتهمة السرقة منذ نحو سنتين، بفاصل عدة أيام قليلة. بينمها قرابة لجهة الأم، تهمتها السرقة. وتؤكد عائلتاهما أن التهمة باطلة، وأن مرتكب السرقة شخص آخر، وأنهما اعترفا بالجريمة تحت التعذيب”.

واعتبر مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولي فيليب لوتر أن “السلطات الايرانية، بهذا العمل، تنتهك القوانين الدولية وحقوق الإنسان، مرة ثانية”.

المحكمة الثورية، أنكرت الخبر في الأيام الثلاثة الأولى لتسرّبه، لكنها عادت وأكدته، بينما نفت أن يكون أحدهما غير سوي ذهنياً.

بينما، لا حيلة للمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية، إزاء حالات الإعدام المتكرّرة في إيران، سوى الإدانة والاعتراض ببيانات، من دون اتخاذ أي خطوات عملية، تضع حدا لهذه الممارسات، يبدو أن إيران ستظل ممعنة في استسهال قصف أعمار مواطنيها، القاصرين منهم والبالغين.