إيران تتسلح بـ"حسن النية" في مواجهة العقوبات الأميركية

إيران لا تملك هامش مناورة واسع ولا بدائل لتخفيف أثر تداعيات العقوبات الأميركية على اقتصادها، مراهنة على التهدئة الدبلوماسية مع الأوروبيين وشبكات معقدة للتحايل على العقوبات.

إيران تواجه خسارة نصف إيراداتها النفطية بسبب العقوبات
أنشطة إيران الإرهابية في أوروبا عقبة في وجه التهدئة الدبلوماسية
طهران تأمل في حشد دعم أوروبي اسيوي لتخفيف وطأة العقوبات

  

طهران - لا تملك إيران خيارات كثيرة في مواجهة العقوبات الأميركية التي بدأت بالفعل تشدد الخناق على الاقتصاد الإيراني وترخي بظلال ثقيلة على الوضع العام في الجمهورية الإسلامية التي أوغلت في قمع مواطنيها لإخماد أي نيّة للتمرد والانتفاضة على النظام.

ويبدو هامش المناورة لدى طهران محدودا للإفلات من العقوبات في ظل الإصرار الأميركي على وضع حدا لسياساتها العدائية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.   

ويظهر أن وضع إيران على صعيد علاقاتها الدبلوماسية أقوى مما كان في السابق في وقت تتستعد فيه لإعادة فرض الحظر الأميركي على النفط الاثنين.

وجنوح طهران للتهدئة خاصة مع كبار الشركاء التجاريين وتحديدا الأوروبيين لم يكن خيارا بقدر ما كان حتمية فرضتها التطورات المتسارعة منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي للعام 2015 وإعادة العمل بنظام العقوبات السابقة.

وتبدو الحكومة الإيرانية التي يقودها الاصلاحيون أميل للتهدئة الدبلوماسية بعيدا عن التصعيد الذي يقوده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي المدعوم من الحرس الثوري الإيراني.

ولا يريد الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يرجع له الفضل في إنهاء عزلة إيران الدولية خلال السنوات القليلة الماضية بتوقيع الاتفاق النووي في 2015 مع القوى الست الكبرى، أن يخسر أهم الحلفاء الغربيين في مواجهة ضغوط أميركية لا تهدأ.

وابتعدت حكومته نسبيا عن التصعيد لضمان استمرار الدعم الأوروبي للاتفاق النووي الذي تطالب واشنطن بإلغائه والتفاوض على معادة ملزمة تشمل كبح أنشطة إيران الإرهابية والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ومخاطر برنامجها للصواريخ الباليستية.

وعلى خلاف هذه السياسية، فإنه خلال آخر فترة عقوبات عاشتها الجمهورية الإسلامية بين العامين 2010 و2015، وقفت معظم دول العالم إلى جانب واشنطن لمساعدتها في تطبيق الحظر الهادف إلى تقييد برنامج إيران النووي.

وكان باراك أوباما في البيت الأبيض آنذاك حيث حظي باحترام واسع دوليا في وقت كان على رأس السلطة في طهران الرئيس الشعبوي محمود أحمدي نجاد الذي أغضب الغرب بمواقفه المثيرة للجدل كعقده مؤتمرات تنكر المحرقة اليهودية وقمع النظام الإيراني الشرس للاحتجاجات التي اندلعت عام 2009.

مرحلة أشد توترا في العلاقات الأميركية الإيرانية منذ وصول ترامب للحكم
ترامب يقطع مع مرونة سلفه اوباما حيال أنشطة إيران التخريبية

لكن مراقبين كثرا يرون أن إيران تتصرف بمسؤولية بينما أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذهول حكومات أوروبية وآسيوية عندما قرر التخلي عن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بعد جهود مضنية عام 2015 والتزمت طهران ببنوده.

وهناك ارتباط قوي الآن بين موسكو وطهران كحليفين عسكريين في سوريا في وقت ترى الصين في إيران حقل اختبار للكيفية التي ستتمكن فيها من مواجهة العقوبات الأميركية بحقها كذلك.

وأوضحت المحللة المهتمة بالشأن الإيراني إيللي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أنه "في الجولة الأخيرة من العقوبات، كانت هناك رؤية ثنائية للغاية لإيران على أنها اللاعب الخبيث في المنطقة بينما تتوافق باقي الدول مع رغبات اللاعبين الأوروبيين وغيرهم".

وأضافت "لكن هناك اليوم نقاش علني وأكثر تعقيدا بشأن بقية اللاعبين الإقليميين وإدراك بأن الجميع يلعبون لعبة قذرة للغاية في الشرق الأوسط. لا أحد يعتقد أن إيران قديسة لكن هناك نظرة أكثر دقة".

هناك ارتباط قوي الآن بين موسكو وطهران كحليفين عسكريين في سوريا في وقت ترى الصين في إيران حقل اختبار للكيفية التي ستتمكن فيها من مواجهة العقوبات الأميركية

وتكمن المشكلة بالنسبة لإيران في مسألة ما إذا كان بإمكان حسن النية الدبلوماسية هذه أن تترجم إلى مكاسب ملموسة.

وتراهن طهران على ما يبدو على هذه السياسة مستغلة مخاوف القوى الغربية من تضرر مصالحها في السوق الإيرانية.

وبحسب صندوق النقد الدولي، دفعت العقوبات إيران إلى حالة ركود بينما يتوقع محللون أن تخسر على الأقل نصف صادراتها النفطية التي تعد غاية بالأهمية بالنسبة إليها بعد 5 نوفمبر/تشرين الثاني.

وتعمل أوروبا على آليات خاصة للمحافظة على تدفق التجارة، لكن شركاتها الخاصة ليست على استعداد لاستعداء وزارة الخزانة الأميركية وليست على استعداد للمجازفة باستثمارات بمليارات الدولارات في سوق عالية المخاطر وبيئة مضطربة أمنيا وسياسيا.

وبالنسبة لكليمنت ثيرم من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "حتى ولو أبدى الأوروبيون نية حسنة وأوجدوا هذه الآليات البيروقراطية، فإن القطاع الخاص غير مهتم باستغلالها".

إلا أن طهران تأمل بأن تحشد دعم الحكومات الأوروبية والآسيوية لتتمكن على الأقل من تخفيف وطأة العقوبات.

لكن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أوضح أن إيران لن تنتظر إلى ما لا نهاية في حال نفدت ميزات الاتفاق النووي الاقتصادية.

وقال ثيرم "إنه خيار بين السيئ والأسوأ. خيار الانسحاب من الاتفاق النووي سيكون بمثابة انتحار دبلوماسي"، مضيفا "حتى ولو لم يكن الدعم السياسي من أوروبا وروسيا والصين مثاليا إلا أنه أفضل من لا شيء".

وتابع "لكن كرامة إيران ستصعب عليها للغاية المحافظة على الاتفاق في حال توقف الجميع عن شراء النفط أو خفضوا مشترياتهم".

وأكد المحلل السياسي من جامعة طهران محمد مراندي أن المسألة لم تحسم بعد في أروقة الحكم الإيرانية.

وقال "هذه بالتأكيد ليست نهاية القصة. في حال فشل الأوروبيون في الوقوف في وجه تنمر الولايات المتحدة وواجه الإيرانيون مشكلات حقيقية في تصدير النفط، أعتقد أن إيران ستتجه نحو التخلي عن الاتفاق النووي".

وشكّلت الاتهامات بوضع مخططات لتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات ضد معارضين إيرانيين على الأراضي الأوروبية عقبة في وجه التهدئة الدبلوماسية التي باتت تنتهجها طهران.

اكتشاف مخططات إيرانية إرهابية في فرنسا والدنمارك يبدد "حسن النية" الدبلوماسية الإيرانية

واتهمت كوبنهاغن هذا الأسبوع طهران بالتخطيط لتنفيذ هجوم تم إحباطه ضد أعضاء مجموعة انفصالية عربية-إيرانية تتخذ من الدنمارك مقرا لها، بينما أشارت فرنسا إلى أن وزارة الاستخبارات الإيرانية خططت لاستهداف تجمع لمعارضي النظام الإيراني في باريس في يونيو/حزيران.

وتنفي إيران الاتهامات وتصر على أن أعداء الجمهورية الإسلامية ينشرونها سعيا لتقويض الاتفاق النووي.

وتبقى طهران واثقة بقدرتها على مواجهة العقوبات في وقت يشير فيه محللون إلى خبرتها العميقة في استخدام الشبكات غير الرسمية والتهريب للمحافظة على تدفق الأموال، إلا أن ما يقلقهم هو غياب النهاية الواضحة.

وطرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بدوره 12 مطلبا يهدف لتقييد نفوذ إيران في الشرق الأوسط، يرى المحللون أنها ترقى إلى مطالب تعجيزية لتغيير النظام.

وعلقت جيرانمايه على هذه المطالب بالإشارة إلى أنه "في عهد أوباما، كان للعقوبات هدف واضح وقابل للتحقق يتمثل بجلب إيران إلى طاولة المفاوضات لمناقشة المسألة النووية بشكل خاص".

وفي المقابل، "تطالب خطة بومبيو المكونة من 12 نقطة بصورة أساسية باستسلام النظام (الإيراني) وهو ما يجعل الآخرين في حيرة بشأن الكيفية التي ستنتهي بها العقوبات".