إيران تتوجس من انتقال عدوى احتجاجات العراق إلى ساحتها

إيران تدخل على خط الأزمة العراقية، محذّرة من استغلال الأجانب للاحتجاجات الشعبية لنشر الفوضى، في تحذير يستبطن خوفا من شرارة انتفاضة مماثلة على ساحتها.

احتجاجات العراق تثير الرعب في إيران من حراك مماثل
إيران تُرهب العراقيين من 'الفوضى' خوفا من احتجاجات مماثلة على أراضيها
الإيرانيون كسروا في احتجاجات سابقة حاجز الخوف
لا معممين ولا شعارات حزبية في احتجاجات العراق
عبدالمهدي لم يتواصل مع المحتجين حتى الآن إلا من خلال بيانات مكتوبة
28 قتيلا حصيلة ثلاثة أيام من الاضطرابات في العراق

طهران/بغداد - دخلت إيران على خط الأزمة العراقية داعية إلى التهدئة وضبط النفس كما أغلقت معابر حدودية ودعت مواطنيها إلى إرجاء زياراتهم لكربلاء لإحياء مناسبة دينية "إلى حين استقرار الظروف هناك"، بينما شهد العراق الخميس اليوم الأكثر دموية منذ انطلاق الاحتجاجات المطلبية الثلاثاء وراح ضحيتها 28 شخصا خلال المواجهات العنيفة غير المسبوقة بين المحتجين والقوات الأمنية.

ويشير التدخل الإيراني عبر ترهيب المحتجين من عواقب "استغلال أجنبي" لتلك الاحتجاجات العفوية التي لم يشارك فيها معممون ولم ترفع فيها شعارات طائفية ولا أعلام الأحزاب السياسية، إلى مخاوف إيرانية من تناثر شظايا الغضب في العراق إلى الساحة الإيرانية التي شهدت في العام 2018 انتفاضة شعبية أخمدها الحرس الثوري بالحديد والنار.

وتسود الشارع الإيراني حالة من التململ والغضب الصامت منذ العام الماضي في مشهد يختزل مقولة "النار تحت الرماد"، بفعل وطأة العقوبات الأميركية التي تدفع الاقتصاد الإيراني إلى حافة الهاوية.

وتصر السلطة الإيرانية بشقيها الإصلاحي والمحافظ والمحكومة بسلطة المرشد الدينية والسياسية، على قدرتها على الصمود في وجه تلك العقوبات وقدرتها على تجاوز الأزمة، لكن هذه المكابرة لم تعد تنطلي على الإيرانيين الذين يعايشون يوميا وطأة العزلة الدولية في معاشهم وحياتهم اليومية.

ولا توجد مؤشرات على تحرك شعبي في إيران ضد النظام، لكنه سبق للإيرانيين أن كسروا حاجز الخوف وخرجوا في مظاهرات حاشدة رفعت فيها لأول مرة شعارات مناوئة للمرشد الأعلى علي خامنئي وتعالت فيها الأصوات متهمة أعلى مرجعية دينية وسياسية بالفساد.

الايرانيون انتفضوا في السابق احتجاجا على الفساد وسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية
الايرانيون انتفضوا في السابق احتجاجا على الفساد وسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية

وحاولت الخارجية الإيرانية ترهيب العراقيين، محذّرة من أن يستغل الأجانب تلك الاحتجاجات لنشر الفوضى، معتبرة أن من مصلحتهم وقف التظاهرات قافزة على المطالب الشعبية، في تحذيرات تسلط الضوء على حالة الهلع الرسمي من أن تنتقل عدوى الاحتجاجات في الدولة الجارة إلى إيران.

وقالت في بيان "نحن على يقين بأن العراق حكومة وشعبا سيعمل على تهدئة الوضع المضطرب الحالي ولن يسمح باستمرار بعض التحركات التي تؤدي إلى استغلالها من قبل الأجانب".

وتابعت "نحن على ثقة بأن الحكومة والشعب العراقيين وجميع التيارات والأحزاب والشخصيات لاسيما مراجع التقليد الأجلاء وغيرهم من الزعامات الدينية والسياسية، سيعملون جميعا على تهدئة الوضع المضطرب الحالي دون أن يسمحوا باستمرار بعض التحركات التي تضر بالشعب العراقي وتؤدي إلى استغلالها من قبل الأجانب".

كما دعت جميع الرعايا الإيرانيين إلى تأجيل زياراتهم للعراق إلى حين عودة الهدوء وإلى ضرورة التقيد بتحذيرات المسؤولين السياسيين والأمنيين لمراسم أربعينية الحسين.

ويأتي التدخل الإيراني في الأزمة العراقية بينما ارتفع سقف مطالب المحتجين من المطالبة بالتنمية والتشغيل ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، إلى الحشد لإسقاط النظام.

وانطلاقا من بغداد ثاني العواصم المكتظة بالسكان في العالم العربي، امتدت التظاهرات التي تطالب برحيل "الفاسدين" وتأمين فرص عمل للشباب لتطال معظم المدن الجنوبية.

والخميس، تدخلت مدرعات القوات الخاصة في بغداد لصد الحشود، فيما أطلقت القوات الأمنية على الأرض الرصاص الحي الذي ارتد على متظاهرين نقلهم رفاقهم بالتوك توك إلى أقرب مشفى.

وقال متظاهر يدعى علي وهو خريج عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاما "نحن مستمرون حتى إسقاط النظام"، مضيفا "أنا من دون عمل، أريد أن أتزوج، لدي 250 دينارا (أقل من ربع دولار) فقط في جيبي والمسؤولون في الدولة لديهم الملايين"، في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

أما أبوجعفر وهو متقاعد غزا الشيب رأسه، فقال "أنا أدعم الشباب. لماذا تطلق الشرطة النار على عراقيين مثلهم؟ هم مثلنا مظلومون. عليهم أن يساعدونا ويحمونا".

ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفويا، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له في ما يعتبر سابقة في العراق.

ومع سقوط 28 قتيلا، بينهم شرطيان، 17 منهم في محافظة ذي قار الجنوبية لوحدها، تحول الحراك الخميس إلى معركة في بغداد على محاور عدة تؤدي إلى ميدان التحرير، نقطة التجمع المركزية الرمزية للمتظاهرين.

ووصل المتظاهرون في بغداد على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينية عليها أسماء الأئمة المعصومين لدى الشيعة، على غرار تلك المعلقة في شوارع العاصمة قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من ذكرى أربعين الإمام الحسين، أكبر المناسبات الدينية لدى هذه الطائفة.

وردد المتظاهرون عدة هتافات بينها "بالروح بالدم نفديك يا عراق" وفي مواجهتهم، شكلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشرية في محيط الوزارات، خصوصا وزارة النفط.

وفي ساحة الطيران بوسط بغداد، انقض المتظاهرون على آليتين عسكريتين وأضرموا النار فيهما، بينما أطلقت القوات الأمنية مجددا الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين رغم حظر التجول الذي دخل حيز التنفيذ فجرا.

ويعد هذا اليوم اختبارا حقيقيا لحكومة عادل عبدالمهدي التي تكمل في نهاية الشهر الحالي عامها الأول في السلطة، لكن رئيس الحكومة لم يتواصل مع المحتجين حتى الآن إلا من خلال بيانات مكتوبة، يشيد فيها بـ"ضبط النفس لدى القوات المسلحة"، أو يعلن حظر التجول في بغداد.

وإذ يبدو الحراك عفويا، قرر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات داعيا أنصاره الذين سبق أن شلوا مفاصل البلاد في العام 2016 باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم "اعتصامات سلمية" و"إضراب عام"، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.

وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي عدة مدن يواصل المحتجون إغلاق الطرقات أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسمية في النجف أو الناصرية جنوبا.

ويبدو أن الحكومة التي اتهمت "معتدين ومندسين بالتسبب عمدا بسقوط ضحايا بين المتظاهرين"، قد اتخذت خيار الحزم.

ودعت منظمة العفو الدولية بغداد في بيان إلى "أمر قوات الأمن على الفور بالتوقف عن استخدام القوة بما في ذلك القوة المفرطة المميتة" وإعادة الاتصالات.

ومنذ مساء الأربعاء أيضا، بدا صعبا الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مع بطء شديد في شبكة الإنترنت. وسجل انقطاع واسع للإنترنت في العراق وصل الخميس إلى نحو 75 بالمئة، بحسب ما أفادت منظمة متخصصة.

وتأتي هذه الخطوة وسط مخاوف من دعوات يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف لحشد أكبر وأوسع للمظاهرات.

غلق معبر حدودي بين إيران والعراق
إيران تغلق معبرا حدوديا مع العراق وتنصح مواطنيها بتأجيل السفر للمشاركة في احياء مناسبة دينية في كربلاء

وسعى المحتجون في بغداد للتوجه إلى ساحة التحرير التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقا مشددا منذ الثلاثاء.

وقررت السلطات بعد أن أعادت في يونيو/حزيران افتتاح المنطقة الخضراء التي كانت شديدة التحصين وتضم المقار الحكومية والسفارة الأميركية، إعادة إغلاقها مساء الأربعاء، منعا لوصول المتظاهرين. وعادة ما يتخذ المتظاهرون من المنطقة الخضراء وجهة لهم نظرا لرمزيتها السياسية.

وانتشرت التظاهرات في عدة محافظات في جنوب البلاد، كمدينة البصرة النفطية التي شهدت العام الماضي احتجاجات دامية.

لكن رغم ذلك، لم تمتد التحركات إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصا المناطق السنّية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي.

ويعاني العراق الذي أنهكته الحروب، انقطاعا مزمنا للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات.

وتشير تقارير رسمية إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

وتحسبا لتصاعد الاضطرابات، أغلق أحد المعابر الحدودية بين العراق وإيران "بطلب من السلطات العراقية"، بحسب ما أفاد الخميس التلفزيون الإيراني.

ويتعلق الأمر بمعبر خسروي الواقع على بعد 570 كلم شرقي العاصمة طهران، بحسب المصدر ذاته. وأغلقت الحدود في هذه المنطقة خلال الليلة الماضية ولا تزال مغلقة حتى بعد ظهر الخميس.

ويأتي هذا التطور بينما بدأ آلاف الزوار الإيرانيين مسيرتهم في إطار إحياء أربعينية الحسين التي توافق هذا العام 17 أكتوبر/تشرين الأول وتتم عند ضريح الحسين بن علي في كربلاء المدينة العراقية الواقعة على بعد 110 كلم جنوبي بغداد.

وقالت وكالة فرس الإيرانية إن عبور الزوار يتم "بلا مشاكل" في معبري مهران وجذابه الأبعد جنوبا، لكن وكالة ايرنا الرسمية قالت إن المعبر الأخير أغلق لبضع ساعات من الجانب العراقي عند منتصف الليل قبل إعادة فتحه صباح اليوم الخميس.

وفي سنة 2018 شارك في أربعينية الحسين نحو 1.8 مليون إيراني، بحسب أرقام رسمية، إلا أن إحياء هذه المناسبة الدينية لدى الشيعة تأتي هذا العام في ظرف استثنائي حيث تتفاقم الاضطرابات في العراق على وقع احتجاجات شعبية مرشحة للتوسع أكثر.