إيران تحرك ميليشياتها في العراق مع تعثر مفاوضات فيينا النووية

مصدر عراقي يكشف عن مباحثات بين رئيس المخابرات في الحرس الثوري الإيراني وقادة ميليشيات الحشد الشعبي ومسؤولين عراقيين في زيارة لبغداد لم يعلن عنها مسبقا وتأتي في خضم توترات بين واشنطن وطهران.
رئيس المخابرات العسكرية الإيرانية في زيارة 'مفاجئة' لبغداد
إيران باتت تعتمد على ميليشيات جديدة قادتها من نخبة المقاتلين وغير معروفين

بغداد - توعدت ميليشيا عراقية شيعية مقربة من إيران اليوم الثلاثاء، الولايات المتحدة بعمليات نوعية قد تكون برية وجوية أو بحرية، في تصعيد يأتي بعد استهداف صاروخي أمس الاثنين لقاعدة عين الأسد وإعلان الجيش الأميركي إسقاط طائرة بلا طيار فوق السفارة الأميركية في بغداد وبالتزامن مع وصول رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب إلى بغداد في زيارة سرية لم يعلن عنها مسبقا.

والتقى طائب بمسؤولين عراقيين وقيادات في الحشد الشعبي والفصائل المسلحة، بحسب ما نقلت قناة روسيا اليوم عن مصدر عراقي لم تسمه.

كما تأتي هذه التطورات فيما تواجه المحادثات النووية غير المباشرة في فيينا بين طهران وواشنطن حالة من الجمود وسط خلافات أكد مفاوضون أميركيون وإيرانيون أنها "كبيرة".

وقد يكون لتصعيد الميليشيات العراقية الموالية لإيران صلة بزيارة رئيس مخابرات الحرس الثوري الإيراني لبغداد مع دخول المفاوضات النووية حالة من الجمود.

وبحسب وكالة 'اسوشيتد برس' الأميركية، لوحت 'كتائب سيد الشهداء' إحدى الميليشيات العراقية التابعة لطهران بـ"استهداف القوات الأميركية بعملية نوعية قد تكون برية أو جوية أو بحرية، ردا على الغارة الأميركية في القائم الشهر الماضي والتي قتل فيها 4 من عناصر اللواء.

ونقلت الوكالة عن أبوآلاء الولائي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء قوله "إننا نريد تنفيذ عملية يصفها الجميع بأنها انتقام من واشنطن"، موضحا أن "عملية الانتقام من الأميركيين قد تكون برا أو بحرا أو جوا أو بأي مكان".

وتابع "الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية ذاهبة باتجاه الرد على الضربة الأميركية"، مضيفا أنها تتمسك بالرد وأنها "قادرة على الوصول إلى القوات الأميركية في الحدود السورية والكويت والسعودية إضافة إلى إقليم كردستان".

وكان لافتا أن تصعيد الميليشيات العراقية من حين إلى آخر كان يقترن بتطورات مسار المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية العالقة حتى الآن في مربع الاشتراطات من الجانبين.

وسبق أن وجه الحرس الثوري الإيراني تهديدات للولايات المتحدة، مؤكدا أن قواته قادرة على الضرب في كل مكان، لكنه يكتفي عادة باحتكاكات مع البحرية الأميركية في مضيق هرمز وبحر عمان في حوادث تأتي لممارسة ضغط وبعث رسالة للولايات المتحدة مفادها أنه قادر على إلحاق الأذى بمصالحها وقواتها في المنطقة.

كما أجرى استعراضات قوة في البحر والبر وعرض عشرات من طائراته بلا طيار والتي باتت الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة مثل الحوثيين تعتمد عليها بشكل كبير.

وتعتقد واشنطن أن الميليشيات العراقية وغيرها من الأذرع الإيرانية تتحرك بإيعاز من طهران وأن الأخيرة تمتلك مفاتيح التهدئة والتصعيد في المنطقة، مؤكدة أن عناد الحوثيين وتصعيدهم في اليمن هو بأمر وتدبير إيراني.

وشكلت الضربة الجوية التي نفذتها القوات الأميركية الشهر الماضي بأمر من الرئيس الأميركي جو بايدن، اختبارا لحدود القوة الأميركية في التعامل مع الميليشيات الإيرانية في المنطقة وأيضا اختبار لنطاق التحرك الأميركي جغرافيا في مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد قالت الشهر الماضي إن قواتها العسكرية شنت يوم (27 يونيو وبتوجيه من الرئيس جو بايدن ضربات جوية دفاعية دقيقة ضد منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا".

وتسبب الهجوم في إحراج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي تتهمه الميليشيات الموالية لإيران بأنه حليف قوي للولايات المتحدة وأنه يقوم بتنفيذ أجندتها، بينما يكابد لكبح سلاح الميليشيات والتهدئة قبل انتخابات مبكرة يشارك فيها قادة تلك الفصائل.

وعقد المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي حينها اجتماعا طارئا برئاسة الكاظمي خصص لمناقشة الضربات الأميركية التي استهدفت موقعا لكتائب سيد الشهداء على الحدود العراقية السورية.

ونددت الحكومة العراقية كما السورية بتلك الغارات بوصفها انتهاكا لسيادة البلدين، بينما أعلن المجلس الوزاري الأمني العراقي "اللجوء إلى كل الخيارات القانونية المتاحة لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات التي تنتهك أجواء العراق وأراضيه".

وكانت تنسيقية المقاومة العراقية وهي التسمية التي تطلق على تحالف فصائل شيعية تابعة لإيران، قد توعدت حينها في بيان بـ"الثأر" عبر ما قالت إنها "حرب مفتوحة".

وكان تقرير غربي سابق قد كشف أن إيران غيرت تكتيكاتها والإستراتيجية الأمنية والعسكرية الخارجية التي وضعها قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في غارة أميركية بطائرة بلا طيار فجر الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، استهدفت موكبه في هجوم قتل فيه أيضا نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.

وبحسب التقرير، فإن إيران بدأت في تشكيل وتدريب ميليشيات جديدة وصغيرة الحجم مؤلفة من نخبة من المقاتلين الشيعة في العراق غير معروفين للاعتماد عليها في التصعيد ضد القوات الأميركية في المنطقة بعد أن خروج ميليشياتها المعروفة في العراق عن السيطرة وعلى ضوء الانقسامات وصراع النفوذ بين قادة تلك الميليشيات.  

وفي ما يتعلق بزيارة رئيس المخابرات في الحرس الثوري الإيراني، لبغداد نقلت روسيا اليوم عن مصدر عراقي قوله، إن "حسين طائب بحث ملف تواجد القوات الأميركية والهجمات التي تتعرض لها القواعد والبعثات الأميركية"، بينما من التوقع أن يلتقي برئيس الوزراء العراقي الذي يعتزم قريبا القيام بزيارتين خارجيتين الأولى لطهران والثانية لواشنطن.

الميليشيات العراقية الموالية لإيران تصعد كلما واجهت طهران مأزقا في جهود انقاذ الاتفاق النووي
الميليشيات العراقية الموالية لإيران تصعد كلما واجهت طهران مأزقا في جهود انقاذ الاتفاق النووي

وفي تطور آخر، تجمع عشرات من العراقيين بينهم عدد من الصحافيين في بغداد الثلاثاء لإحياء الذكرى الأولى لاغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي في عملية هزت البلاد ولم تتوصل السلطات إلى كشف هوية مرتكبيها، بينما وجه نشطاء في الحراك العراقي أصابع الاتهام لإيران بتصفية الهاشمي.

وتجمع المشاركون في ساحة التحرير، رمز الثورة الشعبية التي هزت العراق نهاية عام 2019 ولاقت دعما من الهاشمي.

وبدا التأثر على جميع المشاركين الذين رفعوا بصمت صور الباحث وأضاؤوا الشموع في ذكراه.

وقال ماجد الخالدي الصحافي في وكالة الأولى العراقية "مر عام على الجريمة البشعة والحكومة عاجزة عن التوصل إلى القتلة".

وقالت بان الصميدعي من أصدقاء الهاشمي والدموع تنهمر من عينيها "لقد فقدنا أخا وأفضل محلل أمني عرفه العراق".

وقُتل الهاشمي (47 عاما) المتخصص في الحركات الجهادية في 6 يوليو/تموز 2020 برصاص رجال على دراجات نارية خارج منزله في بغداد. وكان الباحث الناشط في المجتمع المدني قد تبنى موقفا قويا لصالح الاحتجاجات التي طالبت بإصلاح شامل للنظام السياسي ونددت بالهيمنة الإيرانية على القرار السياسي في العراق.

وأكد اللواء سعد معن المسؤول في وزارة الداخلية والذي شارك في التحرك أن "الحكومة والأجهزة الأمنية تواصل متابعة هذا الملف ولن ندخر جهدا للعثور على القتلة".

واغتيل عشرات من المعارضين العراقيين منذ اندلاع الاحتجاجات عام 2019 والتي أسفرت عن مقتل 600 شخص على الأقل وإصابة 30 ألفا، فيما تعرض عشرات للخطف لفترة وجيزة.

وبداية يونيو/حزيران أفرج القضاء عن قيادي في الحشد الشعبي الموالي لإيران كان يشتبه بأنه دبر اغتيال أحد المعارضين، مما أعاد الجدل حول قدرة السلطات على احتواء الموالين لطهران.