إيران تخطط لمواصلة برنامجها النووي وسط آمال بدعم روسي-صيني
طهران – أعلنت إيران أنها بدأت تقييم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية عقب سلسلة من الضربات الجوية التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية، مستهدفة مواقع رئيسية ضمن برنامج طهران النووي، وعلى رأسها منشآت نطنز وأصفهان وفوردو وسط خطط لترميم ما تم تدميره حيث من المرجح التعويل على الدعم الروسي والصيني في هذا المجال ما يعني مواصلة البرنامج النووي.
وقال محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، يوم الثلاثاء، إن بلاده ستواصل برنامجها النووي وانها اتخذت الترتيبات الضرورية لإصلاح الأضرار الناجمة عن القصف، مؤكداً أن الخطة الإيرانية تهدف إلى "منع توقف عملية الإنتاج والخدمات"، ما يعكس إصرار طهران على الاستمرار في تطوير برنامجها النووي رغم الضغوط الدولية والتحديات الأمنية.
ومنشأة فوردو، الواقعة تحت جبل قرب مدينة قم، كانت إحدى الأهداف الأكثر إثارة للجدل بسبب تحصينها الشديد. ورغم صعوبة استهدافها، كشفت مصادر عسكرية غربية أن القاذفات الأميركية من طراز بي 2 سبيريت نفذت ضربات دقيقة على الموقع، باستخدام قنابل خارقة للتحصينات قادرة على اختراق أكثر من 60 مترًا من الصخور والخرسانة. وبينما لم تعلن إيران رسميًا عن حجم الأضرار هناك، تشير التقديرات إلى أن البنية التحتية للموقع تأثرت بشكل كبير، ما يستدعي جهودًا هندسية وتقنية ضخمة لإعادة تأهيله.
وفي ظل هذه التحديات، يُتوقع أن تعتمد إيران على شركائها الدوليين، خصوصًا روسيا والصين، من أجل دعم جهودها لإعادة بناء قدراتها النووية. ويُعتقد أن موسكو، التي تمتلك خبرة طويلة في التعاون النووي مع طهران، قد تُعيد تفعيل قنوات الدعم الفني، فيما يمكن أن تقدم بكين دعماً لوجستياً وتقنياً عبر شركات متخصصة تعمل خارج دائرة العقوبات الغربية المباشرة.
ومع ذلك، فإن إعادة بناء منشآت مثل نطنز أو فوردو – بما فيها من تجهيزات دقيقة ومفاعلات عالية الحساسية – ستتطلب وقتًا قد يمتد لسنوات، فضلًا عن صعوبات مرتبطة بإعادة تأمين المعدات والتكنولوجيا تحت وطأة العقوبات المشددة المفروضة على طهران.
والضربات الأخيرة أشعلت جدلاً داخل إيران حول استمرار الالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، حيث دعت بعض الأوساط السياسية إلى الانسحاب من الاتفاقية، كخطوة احتجاجية على ما تعتبره "ازدواجية في التعامل الدولي" مع برنامجها السلمي. لكن طهران لا تزال تؤكد رسميًا رفضها تصنيع أو امتلاك سلاح نووي، وهو ما كرره إسلامي في كلمته الأخيرة.
في المقابل، سعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى استئناف الحوار مع طهران. وقال رافائيل غروسي، مدير عام الوكالة، إنه تواصل مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مقترحًا عقد اجتماع قريب لبحث سبل التعاون. وفي منشور له على منصة "إكس"، عبّر غروسي عن أمله بأن يؤدي هذا اللقاء إلى حل دبلوماسي للأزمة المستمرة منذ سنوات.
ورغم ذلك، لا تزال طهران تُبدي تحفظًا واضحًا تجاه الوكالة الدولية، متهمة غروسي بعدم اتخاذ موقف واضح ضد الضربات التي تعرضت لها منشآتها النووية، وهو ما تسبب في موجة انتقادات داخلية واسعة ضده.
وفي السياق نفسه، دعت وزارة الخارجية الفرنسية إيران إلى "الدخول الفوري في مفاوضات" تتناول برنامجها النووي، بالإضافة إلى برنامج الصواريخ الباليستية وسلوكها الإقليمي. وأكدت باريس في بيان رسمي أن على طهران تقديم ضمانات واضحة تعالج "جميع المخاوف" ذات الصلة. كما رحبت فرنسا بإعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، معتبرة أنه "خطوة أولى نحو نزع فتيل التوتر".
ورغم إعلان وقف إطلاق النار، فإن الملف النووي الإيراني لا يزال يمثل بؤرة توتر إقليمي ودولي. طهران، المصممة على استكمال مشروعها النووي، تجد نفسها الآن في موقف معقد يتطلب توازناً دقيقاً بين إعادة الإعمار النووي، والحفاظ على الخط الدبلوماسي المفتوح، وتفادي الانزلاق إلى مزيد من العزلة أو التصعيد.
ومع ترقّب المجتمع الدولي لردود فعل الصين وروسيا، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح طهران في ترميم قدراتها النووية فعلاً، أم أن الضربات الأخيرة شكلت نقطة تحوّل استراتيجية في برنامجها؟