إيران تسعى لكسر عزلتها من البوابة المصرية
القاهرة - بحث وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الإثنين، مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل متغيرات إقليمية متسارعة وضغوط دولية متزايدة تُمارس على طهران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ودعمها لعدد من الجماعات المسلحة في المنطقة بينما تشهد العلاقات الإيرانية المصرية تطورا في السنوات الأخيرة بينما ترى طهران ان الزيارة فرصة لكسر العزلة.
ويبدو أن طهران تعول على بوابة القاهرة لفتح أفق دبلوماسي جديد، وربما إعادة التموضع إقليمياً بعيدًا عن صيغ التحالفات التقليدية. في المقابل، ترى القاهرة في تحسين العلاقات مع إيران فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي وتوسيع هامش حركتها الدبلوماسية، خاصة في ظل المتغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة.
ومع أن الطريق نحو تطبيع شامل للعلاقات لا يزال طويلاً، إلا أن هذه الزيارة تمثل خطوة أولى باتجاه حوار أوسع قد يشمل قضايا الأمن الإقليمي، وسبل التهدئة، وتعزيز الاستقرار في منطقة لا تزال تعيش على وقع صراعات متشابكة ومفتوحة فيما تنظر قوى غربية إضافة لإسرائيل بقلق لهذا التقارب خاصة وان العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بأسوء مراحلها منذ عقد معاهدة كامب دايفيد.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أن عراقجي التقى السيسي في إطار زيارة رسمية يقوم بها إلى القاهرة، ضمن جولة دبلوماسية تشمل أيضاً العاصمة اللبنانية بيروت. وقد وصل المسؤول الإيراني إلى القاهرة مساء الأحد، حيث أجرى سلسلة مشاورات مع عدد من كبار المسؤولين المصريين، بينهم وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، والرئيس السيسي.
وأكدت الوكالة أن المباحثات بين الجانبين تطرقت إلى تعزيز العلاقات الثنائية، فضلاً عن تناول قضايا إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك، من بينها الوضع في قطاع غزة، وأمن البحر الأحمر، والتطورات في الملف النووي الإيراني.
وتأتي زيارة عراقجي في سياق مساعٍ إيرانية واضحة لتعزيز علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإقليمية، وفي مقدمتها مصر، التي لطالما حافظت على علاقات حذرة مع طهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وتشير دوائر دبلوماسية إلى وجود رغبة متبادلة لدى القاهرة وطهران لتحسين العلاقات، لا سيما في ظل حالة الانفتاح النسبي التي تبديها القيادة الإيرانية تجاه بعض دول الخليج والدول العربية في السنوات الأخيرة.
ويعتقد أن طهران تسعى، من خلال هذه الخطوات، إلى كسر طوق العزلة السياسية والدبلوماسية المفروضة عليها من قِبل الدول الغربية، خاصة مع تصاعد الضغوط المتعلقة ببرنامجها النووي، وازدياد الانتقادات الموجهة لها بسبب دعمها لجماعات مسلحة في كل من العراق، سوريا، لبنان، واليمن.
ومن أبرز الملفات التي يتوقع انها طُرحت خلال لقاء عراقجي بالقيادة المصرية، ملف أمن البحر الأحمر، الذي أصبح نقطة توتر إقليمي ودولي في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد سلسلة الهجمات التي شنّها الحوثيون – المدعومون من إيران – على السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، بذريعة دعم الشعب الفلسطيني في غزة.
وقال السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية في بيان "أن اللقاء تناول التطورات المتسارعة بالمنطقة، حيث أكد الرئيس الموقف المصري الرافض لتوسّع دائرة الصراع، مشدداً على ضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الإنزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة، مشيراً في هذا الإطار إلى أهمية المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة".
وذكر أن السيد الرئيس "أشار في ذات السياق إلى ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية، كما أكد سيادته على حتمية عودة الملاحة الى طبيعتها في منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ومن جانبه ثمن وزير الخارجية الإيراني الدور المصري لإستعادة الإستقرار الإقليمي، مؤكداً حرص بلاده على إستمرار التشاور بين البلدين خلال الفترة المقبلة".
وتعرضت مصر، التي تعتمد بشكل كبير على قناة السويس كمصدر رئيسي للدخل القومي، إلى خسائر اقتصادية ملموسة جراء تلك الهجمات، حيث انخفضت عائدات القناة، وتراجعت حركة الملاحة بنسبة ملحوظة نتيجة مخاوف أمنية دفعت العديد من الشركات العالمية إلى تغيير مساراتها البحرية.
ويرجح أن تكون القاهرة قد شددت خلال اللقاء على ضرورة الحفاظ على أمن الممرات البحرية في البحر الأحمر، وضمان عدم زجّ هذه المنطقة الحيوية في صراعات إقليمية أو حسابات عسكرية، خاصة أن أي اضطراب جديد في حركة التجارة قد تكون له تداعيات اقتصادية خطيرة على مصر والمنطقة ككل.
كما تناول اللقاء، بحسب مصادر مطلعة، تطورات الوضع في قطاع غزة، في ظل استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية، وسط إصرار من حكومة بنيامين نتنياهو على القضاء على حركة "حماس"، وإعادة تشكيل الوضع السياسي في القطاع، بما في ذلك حديث متكرر عن إعادة انتشار أو "ترتيب أمني دائم" في غزة.
ويشير مراقبون إلى أن الطرفين، المصري والإيراني، رغم اختلاف مقاربتهما للأزمة، يتشاركان قلقًا مشتركًا من تداعيات استمرار الحرب، خاصة في ما يتعلق بالكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، والتوترات الإقليمية الناتجة عنها، والتي قد تتفاقم إذا استمرت العمليات العسكرية أو توسعت إلى مناطق أخرى.
وتسعى القاهرة، من جانبها، إلى لعب دور محوري في وقف إطلاق النار وإعادة إعمار القطاع، وهو دور تحرص إيران على مواكبته بدعم سياسي ودبلوماسي للجهات المناهضة لإسرائيل، وعلى رأسها حركة "حماس" وحلفائها.
وزيارة عراقجي إلى القاهرة، وإن كانت تبدو في ظاهرها ذات طابع ثنائي، تحمل في طياتها أبعادًا إقليمية ودولية عميقة، إذ تأتي في وقت تعيش فيه إيران مرحلة حرجة على أكثر من صعيد. فهي تواجه تعثراً في المحادثات النووية، وتشهد علاقاتها مع أوروبا توتراً متزايداً، بينما تعاني من تباطؤ اقتصادي حاد، نتيجة العقوبات الغربية.