إيران تعمّق الخلافات بين ترامب وماكرون

لودريان يعلن في ردّ ضمني على تصريحات انتقد فيها الرئيس الأميركي بشدّة نظيره الفرنسي، أن فرنسا تعبر عن موقفها بسيادة تامة ولاتحتاج إلى إذن من أحد للإدلاء بموقفها من إيران.

الخلافات بين باريس وواشنطن تحولت إلى خلاف شخصي بين ماكرون وترامب
فرنسا تجدد تمسكها بالاتفاق النووي وبجهود نزع فتيل التوتر في الخليج
ماكرون يثير غضب ترامب بتواصله الدائم روحاني

باريس/واشنطن - أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الجمعة أن فرنسا "لا تحتاج إلى أي إذن" للإدلاء بموقف حيال إيران، وذلك ردا على انتقادات وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس لباريس.

وتمثل هذه المبارزة الدبلوماسية الحلقة الأحدث في سلسلة من التصريحات المتبادلة بين واشنطن وباريس قبل اجتماع مجموعة السبع في وقت لاحق من الشهر الحالي.

وتشير تصريحات لودريان إلى فصل جديد من التوتر في العلاقات الأميركية الفرنسية، حيث تشكل ردا ضمنياعلى ترامب الذي اعتبر أنه لا يحق للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التحدث إلى طهران باسم الولايات المتحدة.

 قال لودريان "بالنسبة إلى إيران، فإن فرنسا تعبر عن موقفها بسيادة تامة. إنها تلتزم بقوة السلام والأمن في المنطقة وتعمل من أجل نزع فتيل التوتر ولا تحتاج إلى أي إذن للقيام بذلك".

وأضاف في بيان "إن فرنسا ملتزمة باتفاق فيينا الذي يمنع انتشار الأسلحة النووية. إنها تحترم توقيعها، على غرار أطراف الاتفاق الآخرين باستثناء الولايات المتحدة وهي تطالب إيران بشدة بأن تعاود الوفاء بالتزاماتها" التي ينص عليها الاتفاق.

وخلص الوزير الفرنسي إلى القول بأن "تصاعد التوتر يستوجب مبادرات سياسية لضمان شروط الحوار. هذا ما يفعله الرئيس ماكرون بكل شفافية مع شركائنا وفي مقدمتهم الأوروبيون الموقعون. بالتأكيد إنه يبقي السلطات الأميركية على اطلاع. يجب بذل كل الجهود لتفادي أن يتحول هذا الوضع النزاعي إلى مواجهة خطيرة".

ووجّه ترامب الخميس انتقادا شديدا إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لإرساله "إشارات متناقضة" إلى إيران، مؤكّدا أنّ "لا أحد سوى الولايات المتحدة يتحدث باسمها".

وقال ترامب في تغريدة على تويتر "إيران لديها مشكلات مالية خطيرة. إنهم يائسون للتحدّث إلى الولايات المتحدة، لكنهم يتلقون إشارات متناقضة من جميع أولئك الذين يزعمون أنّهم يمثّلوننا بمن فيهم الرئيس الفرنسي ماكرون".

ودب خلاف بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا حلفاء واشنطن الرئيسيين في أوروبا من جهة وإدارة ترامب من جهة أخرى في ما يتعلق بإيران منذ العام الماضي حين قرر ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق دولي يقضي برفع العقوبات عن إيران مقابل الحد من أنشطة برنامجها النووي.

وفي حين يقول الأوروبيون إنهم يشاركون الولايات المتحدة مخاوفها بشأن سلوك إيران على مستوى المنطقة وبرنامجها الصاروخي فإنهم يعتقدون أن الانسحاب من الاتفاق النووي كان خطأ.

وفي الأشهر القليلة الماضية شددت الولايات المتحدة العقوبات على إيران بهدف وقف صادراتها النفطية. وحذر الأوروبيون من أن تصعيد المواجهة يمكن أن يؤدي لاندلاع حرب بالخليج.

وفي أواخر يوليو/تموز انتقد ترامب "حماقة" ماكرون لمضيه في فرض ضريبة على شركات التكنولوجيا الكبرى وهدد بفرض ضرائب على النبيذ الفرنسي ردا على ذلك. ووصف وزير فرنسي تصريحات ترامب بأنها "حمقاء تماما".

ويتواصل ماكرون الذي يدافع عن الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة، بانتظام مع نظيره الإيراني حسن روحاني. ولا يخفي أمله في أداء دور الوسيط في الأزمة الحالية.

وتشهد العلاقات الأميركية الفرنسية فتورا غير مسبوق على ضوء خلافات عميقة حول عدة قضايا منها ما يتصل بالخلافات التجارية الأوروبية الأميركية ومنها ما يتصل بملفات إقليمية ودولية على غرار الملف الإيراني، لكن الخلاف أخذ في ظاهره طابعا شخصيا بين ماكرون وترامب، حيث كثّف الأخير من انتقاداته لنظيره الفرنسي، في الوقت الذي بدت فيه باريس أكثر هدوء في التعامل مع التوتر الحالي بين الطرفين.

وحاولت فرنسا أن تلقي بثقلها الدبلوماسي لنزع فتيل التوتر بين طهران وواشنطن ولإنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار، وذلك ضمن جهود أوسع تستهدف بالأساس حماية المصالح الأوروبية مع إيران.

وسيكون الملف الإيراني قضية ساخنة في قمة مجموعة السبع القادمة. وما زالت الدول الأوروبية تأمل في إنقاذ الاتفاق النووي، لكن إيران بدأت في تقليص تعاونها مع تلك الدول ردا على العقوبات الأميركية.

وشكل إعلان الرئيس الأميركي في مايو/ايار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي كانت بلاده طرفا فيه في عهد سلفه الديمقراطي باراك أوباما، صدمة للأوروبيين وبداية مرحلة جديدة من التوترات مع واشنطن.

وتمسكت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق بالتزاماتها رغم تهديدات ترامب بأن العقوبات الأميركية لن تستثني أحدا بمن فيه الشركاء والحلفاء، ما دفع الأوروبيين للجوء إلى آلية للتجارة مع إيران تساعدها على الالتفاف على العقوبات، إلا أن هذا الإجراء على محدودية تأثيره، عمّق الشروخ بين واشنطن وبروكسل.

وزاد انغماس بريطانيا في المواجهة الشهر الماضي بعد احتجازها ناقلة نفط إيرانية بتهمة انتهاك العقوبات على سوريا. وردت طهران باحتجاز ناقلة بريطانية. ومنذ ذلك الحين قالت لندن إنها ستنضم إلى مهمة تقودها الولايات المتحدة لتعزيز الأمن في الخليج. وتحجم فرنسا وألمانيا حتى الآن عن المشاركة.

وسارعت كبرى دول أوروبا بعد توقيع الاتفاق النووي في العام 2015 لتعزيز العلاقات التجارية مع طهران التي تعتبر سوقا واعدة بالنسبة لمعظم الشركات الأوروبية دون أن تضع في اعتبارها أن الاتفاق ربما يتعرض لهزات سياسية.

ولايزال التوتر بين واشنطن وطهران في الخليج على حاله فيما تسعى الدول الأوروبية لنزع فتيل الأزمة وتجنيب المنطقة المزيد من التصعيد.

وفشلت عدّة وساطات متواترة في نزع فتيل التوتر من ضمنها وساطة عمانية وأخرى يابانية ومحاولات ألمانية وفرنسية.

واليوم الجمعة قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر، إن أي وجود عسكري في الخليج من خارج المنطقة سيمثل "مصدرا لانعدام الأمن" بالنسبة لإيران، مضيفا أن طهران ستتحرك لحماية أمنها.

وتسعى واشنطن لحشد شركاء دوليين للانضمام إلى تحالف أمني بحري وسط تصاعد حدة التوتر مع إيران. وحذرت طهران في وقت سابق من اليوم الجمعة من أي وجود لعدوها اللدود إسرائيل في التحالف المزمع إنشاؤه.

وقال ظريف "الخليج الفارسي (التسمية الإيرانية للخليج العربي) شريان حيوي ومن ثم يمثل أولوية أمن قومي بالنسبة لإيران التي لطالما حافظت على أمنها البحري".

وأضاف "مع وضع هذه الحقيقة في الاعتبار فإن أي وجود من خارج المنطقة هو بالفعل مصدر لانعدام الأمن... لن تتردد إيران في حماية أمنها".

وقالت بريطانيا يوم الاثنين إنها ستنضم إلى الولايات المتحدة في مهمة أمنية بحرية في الخليج لحماية السفن التجارية بعد احتجاز إيران ناقلة ترفع العلم البريطاني.

وأصبحت الملاحة عبر المضيق محور مواجهة بين إيران والولايات المتحدة بعدما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات على طهران.

وتقول إيران إن مسؤولية تأمين هذه المياه تقع على عاتق طهران والدول الأخرى في المنطقة.

وكانت الإمارات والسعودية قد دعتا المجتمع الدولي لتأمين التجارة البحرية وأمن إمدادات النفط العالمية.