إيران تفاقم التوتر بانتهاك الاتفاق النووي

تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.6 بالمئة من المواد الانشطارية هو أول خطوة في عملية ربما تسمح لطهران في نهاية الأمر بتوفير مخزون كاف من اليورانيوم عالي التخصيب لبناء رأس نووية.

إيران تنتهك الاتفاق النووي متجاهلة التحذيرات الأوروبية
واشنطن: سياسة ممارسة أقصى الضغوط على إيران ستستمر إلى أن تغير نهجها
إيران تساوم الأوروبيين للبقاء في الاتفاق النووي
طهران تلمح لامكانية العدول عن تعليق بعض التزاماتها النووية
روسيا تحمل واشنطن المسؤولية عن انتهاك إيران للاتفاق النووي
بريطانيا تعبر عن قلق شديد من خرق طهران للاتفاق النووي
نتنياهو يدعو الأوروبيين لفرض عقوبات فورية على إيران

فيينا/طهران - أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة بالتحقق من تطبيق طهران لبنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015، أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصبّ تجاوز الحدّ المسموح به، بحسب المتحدث باسم الوكالة الأممية.

ويأتي إعلان الوكالة الأممية تأكيدا لما سبق وأعلن عنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في وقت سابق الإثنين.

وتشكل الخطوة التي أقدمت عليها طهران تحديا للمجتمع الدولي وللشركاء الأوروبيين الموقعين على اتفاق فيينا وتجاهلا لكل النداءات الدولية التي حذرت إيران من عواقب خرق الاتفاق النووي.

وتأتي هذه التطورات في ذروة التوتر الأميركي الإيراني في الخليج وتزامنا مع جهود أوروبية متواصلة لإنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار، لكن طهران تركت الباب مواربا في الوقت ذاته للتراجع عن قرارات اتخذتها بتعليق بعض التزاماتها النووية.

ويبدو واضحا أن إيران اختارت الدخول في معركة ليّ أذرع وابتزاز للأوروبيين الذين طالبوها بعدم خرق الاتفاق النووي على أمل انتزاع المزيد من الدعم الأوروبي في مواجهة العقوبات الأميركية.

وتأتي الخطوة الإيرانية أيضا بعد أيام من إعلان الإتحاد الأوروبي تفعيل آلية التجارة مع طهران والتي تسمح بتفادي العقوبات الأميركية، لكن الحكومة الإيرانية اعتبرت أن ذلك غير كاف.

تخصيب اليورانيوم
تخصيب اليورانيوم

وقال المتحدث باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الإثنين في تصريح مكتوب بعيد إعلان طهران تجاوز مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 3.67 بالمئة وهو المخزون المحدد بموجب الاتفاق النووي، إن "الوكالة تحققت في الأول من يوليو (تموز) من تجاوز مجمل مخزون طهران من اليورانيوم المخصّب الـ300 كلغ" والمدير العام للوكالة يوكيا أمانو أبلغ مجلس الحكام بذلك.

وقبل هذا الإعلان نقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني قوله في وقت سابق الاثنين إن بلاده تخطت الحد المسوح لها من مخزون اليورانيوم المخصب بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015 مع القوى العالمية.

وبإقدام إيران على هذه الخطوة تكون قد تحدت ليس فقط الولايات المتحدة بل أيضا الشركاء الأوروبيين الذين طالبوها بالالتزام باتفاق فيينا، محذّرين من أن انتهاك الاتفاق سينقل الملف مجددا إلى مجلس الأمن وأن العواقب ستكون خطيرة وستعقد الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة.

وأكد ظريف تخطي إيران للحد البالغ 300 كيلوغرام من سادس فلوريد اليورانيوم (يو.إف6)، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي قال إن خطوات إيران المتعلقة بتقليص التزاماتها بموجب الاتفاق النووية "يمكن العدول عنها".

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الاثنين إن مفتشيها يتحققون مما إذا كان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قد تجاوز الحد المسموح به بمقتضى الاتفاق.

وقال المتحدث باسم الوكالة التابعة للأمم المتحدة "نحن على علم بالتقارير الإعلامية المتعلقة بمخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب... مفتشونا موجودون على الأرض وسيبلغون المقر الرئيسي بمجرد التحقق من المخزون".

وتخصيب اليورانيوم بمستوى منخفض نسبته 3.6 بالمئة من المواد الانشطارية هو أول خطوة في عملية ربما تسمح لطهران في نهاية الأمر بتوفير مخزون كاف من اليورانيوم عالي التخصيب لبناء رأس نووية.

وقال ثلاثة دبلوماسيين يتابعون عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها تحققت يوم الأربعاء الماضي من أن إيران تملك 200 كيلوغرام تقريبا من اليورانيوم منخفض التخصيب، أي أقل من الحد الأقصى الذي يسمح به الاتفاق وهو 202.8 كيلوغرام.

إيران كأنها لا تبالي بالجهود الأوروبية لانقاذ الاتفاق النووي من الانهيار
إيران كأنها لا تبالي بالجهود الأوروبية لانقاذ الاتفاق النووي من الانهيار

وكمية قدرها 300 كيلوغرام من 'يو.إف6' تعادل 202.8 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب.

وبعد محادثات في فيينا يوم الجمعة الماضي، قالت إيران إن الدول الأوروبية لم تقدم ما يكفي من الدعم التجاري لطهران لإقناعها بالعدول عن تجاوز حد تخصيب اليورانيوم المنصوص عليه في الاتفاق النووي.

واتخذت طهران قرار تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في العام الماضي وإعادة العمل بنظام العقوبات السابق.

وحث موسوي الدول الأوروبية اليوم الاثنين على تسريع وتيرة جهودها لإنقاذ الاتفاق ونقل عنه التلفزيون الرسمي قوله "الوقت ينفد منهم لإنقاذ الاتفاق".

وتقول إيران إن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية فقط منها توليد الطاقة. وتقول إسرائيل، التي لا تعترف طهران بها، إن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا لوجودها.

وحث جوزيف كوهين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) المجتمع الدولي على منع إيران من "تسريع وتيرة التخصيب".

وقال لمؤتمر أمني في هرتزليا قبل تصريحات ظريف "فقط تخيلوا ما سيحدث إذا أصبح مخزون المواد الإيراني قابلا للانشطار على مستوى التخصيب للأغراض العسكرية.. ثم ليصبح قنبلة بالفعل... سيكون الشرق الأوسط مكانا مختلفا ثم العالم بأسره. ولذلك على العالم عدم السماح بحدوث ذلك".

وكثفت واشنطن ضغوطها على طهران في مايو/أيار حين أصدرت أوامر إلى كل الدول بوقف استيراد النفط الإيراني. ومنذ ذلك الحين يتصاعد التوتر في الخليج.

كما أرسلت قوات إضافية إلى الشرق الأوسط وكادت مقاتلات أميركية أن تشن ضربات جوية على إيران الشهر الماضي بعد إسقاط طهران طائرة أميركية مسيرة.

وقال ظريف في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي في بث مباشر "لن ترضخ إيران أبدا لضغوط الولايات المتحدة... على أميركا محاولة احترام إيران إذا أرادوا الحديث مع إيران فعليهم إبداء الاحترام".

وأضاف "لا تهددوا إيران أبدا... إيران لا ترضخ للضغوط وترد باحترام عند معاملتها باحترام".

وكان ترامب دعا إلى إجراء محادثات مع النظام الإيراني "دون شروط مسبقة". واستبعدت طهران ذلك قائلة إن على ترامب العودة إلى الاتفاق إذا كان يريد التفاوض معها.

وقال البيت الأبيض اليوم الاثنين إن سياسة ممارسة أقصى الضغوط على إيران ستستمر إلى أن تغير نهجها وإنه ينبغي إلزام إيران بمبدأ عدم تخصيب اليورانيوم.

وأضاف في بيان بعد إعلان طهران أن مخزونها من اليورانيوم المخصب لمستوى منخفض قد تجاوز الحد المسموح به بموجب اتفاقها النووي المبرم مع القوى العالمية في 2015 "الضغوط القصوى على النظام الإيراني ستستمر إلى أن يغير زعماؤه نهجهم"، مضيفا "يجب أن نستعيد مبدأ منع الانتشار النووي القائم منذ فترة طويلة والخاص بألا تخصب إيران اليورانيوم".

واعتبر أن السماح للجمهورية الإسلامية بتخصيب اليورانيوم عند أي مستوى كان بمثابة خطأ في الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى الست الكبرى عام 2015، مؤكدا أنه "يجب أن نستعيد معيار حظر الانتشار النووي طويل المدى والمتمثل في عدم السماح بالتخصيب لإيران".

كما عبرت الحكومة البريطانية عن قلها إزاء هذا التطور الذي ينذر بزيادة التوتر في المنطقة. وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت إن بريطانيا "قلقة بشدة" حيال إعلان إيران تجاوزها السقف المحدد لمخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

وكتب هانت الذي يتنافس مع وزير الخارجية السابق بوريس جونسون على خلافة رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي في تغريدة "قلق بشدة من إعلان إيران بأنها انتهكت التزامات الاتفاق النووي".

وأضاف أن "المملكة المتحدة تظل ملتزمة بإنجاح الاتفاق وباستخدام جميع الوسائل الدبلوماسية لخفض التصعيد في المنطقة. وأدعو إيران إلى تجنب أي خطوات إضافية خارج إطار الاتفاق النووي والعودة إلى الالتزام به".

وكانت العلاقة بين طهران وواشنطن وصلت إلى مستوى خطير من التوتر مع قيام الحرس الثوري في العشرين من يونيو/حزيران بإسقاط طائرة مسيرة أميركية. وفي حين تؤكد إيران أن الطائرة كانت في الأجواء الإيرانية، تقول الولايات المتحدة العكس.

وقالت روسيا إن إعلان إيران تجاوزها السقف المحدد لمخزوناتها من اليورانيوم المخصب يدعو إلى "الأسف"، لكنها عزت ذلك إلى تصرفات الولايات المتحدة.

وذكر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء "هذا بالطبع يدعو للأسف ولكن علينا أن لا نبالغ في تصوير الوضع"، مضيفا "يجب فهم الأمر على أنه نتيجة طبيعية للأحداث التي حصلت قبله".

وأدان ريابكوف "الضغوط الأميركية غير المسبوقة"، إلا أنه دعا طهران إلى التصرف بـ"مسؤولية".

وحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدول الأوروبية اليوم الاثنين على فرض "عقوبات فورية" على إيران لتجاوزها مخزون اليورانيوم المخصب المنصوص عليه في الاتفاق النووي المبرم مع القوى العالمية عام 2015.

وقال وفقا لبيان صادر عن مكتبه "أقولها مجددا إن إسرائيل لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، مضيفا في تغريدة علبى صفحته بتويتر "اليوم أدعو أيضا كل الدول الأوروبية إلى الوفاء بالتزاماتها. لقد تعهدتم بالتحرك في اللحظة التي تنتهك فيها إيران الاتفاق النووي ولقد تعهدتم بتفعيل آلية العقوبات الفورية التي وضعت في مجلس الأمن.

وبعد أربع سنوات تقريبا من التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الست في العام 2015، بات هذا الاتفاق مهددا اليوم أكثر من أي يوم مضى.

وقال سفير فرنسا السابق لدى طهران فرنسوا نيكولو إنّ التهديدات "هي بشكل أساسي نداء استغاثة من إيران لشركائها من أجل تخليصها من الصعوبات المتنامية التي تهدد اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية".

وقال أيضا "ليست هناك مشكلة ملحّة طالما أن إيران لم تقترب من عتبة طن من اليورانيوم المنخفض التخصيب"، لكن إذا "جمعت على سبيل المثال مخزونا من 200 إلى 300 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، فقد يشكل ذلك مصدر قلق كبير" ولو أن هذا "لا يعني أنها قد تمتلك قنبلة في غضون أشهر قليلة".

واعتبر كذلك أن "زيادة مخزون المياه الثقيلة لا يشكّل خطرا للانتشار على الأقل لعدة سنوات"، لافتا إلى أن "إيران لم تلوح يوما بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وبالتالي "سيكون من الممكن الاستمرار في مراقبة تطور البرنامج الإيراني".

ونبّه إلى أنه "إذا عجز بقية الموقعين على الاتفاق النووي عن تخفيف آثار العقوبات الأميركية ولو بشكل طفيف قبل 7 يوليو فمن المرجح أن تنفذ إيران تهديداتها".

ورأى الباحث في الشؤون الإيرانية لدى المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية كليمان تيرم أن طهران "تسعى قبل أي شيء للحفاظ على المكسب الرئيسي" وهو اتفاق فيينا نفسه، مضيفا أن "المشكلة الرئيسية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية هي تفادي الانهيار الاقتصادي للبلاد بدون التسبب بحرب".

وقال إن إعادة إطلاق البرنامج النووي سيشكل "خطرا على الشعب الإيراني خصوصا لأنه سيقود البلاد إلى عزلة تامة وإلى المزيد من الفقر".

لكن تيرم يعتقد أن "الإحساس بخطر وشيك بشن حرب أميركية على إيران قد يدفع الأوروبيين والصينيين والروس لمنح ضمانات للجمهورية الإسلامية" بخصوص المسائل الاقتصادية.

وقال إن "الأمر الإيجابي هو أن العديد من دول المنطقة مثل الإمارات وقطر وعمان تؤيد دبلوماسية خفض التصعيد التي يمكن أن تقودها بروكسل وبكين وموسكو تحت شعار مصالحها الاقتصادية والأمنية المشتركة مع دول الخليج العربية".

الاتفاق النووي الإيراني
الاتفاق النووي الإيراني

وتم التوصل إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" المعروفة باسم الاتفاق النووي مع إيران، في 14 يوليو/تموز 2015 في فيينا بين طهران ودول 5 +1 أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا.

وكان هدف الاتفاق وضع حد لأزمة دولية حول البرنامج النووي الإيراني استمرت 12 عاما. وبموجب الاتفاق، تعهدت طهران بعدم السعي لحيازة القنبلة النووية وقبلت فرض قيود مشددة على برنامجها النووي في مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها.

وإيران التي نفت دائما أنها تحاول صنع سلاح نووي، وافقت على الخضوع لنظام تفتيش غير مسبوق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق في 8 مايو/ايار 2018 وأعاد فرض عقوبات اقتصادية حرمت إيران من المكاسب الاقتصادية التي كانت تتوقعها ودفعت اقتصادها نحو الانكماش بشكل كبير.

وأظهرت طهران في البداية "صبرا استراتيجيا"، حسب التعبير الرسمي من خلال إعلان تمسكها بالاتفاق ولكنها طالبت الأطراف الأخرى بالوفاء بالتزاماتها من خلال السماح لها بالاستفادة من هذا الاتفاق رغم انسحاب واشنطن منه.

وفي 8 مايو/ايار 2019 أي بعد عام بالضبط على الانسحاب الأميركي واقتناعها بعدم تحقيق الوعود الأوروبية، أعلنت طهران أنها باتت في حل من الالتزام باثنين من تعهداتها بموجب اتفاق فيينا.

وحددت الجمهورية الإسلامية للأطراف الآخرين في الاتفاق مهلة 60 يوما لمساعدتها على تخفيف آثار العقوبات الأميركية وخصوصا في قطاعي النفط والمصارف وإلا فسوف تعلق العمل بالتزامين آخرين.