إيران تقاوم العقوبات الأميركية بالمقايضات وتهريب النفط

حكام إيران أقاموا شبكة واسعة ومعقدة من التجار والشركات ومكاتب الصرافة ومحصلي الأموال في دول أخرى للالتفاف على العقوبات الأميركية المصرفية والمالية.

صادرات النفط الإيرانية انخفضت بأكثر من 80 بالمئة
توقعات بانكماش الاقتصاد الإيراني بـ3.6 بالمئة في 2019
لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للعقوبات الأميركية على إيران
إيران اكتسبت خبرة في التحايل على الضغوط الدولية

نيويورك - أدت سياسة واشنطن القائمة على ممارسة "أقصى الضغوط" على إيران بفرض عقوبات واسعة النطاق عليها إلى انخفاض إيرادات البلاد النفطية انخفاضا شديدا ودفعت باقتصادها إلى الركود وخفضت قيمة عملتها، إلا أن طهران نجحت في بناء شبكة للتهريب والمقايضات وفتحت قنوات سرية عبر الحدود للالتفاف على العقوبات الأميركية.

ورغم ذلك لا تزال إيران تبدي صمودا في وجه الضغوط الأميركية التي تستهدف إرغام طهران على قبول قيود أكثر تشددا على برنامجها النووي وتقليص دعمها لحروب بالوكالة في الشرق الأوسط.

ويقول مسؤولون إيرانيون ورجال أعمال ومحللون، إن إيران مازالت تقف على قدميها بفضل زيادة صادراتها من السلع غير النفطية وزيادة الإيرادات الضريبية، لكن أهم وسائلها تتمثل في اللجوء إلى صفقات المقايضة والتهريب وبعض الصفقات السرية.

ويقول هؤلاء إن حكام إيران أنشأوا شبكة من التجار والشركات ومكاتب الصرافة ومحصلي الأموال في دول أخرى من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية المصرفية والمالية.

مؤشرات سلبية للاقتصاد الإيراني
مؤشرات سلبية للاقتصاد الإيراني

وقال مسؤول إيراني كبير طلب مثل بقية المسؤولين عدم نشر اسمه "أميركا لا يمكنها أن تعزل إيران. إذا نجحوا في وقف مبيعاتنا النفطية وهو ما لا يقدرون عليه، فسنصدر المنسوجات والأغذية والبتروكيماويات والخضروات وكل ما يخطر على بالك".

وقال علي واعظ مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، إنه رغم الضائقة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني فهو أبعد ما يكون عن الانهزام".

وأضاف واعظ "إيران صاحبة خبرة كبيرة في العيش تحت الضغط الاقتصادي. في السنوات القليلة الماضية نمت الصادرات غير النفطية بشكل كبير وكذلك التجارة مع الدول المجاورة مثل العراق وأفغانستان. كما يمكن لإيران أن تهرب النفط وتحقق بعض الإيرادات".

وسارعت الشركات الغربية للعودة إلى السوق الإيرانية وازداد دخلها من النفط بعد عام من إبرام الاتفاق النووي في 2015 مع القوى الكبرى الست مما أنهى نظام العقوبات الذي فرض عليها في 2012 بسبب برنامجها النووي.

وكانت العقوبات الجديدة التي فرضت بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق في مايو/أيار من العام الماضي الأشد إيلاما من جانب واشنطن واستهدفت تقريبا كل قطاعات الاقتصاد الإيراني بما في ذلك الوسائل التي تمول بها طهران تجارتها الدولية.

الايرانيون يدفعون ثمن سياسات النظام وتهوره
الايرانيون يدفعون ثمن سياسات النظام وتهوره

ومنذ العام الماضي انخفضت صادرات النفط الخام الإيرانية بأكثر من 80 بالمئة مقارنة مع عام 2012 عندما هبطت الصادرات لأقل من 1.3 مليون برميل يوميا من حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم.

ورغم إعفاء الغذاء والدواء من العقوبات فإن عدم القدرة على التعامل من خلال النظام المالي العالمي تسبب في أزمة إنسانية بنقص الأدوية المتخصصة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني في 2019 بنسبة 3.6 بالمئة بسبب انخفاض الإيرادات النفطية. كما يتوقع البنك الدولي أن يقفز التضخم إلى 31.2 بالمئة في 2019-2020 من 23.8 بالمئة في 2018-2019 ومن 9.6 بالمئة في العام الذي سبقه، بينما يعتقد بعض الاقتصاديين أن التضخم تجاوز بالفعل 40 بالمئة.

ويصر المسؤولون الإيرانيون على أن بمقدور إيران اجتياز العاصفة غير أن الواقع على الأرض قاس.

وأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية وصعوبة سداد قيمة احتياجات استيرادية عاجلة إلى ارتفاعات في أسعار الخبز والأرز وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.

وقال المدرس المتقاعد علي كمالي (63 عاما) في طهران "من السهل على المسؤولين الحديث عن مقاومة الضغط الأميركي، فليس عليهم أن يقلقوا على الإيجار أو أسعار السلع المتزايدة. الأسعار ترتفع كل يوم". ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة للعقوبات إذ قال ترامب يوم الثلاثاء إن الضغوط ستشتد على إيران. 

وازدادت التوترات بفعل الهجمات التي وقعت يوم 14 سبتمبر/أيلول على مواقع نفطية في السعودية حمّلت واشنطن والرياض والاتحاد الأوروبي مسؤوليتها لإيران.

إيران تعتمد على ايرادات التجارة مع العراق وافغانستان
إيران تعتمد على ايرادات التجارة مع العراق وافغانستان

وتنفي طهران وجود أي دور لها في الهجمات التي أعلنت حركة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران مسؤوليتها عنها.

وقال تشاك فرايليتش الزميل بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية "إيران ليس لها مصادر أخرى كثيرة من الدخل بخلاف النفط ولذا فإن اقتصادها في حالة اختلال... فلديهم احتياطيات كبيرة للميزانية لاجتياز الأشهر القليلة المقبل، لكن الوضع لا يمكن استمراره".

وكان للعقوبات المالية وطأتها الشديدة على البنوك والمؤسسات والأفراد وشركات الواجهة في عدد من الدول مثل تركيا وقطر.

وقد استخدمت إيران نظام المقايضة للالتفاف على هذه العقوبات في الماضي، لكن نطاق استخدامه زاد كثيرا هذه المرة خاصة مع الدول المجاورة ومنها العراق وباكستان وأفغانستان.

وقال مسؤول إيراني كبير آخر "نحن بلد غني بحدود طويلة مع دول عديدة. وإذا بعت أي شيء بأقل من سعره في السوق فبوسعك أن تجد عشرات المشترين... ولتنقل النقد السائل برا أو بحرا أو حتى عن طريق دولة ثالثة".

وأضاف أنه باع "أطنانا من السلع" في الأشهر الأخيرة وأنه يسافر إلى دبي ثلاث مرات شهريا "لإنجاز المهمة".

وأغلب صادرات إيران غير النفطية مصدرها صناعة البتروكيماويات التي وصل حجم إنتاجها إلى 44.8 مليون طن في الأشهر العشرة الأولى من السنة الفارسية السابقة التي انتهت في مارس/آذار. وتجاوزت حصيلة الصادرات 9.7 مليارات دولار.

ولا تزال إيران تتمكن من تصدير شحنات من منتجاتها البتروكيماوية وغاز البترول المسال إلى آسيا بما في ذلك الصين وماليزيا.

وقال مسؤول ثالث "زبائننا يأتون إلى إيران أو نقابلهم في بلد مجاور، فهذا عمل وعندما يكون السعر أقل من سعر السوق فبإمكانك أن تجد مشترين كثيرين".

وفي زيارة أخيرة إلى اسطنبول دعيت رويترز إلى اجتماع لثلاثة من الشباب الإيرانيين مع مجموعة صغيرة من التجار الأجانب لبحث صفقات لتصدير مواد غير نفطية.

وبعد محادثات استمرت ساعات وعدة مكالمات إلى طهران للحصول على توجيهات بخصوص السعر وموقع التسليم تم إبرام صفقتين قيمتهما نحو ملياري دولار.

وقال أحد الإيرانيين ويتولى إدارة شركة مرتبطة بالحكومة تعمل في الاستيراد والتصدير "لا تأمين ولا بنوك، نقد سائل فحسب".