إيران تلجأ إلى ورقة التهديد بغلق مضيق هرمز
طهران - ضاعف مقترح وزير الاقتصاد الإيراني السابق إحسان خاندوزي بفرض شرط الحصول على إذن من بلاده للسماح لناقلات النفط والغاز بالمرور عبر مضيق هرمز، المخاوف من تعطّل إمدادات الطاقة باعتبار أهمية الممر المائي الحيوي.
ويعتبر التهديد بإغلاق مضيق هرمز ، الذي يبلغ عرضه في أضيق نقطة منه نحو 33 كيلومترا فقط، ورقة ضغط سياسية تستخدمها في فترات التوتر، بالنظر إلى عواقبه الوخيمة على الاقتصاد العالمي. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك الوزير السابق يعكس بتصريحاته قرارا من المؤسسة الحاكمة في إيران أم يدلي فقط برأيه الشخصي في الأمر.
ولطالما استخدمت طهران التهديد بإغلاق الممر المائي الضيق كوسيلة لدرء الضغوط الغربية دون التصرف بناء على تهديداتها. وزادت المخاطر منذ أن شنت إسرائيل حربا جوية على إيران الأسبوع الماضي بعد أن خلصت إلى أن الأخيرة على وشك تطوير سلاح نووي. وتؤكد الجمهورية الإسلامية أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط.
وكتب خاندوزي في منشور على منصة "إكس" الثلاثاء "هذه السياسة الخاصة بالعبور من المضيق ستكون حاسمة إذا نفذت في الوقت الصحيح. أي تأخير في تنفيذها سيعني إطالة أمد الحرب داخل البلاد".
وكان خاندوزي وزيرا للاقتصاد حتى صيف العام الماضي في حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ولا يزال قريبا من المتشددين في المؤسسة الإيرانية.
ويقع مضيق هرمز بين عُمان وإيران وهو طريق التصدير الرئيسي لمنتجي الخليج مثل السعودية والإمارات والعراق والكويت ويمر عبره نحو 20 بالمئة من النفط الذي يُستهلك يوميا في العالم، أي حوالي 18 مليون برميل.
ويتوقع خبراء أن تتجاوز أسعار النفط 150 دولارًا للبرميل في حال إغلاق المضيق، ما من شأنه أن يؤدي إلى موجة تضخم عالمية تضرب سلاسل الإمداد والنقل وأسعار السلع الأساسية.
وينتظر أن تشمل تداعيات الخطوة المحتملة أوروبا التي تعتمد على الغاز القطري المسال، وآسيا، خاصة الصين والهند وكوريا الجنوبية، التي تعوّل بشكل كبير على نفط المنطقة، ما سيجبر الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي "الناتو" والقوى البحرية الآسيوية على التدخل لضمان حرية الملاحة.
وتعتمد إيران نفسها بشكل كبير على تصدير النفط والغاز عبر المضيق، وبالتالي فإن إغلاقه سيحرمها من مصدر دخلها الأساسي وقد يؤدي غلقه إلى رد عسكري سريع من الولايات المتحدة والدول المتحالفة لإعادة فتحه.
وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، يعتبر الممر المائي من المضائق الدولية التي تخضع لنظام المرور العابر، مما يضمن حق السفن، بما فيها الحربية، في العبور دون إذن مسبق. ومع ذلك، طالبت إيران مرارًا بحقها في الإشراف على المضيق وتعتبره ضمن مياهها الإقليمية، مما يخلق تباينًا في التفسيرات القانونية.
وعلى الرغم من التهديدات المتكررة، لم تقم إيران بإغلاق الممر بشكل كامل أبدًا. ويعتقد العديد من المحللين أن الأمر شبه مستحيل لأسباب عسكرية واقتصادية وجيوسياسية. ومع ذلك، فإن مجرد التلويح بهذه الورقة يؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية.
ووفق تقرير لموقع "نيوبايس" البريطاني مؤخرا، "تملك إيران 6 آلاف لغم بحري، وهي قادرة على زرع 100 لغم يوميا، ما سيغلق هرمز فورا، ويعيق حركة السفن الحربية الأميركية، ويؤثر على نقل النفط والغاز"
وتحدث التقرير، الذي لم تعلق عليها طهران، عن "قدرة غواصات "كيلو" الإيرانية على تنفيذ حملة تلغيم طويلة الأمد، وسط غياب فوري لأي قدرة دولية فعالة على إزالة الألغام بسرعة وانسحاب شركات التأمين من تغطية أي عبور في المنطقة".
وقال مدير البحوث الاقتصادية المختص بشؤون الطاقة بالمركز العالمي للدراسات التنموية بلندن الدكتور صادق الركابي للأناضول إن "تلغيم أو إغلاق هرمز سيجعل العالم أمام مفترق طرق وسيشكل صدمة فورية للأسواق".
وتابع "من المتوقع أن تقفز أسعار النفط إلى مستويات تتراوح بين 120 و150 دولارا، وتتضاعف أسعار الغاز المسال".
وحذر من أن "الآثار ستكون كارثية على الاقتصاد العالمي، حيث سترتفع تكاليف الشحن، وتتسع موجات التضخم، وقد تدخل بعض الاقتصادات الكبرى في ركود".
واعتبر أن "الإغلاق الكامل لمضيق هرمز لن يكون مجرد إجراء عسكري، بل إعلان عن بداية مرحلة جديدة في الاقتصاد العالمي عنوانها: أمن الطاقة".
ودعا إلى اتخاذ تدابير عاجلة تستبق تلك الخطوة عبر "تنويع مصادر الطاقة في أوروبا وآسيا، والاعتماد على الطاقة المتجددة والغاز المسال، والتحرك الدبلوماسي السريع لتخفيف حدة التصعيد عبر وسطاء إقليميين ودوليين".
أما نائب رئيس الأركان الأردني السابق الخبير العسكري والاستراتيجي الفريق متقاعد قاصد محمود فقال إن "إغلاق المضايق أمر كبير جدا من حيث القيمة الاستراتيجية، مردفا "ومعروف أنه اعتداء على المصالح الدولية، ويبرر لأي دولة قوية أن ترد عسكريا".
وأضاف أن "إيران قادرة على إغلاق هرمز، ولكن أراه خيارا انتحاريا، وهي ليست دول مجنونة، وقد تلجأ لتوظيف أحد حلفاءها بالمحور (يقصد الحوثيين) لهذا الأمر كما حدث منذ عام بالبحر الأحمر".
وتابع أن "إغلاق هرمز ليس بالضرورة عبر تلغيمه، ولكن يمكن بالسيطرة العملياتية واستخدام الصواريخ في نطاقه، وهذا متوقع لو تدخلت واشنطن".
وختم بأن "إغلاق هرمز سياسيا واستراتيجيا صعب الحدوث، لكن ممكن ضمن التصعيد العسكري، وسترد عليه أميركا خاصة أن لديها قوة بالمنطقة الأسطول الخامس".